نزل القرآن الكريم بلغة العرب ولا شك في ذلك، بدليل قوله تعالى: “وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)” (سورة الشعراء:192-195)، ولكن ظهرت بعض الكلمات في القرآن الكريم بغير ما اعتاد عليه العرب من الكلام إما بلغة الأعاجم أو الفرس، وكان المرجع في ترجمتها ومعرفة معناها هو النبي صلى الله عليه وسلم.
ما وقع في القرآن بغير لغة العرب
أي ما جاء في كتاب الله تعالى بغير اللغة العربية التي اعتاد عليها العرب من أهل قريش ومن حولهم.
اللغات التي كانت منتشرة في زمن نزول القرآن الكريم
1- العبرانية وقيل أنها متقاربة مع العربية وهي لغة اليهود.
2- الفارسية وهي لغة بلاد فارس التي هي إيران الآن.
3- اللغة الحميرية وهي اللغة التي أشتهر بها أهل شمال اليمن.
4- اللغة الأمهرية وهي لغة أهل أثيوبيا.
أمثلة على الكلمات التي وقعت في القرآن الكريم بغير لغة العرب
1- كلمة أباريق: في قوله تعالى: “يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ(17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ(18)” (سورة الواقعة:17-18)، هي جمع إبريق وهي كلمة أصلها فارسي وهو الإناء وهي كلمة معربة.
2- كلمة الأب: نحو قوله تعالى: “وَفَاكِهَةً وَأَبًّا” (سورة عبس:31)، ليس بمعنى الوالد، بل قيل أنها مأخوذة من العبرانية والسريانية التي هي أقرب للغة العربية، ومعناها الخُضرة، أو المرعى التي يأكلها الأنعام.
3- كلمة ابلعي: في قوله تعالى: “وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ” (سورة هود:44)، قيل أن معناها بالحبشية ازدرديه، وقيل أن معناها اشربي بلغة أهل الهند وهو المعنى الراجح.
4- كلمة أخلد: في قوله تعالى: “وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ” (سورة الأعراف: 176)، قيل أن معناها ركن إلى الأرض بالعبرية، ولكن القول الراجح أن معناها أقام في الأرض ونزل فيها، أي مال إلى الدنيا وآثر الحياة الدنيا.
5- كلمة أرائك: في قوله تعالى: “هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ” (سورة يس:56)، كلمة قيل أنها حبشية ومعناها السرر في الحجلة وهي السرير في البيت أو القبة، ولكن البعض يرى أنها كلمة عربية بحتة مستنداً على الحديث الشريف: “عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله“.
6- كلمة أسباط: من قوله تعالى: “وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا” (سورة الأعراف:160)، قيل أنها لغة عبرانية تعني القبيلة، وجاءت لتفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق، والسبط القبيلة من بني إسرائيل.
7- كلمة إستبرق: في قوله تعالى: “عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ” (سورة الإنسان:21)، البعض يقول أنها عربية خالصة مأخوذة من كلمة برق.
8- كلمة السندس: بقوله تعالى: “عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ” (سورة الإنسان:21)، وهي تعني الرقيق من الديباج والرفيع والبعض قال أنها غليظ الديباج.
9- كلمة أسفار: في قوله تعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا” (سورة الجمعة:5)، وهي كلمة من الكلمات المشتركة بين اللغات السامية وهي العبرانية والسريانية والنبطية والعربية، وهي جمع كلمة سفر وهي معناها الكتب.
الدليل على تعلم اللغات غير العربية
عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا، أخبره: أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال زيد: ذهب بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: “يا زيد، تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي ” قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب”.
في الختام، القرآن الكريم في مجمله عربي خالص لا خلاف في ذلك وهي اللغة السائدة في زمن نزول، قال تعالى: “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ” (سورة النحل:103)، ولكن هذا هو التحدي أنهم لا يستطيعون الإتيان بمثله.