حماية حقوق الإنسان بموجب القانون الدولي العام

اقرأ في هذا المقال


حماية حقوق الإنسان بموجب القانون الدولي العام:

أُنشئت الأمم المتحدة على أثر الحرب العالمية الثانية، لتقوم في الدرجة الأولى بدورها كرصد للسلم والأمن في العالم. ومنذ البداية، كانت الأطراف المؤسسة على دراية بالصلة الوثيقة بين السلام وحقوق الإنسان، بحيث لا يمكن للبشرية أن  تتمتع بكامل حقوقهم إلا في ظل ظروف سلمية. ولا ينبغي بأي شكل أن تطارد الأعمال المدمرة الجماعية الشعوب مرة أخرى، بالإضافة الى أنه لا ينبغي بأي شكل أن تصبح الشعوب ضحايا مرة أخرى لجريمة الإبادة الجماعية التي دمرت الشعوب في جميع أنحاء قارة أوروبا.

ويوضح ميثاق الأمم المتحدة في مقدمته، أن غاية المنظمة العالمية هو التأكيد على الإيمان بحقوق الإنسان الرئيسية وبكرامته وقيمته وبالمساواة بين الذكر والأنثى. وصاغت أحكام أخرى في نص الميثاق نفسه، حيث جاء في المادة 1 على أن الأمم المتحدة ستقوم على تحفيز وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الرئيسية لجميع الأشخاص دون تمييز، سواء بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.

وبعد أعوام قليلة فقط من الأعمال التحضيرية في تلك اللجنة، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 كانون الأول لعام 1948، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كمقياس مشترك للإنجاز لكافة الدول. ولم يتم هذا التصديق بإجماع كافة الدول، فقد حجبت ثماني دول عن التصويت، وهي الدول الاشتراكية القائمة حينئذ إلى جانب المملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا.

وقد هيّأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الطريق لاستمرارية مواكبة فكرة حقوق الإنسان. وللمرة الأولى في تاريخ البشرية، تم إنشاء قائمة بالحقوق الرئيسية للإنسان، التي تفيد كل فرد، على أساس طبيعته كإنسان دون أي تمييز. وتم تقييد الأحكام القديمة لحقوق الإنسان، منها كان الاسترقاق مشروعاً وفي كثير من الدول، يلعب معيار الثروة الشخصية دوراً جازماً في تحديد من يتمتع بممارسة الحقوق والامتيازات.

وعدا عن ذلك، عاش الناس في الدول المُحتلة في حالة منهجية للتمييز. وهكذا، أصبح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منطق فصيح لمفهوم جديد لحقوق الإنسان في العالم.

دور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حماية حقوق الإنسان:

يُعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حكم من أحكام الجمعية العامة، حيث لم يسبق له أن يضاهي مستوى مجموعة ملزمة من القواعد، ولكنه كان باعثاً للإلهام، ممّا حثَّ على إنشاء عملية لصياغة التشريعات داخل الأمم المتحدة والحث أيضاً على عمل نموذج للدساتير الدولية في كافة أنحاء العالم.

كان أول عمل منجز على نطاق القانون الدولي الملزم هو التصديق على المعاهدة الدولية للإنهاء على كافة أشكال التمييز العنصري في عام 1965. وبعد ذلك بعام، ارتكزت الجمعية العامة بتوافق الآراء العهدين الدوليين الشاملين المتعلقين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق المدنية والسياسية.

وانضمت أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى هذين العهدين بما يقارب 164 دولة طرفاً في حالة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و168 دولة في حالة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ويشكلان الإعلان العالمي والعهدان معاً ما يعرف بـ “الشرعة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان”. واستخدمت الجمعية العامة في عام 1979 ميثاقاً آخر يهدف إلى مكافحة التمييز، وهو اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وعلى الرغم من أن أهوال الإبادة الجماعية في قارة أوروبا كانت السبب الرئيسي لإنشاء حقوق الإنسان في دساتيرها، فإن الميثاق لا زال غير محدد بما يخص طرق ووسائل التنفيذ الفعلي على نطاق القواعد الشعبية.

وتوجه المادة 68 المجلس الاقتصادي والاجتماعي لإنشاء لجنة “لتعزيز حقوق الإنسان”، غير أن المادة 2 تلزم الأمم المتحدة بعدم التدخل في القضايا “التي تدخل بالضرورة في التشريعات الوطنية لأي دولة”.

فإن الرأي الراجح الذي تشجعه بقوة مجموعة الدول الاشتراكية، ان الممارسة الفعلية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها يرتبط بالفعل بالقضايا التي تخضع بالضرورة للقوانين الوطنية. وبعد التصديق على العهدين الدوليين في عام 1966، فقد هذا الرأي قوته تماماً. ومن ثم باشرت الجمعية العامة ولجنة حقوق الإنسان بشكل مجزأ المراقبة في قضية حقوق الإنسان في البلدان التي قدمت ضدها اتهامات لدى الأمم المتحدة.

وفي عام 2005، أصدرت الجمعية مبدأ المسؤولية عن الحماية. ووفقاً لهذا المبدأ، تتحمل كل بلد مسؤولية حماية شعبها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. وهذا لم يكن أمراً مبتكراً؛ لأن هذه المسؤولية تنصب بشكل مباشرة من الاعتراف الحقيقي بحقوق الإنسان الرئيسية بصفتها مبادئ أساسية للنظام القانوني الدولي.

إلا أن البند الحديث في مبدأ المسؤولية عن الحماية هو التثبيت على أنه إذا لم تمتثل بلد ما لتلك المسؤولية، يجوز لمجلس الأمن أن يستخدم سيادته بحسب الفصل السابع من الميثاق لحماية الشعوب المتضررة.

ومثال على ذلك في ليبيا في عام 2011، حيث انتفع مجلس الأمن للمرة الأولى من هذه المهمة باعتماد القرار 1973، الذي أدى إلى توسيع هام لمفهوم السلام والأمن الدوليين، وتفسير معيار “الدولية” على أنها تشمل انتهاكات فظيعة للنظام القانوني الدولي في مجال حقوق الإنسان.


شارك المقالة: