ترجمة القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


القرآن الكريم نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للبشرية كافة وليس حصراً على أهل قريش خاصة أو على العرب عامة، فقال الحق سبحانه وتعالى: “إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ” (سورة التكوير:27)، على الرغم من أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب، أي بلسان القوم الذين نزل فيهم، وما هذا إلا لحكمةٍ بالغةٍ وهي أنَّ اللغات الأخرى تختلف بعضها عن الأخرى في الترجمة، فكان الفصل في ذلك القرآن الكريم، فهل يجوز ترجمة القرآن الكريم إلى لغات أخرى؟

ترجمة القرآن الكريم

هي نقل معاني القرآن الكريم وتفسيرها من اللغة العربية إلى لغات أخرى أجنبية أو أعجمية، بدون بيان معنى الأصل الذي تمت الترجمة منه.

شروط الترجمة للقرآن الكريم

1- على المترجم أن يكون على معرفة جيدة بالوضع العام والخاص باللغة الأصلية واللغة المراد الترجمة إليها.

2- على المترجم أن يعرف أسلوب وخصائص اللغتين.

3- أن تستقل الترجمة إلى اللغات الأخرى عن اللغة الأصلية.

أقسام الترجمة للقرآن الكريم

تنقسم الترجمة إلى قسمين هما كما يلي:

أولا الترجمة الحرفية

وهي أن ينقل المترجم ألفاظ اللغة الأصلية إلى ألفاظ لغة أخرى بنفس المعنى وبما يشبهها من تركيب ونظم، فيقوم المترجم بقراءة النص الأصلي فيستبدل كل كلمة من اللغة الأصلية بكلمة مقابلة لها في اللغة المراد الترجمة إليها بدون تغيير في المعنى، ولكن للترجمة الحرفية شرطين أساسين هما:

1- أن يوجد في اللغة الأخرى المراد الترجمة إليها معاني ومفردات وكلمات مرادفة ومساوية للغة الأصلية.

2- أن تتشابه اللغتان الأصلية والمراد الترجمة إليها في ضمائرهما وروابطهما التي تربط بينهما.

على الرغم من استحالة توفرهما في أي لغتين؛ لأن القرآن الكريم لغته معجزة وفصحاء العرب عجزوا عن الإتيان بمثله أو مصارعته، وأنه جاء لهداية الناس وصلاحهم وهذا لا ينطبق إلا بتفهم اللغة الأصلية، وقد قال في ذلك الفيلسوف المسلم أبو الريحان البيروني: “إن الترجمة خيانة”.

ثانيا الترجمة التفسيرية

وهي الترجمة التي لا يكون مطلوب فيها ترجمة حرفية وأن تدل الكلمة على نفس المعنى حرفياً، بل هي التي تبين معنى الكلمة بصورة جميلة، وتؤدي الغرض الذي نزلت من أجله وبذلك يجب أن تتحقق الشروط التالية في الترجمة التفسيرية:

1- أن تكون الترجمة التفسيرية مستنبطة من الأحاديث النبوية الشريفة واللغة العربية وعلوم الشريعة الإسلامية، أي لا يعتمد عليها إلا بالعودة إلى ما سبق.

2- أن يكون المترجم من أهل السنة والجماعة وعلى عقيدتيهما بعيداً عن البدع والضلال وأهله.

3- على المترجم أن يعرف معرفة تامة باللغتين وأن يكون خبيراً بخصائصهما بشكل عميق وكبير جداً.

4- أن يفسر المترجم القرآن الكريم أولاً ليعرف ما تريده الآية، ثم بعد ذلك يترجمه ترجمة تفسيرية.

5- أن تفي الترجمة بمعاني الأصل ومقصدها.

6- في حال الترجمة يجب كتابة الآية القرآنية باللغة العربية الأصلية وتفسيرها باللغة العربية ثم ترجمتها إلى اللغة الأخرى.

الفائدة من ترجمة القرآن الكريم

1- لمعرفة المسلمين من غير العرب معاني القرآن الكريم الذي نزل على نبيهم صلى الله عليه وسلم واتباعه.

