الشعر الاجتماعي في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


الأدب الاجتماعي هو الذي يختار فيه الأديب المفردات والأغراض من الناحية الاجتماعية، ويرتكز في توضيحه على الخيال وترجمة ما وضحه الأدباء للعديد من التجارب، وذلك على نمط يكون بمقدرته من خلاله إظهار الحقيقة المخفية في ذاك الوقت، وفي هذا المقال سنوضح هذا النوع من الكلام المنظوم المتعلق بالمجتمع في عهد بني العباس.

أسباب ظهور الشعر الاجتماعي في العصر العباسي

يوجد أسباب كثيرة أدت بروز الأدب الاجتماعي، وأهمها:

1- التباين الطبقي: كان حاضرًا في ذاك الوقت والعالم منقسم إلى ثلاث حالات هي: الخلفاء والوزراء وكذلك القادة، وهم يسيطرون على الناس ويتوجهون لملذاتهم بعيدًا عن هموم الرعية، والطبقة ميسورة الحال، ثم الطبقة الكادحة التي تتعب من أجل توفير لقمة العيش.

2- الخلل السياسي: كان منتشرًا في ذاك الوقت، ممّا دفع الأدباء لنظم الأدب الاجتماعي، فكانت البلاد تقوم بالثورات لتقضي على ولاة الأمر المتجبرين والتخلص من حكمهم.

3- الفساد الاقتصادي: بدا ظاهرًا في ذلك الوقت، وفرضت الضرائب على الكادحين ويتم استخلاصها منهم بأسلوب تعسفي، والفساد واضح إذ تُهدر مبالغ طائلة في مواضيع لا ينتفع منه الكثير من الناس.

خصائص الشعر الاجتماعي في العصر العباسي

1- سهولة الأسلوب: الأدب الاجتماعي يتفرد بنمط سلس تتعدد فيه المفردات العامية والغربية، وبرزت المعاني الغريبة نتيجة اندماج العجم مع أهل المشرق، وكان الكلام الموزون لا يحتوي على الكلمات المبهمة.

2- استخدام بحور الشعر الخفيفة: استعمل أدباء النقد الاجتماعي تفعيلات الكلام الموزون الخفيفة في أبياتهم، لسهولتها وسلاسة انتقاء كلمات بسيطة تتلاءم معها ليسهل على الناس فهمها.

3- قِصَر الأشعار: كانت القصائد موجزة وكانوا يستهلونها بالفكرة الرئيسية دون مقدمات، فالأدب الاجتماعي يتناول مشاكل البشر لذلك يدخل الأديب بدون مقدمات في قصائده.

4- الذاتية والبعد عن التكلف: كان رواد الشعر الفقراء يتحدثون عن قضاياهم بشكل مباشر دون تصنع في اختيار المفردات.

5- شعبية الأفكار والصور: لم تتوقف الشعبية على نمطهم الأدبي فقط، بل واظبوا على إدراجها في الأفكار التي توضح وضعهم الاجتماعي من عوز واستبداد ليوضحوا مشاكلهم.

شعراء النقد الاجتماعي في العصر العباسي

1- أبو الشمقمق: ” مروان بن محمد يكنى بأبي محمد ويلقب بأبي الشمقمق” عاش منعزلًا عن الناس يتملكه اليأس من العوز وتردي الأوضاع وصور ذلك بمقطوعة موجزة طريفة تصف حاجته:

أَخَذَ الفَأَرُ بِرِجلي

جَفَلوا مِنها خَفافي

وَسَراويلاتٍ سوءٍ

وَتَبابينٍ ضِعافِ

دَرَجوا حَولي بِزَفنٍ

وَبِضَربٍ بِالدِفافِ

قُلتُ ما هَذا فَقالوا

أَنتَ مِن أَهلِ الزَفافِ

2- أبو فرعون الساسي: من رواد الأدب في عصره ويسيطر على أبياته رجز يُظهر فيه الحاجة ويشكو منها بطريقة سلسة ولهجة بدوية تخلو من الغموض والمفردات المبهمة، ومن ذلك ما قاله في ابن سهل:

سُقيا لِحَيٍّ بِاللِوى عَهِدتُهُم

مُنذُ زَمانٍ ثُمَّ هذا رَبعُهُم

عَهِدتُهُم وَالعَيشُ فيهِ غِرَّةٌ

وَلَم يُناوِ الحَدَثانُ شَعبَهُم

وَلَم يَـبـيـنوا لِنَوىً قَذّافَةٍ

تَقطَعُ حَبلي مِن وِصالِ حَبلِهِم

فَلَيتَ شِعري هَل لَهُم مِن مَطلَبٍ

أَو أَجِدَنَّ ذاتَ يَـومٍ بَدلَهُم

3- ابن الرومي: ظهرت إبداعاته الأدبية منذ الطفولة وجعل من أبياته صنعة يجني من خلالها المال، وصفت قصائده في الأدب الاجتماعي الكادحين والصنَّاع وصورت ملابسهم القديمة فنظم فيها:

معمّر قال نوح حين أبصره

إنا محيوك فاسلم أيّها الطّلل

أميل في الطّرق خوفًا من مزاحمة

تهدّه فكأني شارب ثمل

نماذج من الشعر الاجتماعي في العصر العباسي

قول أبو الشمقمق:

أَنا في حالٍ تَعالى الـ

له رَبّي أَيَّ حالِ

وَلَقَد أَهزَلتُ حَتّى

مَحَتِ الشَمسُ خَيالي

مَن رَأى شَيئًا محالًا

فَأَنا عَينُ المحالِ

لَيسَ لي شَيءٌ إِذا قيل

لِمَن ذا قُلتُ ذا لي

وَلَقَد أَفلَستُ حَتّى

حَلَّ أَكلي لِعِيالي

في حَر أَم الناسِ طرًا

مِن نِساءٍ وَرِجالِ

لَو أَرى في الناسِ حُرًّا

لَم تَكُن في ذا المِثالِ

قول أبو فرعون الساسي:

لَيسَ إِغلاقي لِبابي أَنَّ لي

فيهِ ما أَخشى عَلَيهِ السَرَقا

إِنَّما أُغلِقُهُ كَي لا يَرى

سوءَ حالي مَن يَجوبُ الطُرُقا

لَيسَ لي فيهِ سِوى بارِيَةٍ

وَبِهِ أَعلَقتُ لَبدًا خَلَقا

مَنزِلٌ أَوطَنَهُ الفَقرُ فَلَو

دَخَلَ السارِقُ فيهِ سُرِقا

لا تَراني كاذِبًا في وَصفِهِ

لَو تَراهُ قُلتَ لي قَد صَدَقا

وفي النهاية نستنتج إن الأدب الاجتماعي انتشر في العهد العباسي بين الأدباء المحتاجين الذين توجهوا بأبياتهم لوصف الوضع الاجتماعي البائس في ذاك الوقت، مستخدمين المفردات السهلة دون تصنع، ومن أبرز رواده ابن الرومي وكذلك أبو الشمقمق.


شارك المقالة: