تباينت الأساليب المستخدمة وتغيرت بمرور الوقت، ومن أجل مواكبة تطور القانون الحديث، فإن عملية سنّ القوانين المتأثرة بالنظام اللاتيني تستند أساسًا إلى التشريع، ومن بينها القانون المدني الفرنسي، وبعد ذلك تم نقل أفكار التقنين إلى القانون العربي بمراحل متفاوتة، حيث فضل البعض الالتزام بالمنهجية التي أرساها الفقه الإسلامي، ومحاولة دمجها مع الأساليب التشريعية الغربية، وبالتالي سنّ قوانينها الخاصة.
التقنين في القانون المدني
إن منهجية النهج القضائي الذي يمثله نظام التقنين في ترتيب القواعد التشريعية تواكب وتستند باستمرار، لذلك بدأت الكثير من الدول التي تستند هذا النظام في قبول فكرة التقنين خارج السوابق القضائية، الذي بموجبه يتم توسيع نطاق التقنين، في المقابل، فكرة السوابق في النظام القضائي للدولة التي تتبنى الأسلوب القانوني، حيث أنشأ الاقتصاد لسبب نظام المحاكم المدنية الذي يعمل وفق نهج السوابق القضائية، بالإضافة إلى النهج التشريعي العائد بالفقه الإسلامي والمطبق في الدول.
هذا يبشر بالخير للفكرة المتنامية للأنظمة القانونية المختلطة في العديد من البلدان في الحاضر والمستقبل، والجمع بين مزايا كلا النظامين في نظام تشريعي واحد.
وكما يسلط الضوء على جوانب معينة من التداخل بين الفقه الإسلامي والنظام اللاتيني من ناحية، وبين الأنظمة الأنجلو أمريكية من ناحية أخرى، حيث قيل إن الفقه الإسلامي تأثر بالأساليب التشريعية المستمدة من النظام اللاتيني، وبين الفقه الإسلامي والنظام الأنجلو أمريكي، وخاصة منهجية القانون الإنجليزي من حيث استمداد المبادئ القانونية وتطبيقها، وكذلك أوجه الشبه في الأحكام العامة والتطبيقات الفرعية.
يعتبر التدوين هو تجميع للأحكام القانونية التي تهم هيئة قانونية معينة. ويلعب التدوين دورًا مهمًا في الحياة العصرية؛ لأنه يسهل على القضاة تحديد قواعد القانون التي تنطبق على قضية معينة ويؤدي أيضًا إلى توحيد القوانين في جميع أنحاء البلاد، وتقنين تأثيرات الدولة على البلدان الأخرى، حيث أن المهم هو التقنين التشريعي لكل قانون؛ لأن أساس حفظ أي قانون هو حفظه عن طريق تقنينه، وبالحديث عن التقنين فإن الفقه القانوني يبيّن الدور الذي تلعبه الوحدة القضائية في مجال التقنين.
عُرف التقنين في الحقبة الماضية بأنه لا يكتبه التاريخ؛ لأن عُرف الشريعة منذ انتساب الفاتحين الأوائل، حيث بدأ في طاعة تعاليم الملك، واعتمد هذا التعليم؛ بسبب بساطة ووضوح تعاليم الملك في طبيعة الحال بينما تعاليم هذا الموقر هي تعاليم صالحة في الحياة المدنية والتجارية والجنائية، فمن القانون العام أن الحياة يسودها المسلمون وغير المسلمين، باستثناء شؤون الأسرة التي تُترك لمتلقيها بالسيطرة الدينية؛ لأن مكانة الفرد هي أقرب إلى دين الشخص، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيمان، الذي يقوم على التسامح الديني، وهو نظام معروف جيدًا في جميع البلدان الإسلامية، وتعدد الآراء والنظريات في موضوع واحد؛ لأن هناك الكثير من الطلاب وداعمي الفقه العظيم.
وإن قرّاء القوانين المدنية، وكل ما توصلوا إليه من أصول الفقه، لا صلة لهم بمبادئ القانون ونظريته العامة، بل بأدوات ووسائل الاجتهاد، مما يجعلهم يجهلون الأحكام العامة للقانون، بل قسم محدد من القانون أو تجميع إحدى مؤسساته، وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل أقسام القانون على دراية بالتقنين؛ لأن القانون الإداري لا يعرف بعد عن التدوين، وهذا ليس عيبًا؛ لأن القانون الإداري هو قانون قضائي إداري.
بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي أن يُفهم من التدوين أنه يجب تقنين جميع الأحكام، ولكن يجب أن تقتصر على المبادئ العامة، التي نادرًا ما يتم تغييرها أو تعديلها، مما يجعل القانون راكدًا وغير قادر على مواكبة التطور، تاركًا التفاصيل والمشاكل كقضاة حسم منازعات الناس والتفاصيل الواجب معالجتها من قبل خصومهم، والفقه في إعطاء التفسيرات والتعديلات، دون الحاجة إلى اقتراح تعريفات للمصطلحات الواردة في التقنين.
تجدر الإشارة إلى أن القوانين واللوائح التي صدرت في وقت حماية التقنين القانون المدني لم تستفد منها؛ لأنها تهدف إلى تنظيم العلاقات مع العوامل الخارجية، من حيث الجوهر والشكل، حيث تم سنّها من أجل تطبيقها في الكثير من المحاكم، حيث حلت بعض المحاكم منها المحاكم الفرنسية محل المحاكم القنصلية، كما كانت معروفة في وقت عُرف القانون المدني، وأنشأت بعض المحاكم حماية لِما يخص تقنين القانون المدني، حيث كانت المحاكم الإسبانية الأولى في طرح الحصانة والحماية للقانون المدني وحافظت على كيفية كتابة وتقنين القوانين.