2- لمنع محاولات غير المسلمين أو بعض المستشرقين من تشويه حقائق الإسلام التي بينها القرآن الكريم لغير العرب من المسلمين.

3- إقامة الحجة على غير المسلمين الذين يريدون معرفة كتاب الله تعالى بدون شبهات والتي يحاول أعداء الإسلام إثارتها.

4- بترجمة القرآن الكريم يقوم الداعية بواجبه الدعوي بهداية الناس إلى الحق ومخاطبتهم بلغاتهم التي نشأوا عليها.

ولكن يجب الانتباه بأن الترجمة التفسيرية لا تعتبر قرآناً تتم به الصلاة، بل يجب على المصلي المبتدئ بالتعلم أن يتعلم من القرآن الكريم ما تصح به صلاته، وإلا كيف سيصبح متعبد بتلاوته.

حكم ترجمة القرآن الكريم

لا شك في أن ترجمة القرآن الكريم ترجمة حرفية حرام شرعاً بإجماع علماء المسلمين كافة، أما التفسيرية فهي واجبة على المختصين بعلوم القرآن الكريم وهي فرض كفاية.

أشهر الكتب التي تناولت موضوع ترجمة القرآن ويمكن الرجوع إليها

1- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة.

2- الصاحبي في فقه اللغة العربية، لأحمد بن فارس الرازي.

3- مناهل العرفان، للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني.

4- مباحث في علوم القرآن، للشيخ خليل مناخ القطان.

5- التبيان في علون القرآن، للشيخ محمد علي الصابوني.

نبذة تاريخية عن ترجمة القرآن الكريم

أول ترجمة لكتاب الله عز وجل كانت في أوروبا حيث طلب راهب مدينة دير كلوني الفرنسية ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الغربية اللاتينية وقد قام بهذه الترجمة الألماني هرمان الدلماشي، والإنجليزي روبرت التريني، وراهب إسباني من أصل عربي، ثم بعد ذلك تمت ترجمته في القرن السابع عشر ميلادية إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وفي القرن الثامن عشر ترجم إلى الروسية، ثم في القرنين التاسع عشر والعشرون، تمت إعادة ترجمة القرآن الكريم الى اللغة الأوروبية الحديثة.

وكان أول من ترجم القرآن الكريم إلى الإنجليزية المستشرق الإنجليزي جورج سيل، ثم بعد ذلك قام العالم البريطاني المسلم محمد مارمادوك بكتال حيث قام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية، وأشهر الترجمات وأسهلها ترجمة البريطاني الباكستاني الأصل الأستاذ عبدالله يوسف علي في عام 1934، وقد استغرق في ذلك أربعين سنة.

ويوجد ترجمة ألمانية هي ترجمة فلوجل والتي صدرت في العام 1862، وهناك ترجمة إيطالية في العام 1929ميلادية، وصدرت في العام 1934 ترجمة تشيكية، وتم ترجمة القرآن الكريم بلغة الإسبرانتو من قبل المسلم الإنجليزي خالد شلدريك في لندن عام 1914ميلادية، ويوجد ترجمة باللغة التركية منذ القدم ولكنها وجدت في المكتبات ولم يكن معروف المترجم لأنها لم تكن الأصلية بل كانت منسوخة عنه.

وفي النهاية فإن ترجمة القرآن الكريم لها فوائد عظيمة، وترجمتها وتبيانها للعالم الغربي مهمة عظيمة وكبيرة يجب علينا القيام بها، وقد يوجد بها بعض المخالفات للنصوص القرآنية بصورتها الحقيقية ولكن علماء الإسلام بذلوا الغالي والنفيس في ذلك لمنع الهجمات العدائية من بعض أعداء الإسلام وبعض المستشرقين والذين يحاولون تشويه الصورة السمحة والحقيقية للإسلام.

المصدر: تأويل مشكل القرآن،ابن قتيبة،1973.مناهل العرفان في علوم القرآن،الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني،1995.علوم القرآن الكريم،الشيخ الدكتور نور الدين عتر،1996.إتقان البرهان في علوم القرآن،الشيخ الدكتور حسن فضل عباس،2010


شارك المقالة: