إنّ الترجمة فن كان ولا زال مثير للجدل والدراسات؛ والسبب في ذلك هو أن هنالك الكثير من الآراء التناقضية تختص به، فهو فن له دور في حضارات الدول ونهضتها، وله أدوار أخرى على مستوى محلي ودولي أيضاً، لذلك حظيت الترجمة باهتمام كبير على مدار العصور القديمة وحتى عصرنا الحالي، فكانت على الدوام ملازمة لنهضة الدول ونموّها، سنتحدّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن الترجمة والتنمية ودورها فيه.
كيف ساهمت حركة الترجمة في تنمية المجتمعات؟
هنالك الكثير من الأساطير التي تتحدّث عن الترجمة، وهي تختصّ بالحديث عن اللغات؛ حيث أنّه مع بداية نطق الأحرف والكلام يقال بأن الناس كانوا يتحدّثون لغة واحدة فقط، وبعد ذلك اختلفت الأساطير في كيفيّة انقسام اللغات إلى أكثر من لغة واحدة، والترجمة هي أداة التواصل بين البشرية باختلاف ألسنها، ويقال في بعض الأساطير التي وصفت الترجمة بأنّها عقاب إلهي، لأن الترجمة كانت تسعى إلى التنصّت على أخبار الآلهة ومعرفتها.
ووصفت الأساطير الترجمة أنّها تواصل بين الألسنة المبلبلة، تختلف الآراء ووجهات النظر حول علاقة الترجمة بالتنمية؛ حيث من وجهة نظر أن الترجمة هي أداة تواصل مهمّة بين الألسن المختلفة، ولولا الترجمة لبقيت الألسن مختلفة وغريبة بين بعضها البعض، ومن هذا المنظور كانت الترجمة أداة واجبة لجميع أنواع التواصل الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والسياسي وحتى التاريخي.
وسنتعرّف دور الترجمة في كل بعد من هذه الأبعاد المختلفة التي يفرضها أساس التواصل البشري؛ فعندما نبدأ عن دور الترجمة بالتنمية من الناحية الدينية هو أداة تعارف بين الناس، وكما ثبت بالأقوال أن من يريد أن يأمن شر عدوّه؛ فعليه أن يتعلّم لغته، فجاءت الترجمة تفيد الناحية الدينية من خلال أنّها كانت تساهم في التعرّف إلى العقائد المختلفة، فهي لها علاقة بالفتوحات التي حدثت في العصر الإسلامي، والاستشراق، التبشير بالأديان المختلفة وتحدّثت عنها.
ساعدت البشرية بالتعرّف على الدين الإسلامي، ومن خلال الاستشراق ساهمت في أن تتعرّف البشرية جميعها على الفكر الشرقي، ومهّد لحدوث الكثير من الأحداث مثل الحرب الصليبية، حركة التبشير للدين النصراني، أمّا عن دور الترجمة في التنمية من الناحية التاريخية؛ ساهمت في أن تلحق الدول النامية وغير المتقدّمة حضاريّاً بالدول المتحضّرة والمتقدّمة، وذلك من خلال الأخذ والنهل من آثار علمها واختراعاتها وعارفها في كل مجالات المعرفة.
عند النظر للحضارة الأوروبية العظيمة؛ فنجد أن لولا أخذها آثار حضارة العرب خاصّةً في فترة ازدهارها في العصر الإسلامي، فلما وصلت إلى ما هي علي، فهي أخذت هذه العلوم وقامت بالبناء عليها، والذي قام بذلك هم فئة المستشرقون الذين قاموا بترجمة العلوم في المجالات المختلفة مثل: الطب، الرياضيات، الهندسة، الفلك وغيرها الكثير.
وجاء من بعدها دول مثل كوريا والصين؛ حيث كانت تقوم بنقل طلّابها لأخذ العلم من الحضارات الأوروبية، وبذلك أصبح لها صرح حضاري واقتصادي عظيم جدّاً، فكان للترجمة من هذا الجانب الدور الكبير في تنمية الكثير من الدول، أمّا عند الحديث عن الجانب الاجتماعي فيمكننا القول بأنّ الترجمة ساهمت في تنمية هذا المجال من خلال مساهمتها في التعرّف على القيم المجتمعية المتبادلة، ولولا الترجمة لكانت الكثير من الأمم ثابتة على سلوكيات وقيم فانية.
وكان لها الدور الكبير من الناحية الاجتماعية من خلال ترجمة الأفلام والمسلسلات ذات الأجناس المختلفة كذلك، أمّا عند الحديث عن دورها في التنمية من الناحية الاقتصادية؛ فيمكننا القول بأنّها تلعب عنا دوراً كبيراً، وذلك من خلال أن الترجمة بحد ذاتها تعتبر دليل كبير على التفوّق الاقتصادي للدول؛ وذلك لأنّ الترجمة شيء مكلف، ومن الأمثلة على ذلك اليابان وما تقدّمه من نشاطات الترجمة والذي يدلّ على تفوّقها الاقتصادي عن باقي الدول.
على العكس من بعض الدول وخاصّةً العربية التي ليس لديها أيّ مؤسّسات خاصّة بالترجمة، ولا ننسى دورها في التنمية من الناحية العلمية؛ حيث تعتبر الترجمة في هذا المجال منافسة قويّة جدّاً بين الدول، والتي تكون في مجال اقتناص المحافل الدولية تعود عليها بالنفع العلمي، فقامت الكثير من الدول بإنشاء مراكز مختصّة بنقل العلوم بعدّة لغات وخاصّة باللغة الإنجليزية، والدول التي اهتمّت بهذه القضيّة نجد لديها تقدّم علمي ملحوظ وصناعات متطوّرة وغيرها.