الفلسفة الأمريكية في القرن العشرون

اقرأ في هذا المقال


ستوضح أي صورة موجزة للفلسفة الأمريكية في القرن العشرين بشكل حتمي مبدأ أساسيًا واحدًا على الأقل لعلم نفس ويليام جيمس الذي ولد في عام 1842 وتوفي في عام 1910 وفلسفته البراغماتية: أي فكرة أنّ كل الإدراك انتقائي، لأنّه بدون اهتمام انتقائي تكون التجربة فوضى مطلقة.

البراغماتيون الأمريكيون:

إلى جانب البراغماتيين الكلاسيكيين الثلاثة الكبار وهم شارلز بيرس وويليام جيمس وجون ديوي كان هناك العديد من المفكرين المهمين الآخرين الموصوفين (الذين يعرّفون أنفسهم أحيانًا) بأنّهم براغماتيون، وكان جورج هربرت ميد مؤثرًا بشكل خاص خلال العقود العديدة الأولى من القرن العشرين، لا سيما في عمله على التنمية الاجتماعية للذات واللغة.

بعد ذلك بجيل كتب كلارنس إيرفينغ لويس العديد من الأعمال المهمة في الثلث الأوسط من القرن العشرين حول ما أسماه (البراغماتية المفاهيمية)، مشددًا على كيفية تشكيل الأسس البراغماتية لتفسير التجربة، معاصره ألان لوك مزج فكر البراغماتيين الأوائل مع فكر وليام إدوارد بورغاردت دو بوا مجموعة كبيرة من الأعمال حول البناء الاجتماعي للهوية (مع التركيز بشكل خاص على العرق)، والدعوة إلى التعددية الثقافية في سياق ما أسماه فلسفة (النسبية النقدية) أو (البراغماتية النقدية).

مفكر مهم آخر الذي غالبًا ما يوصف بأنّه براغماتي لكنه اشتهر بالدفاع عن نسخة صريحة من المثالية الفلسفية وهو يوشيا رويس، وعلى الرغم من وجود مثاليين أمريكيين آخرين على سبيل المثال جورج هولمز هويسون من سانت لويس هيغليانز وبوردون باركر بون المعروف برؤيته لـ(الشخصية)، كما يُعرف رويس بأنّه الأكثر تأثيرًا بينهم.

من الناحية المعرفية أشار رويس إلى أنّ أي تحليل للتجربة يُظهر أنّ حقيقة، وفي الواقع احتمال حدوث خطأ يؤدي إلى افتراض كل من العقل والواقع الخارجي، لأنّ العقول فقط هي التي يمكن أن تكون مخطئة، والخطأ يفترض شيئًا ما حول أي عقل يمكن أن يكون مخطئ.

يفترض التعرف على الخطأ مسبقًا مستوى أعلى من الوعي لأنّ معرفة أنّ المرء مخطئًا بشأن (X) يفترض مسبقًا أن يتعرف المرء على كل من (X) وما هو خطأ في حكمه، وإذن الخطأ يفترض شكلاً أو مستوىً من الصدق، ويشبه إلى حد كبير قصة الرجال المكفوفين الذين يصطدمون بفيل، ويعتقد كل منهم أنّ جزءًا من الفيل يلتقط الكل، فإنّ الرسالة هنا هي أنّ الخطأ هو في الحقيقة انحياز، وهذا ليس سوى حقيقة جزئية.

بالنسبة لرويس يشير هذا أيضًا إلى الطبيعة الجماعية النهائية لجميع التفسيرات حيث أنّ المعرفة حتى عن الذات تأتي من العلامات، والتي تتطلب بدورها نوعًا من المقارنة وأخيراً المجتمع، ووسع رويس هذا الرأي وأظهر تقاربات محددة بالبراغماتية في تحليله للمعنى، وادّعى أنّ معنى الفكرة يحتوي على عنصر خارجي وداخلي بقدر ما نقول أنّ المصطلحات لها دلالة، والأفكار لها معنى خارجي بمعنى أنّها تتصل بعالم خارجي، ولكن لها معنى داخليًا بمعنى أنّها تجسد أو تعبر عن هدف.

وزعم رويس أنّ ما هو حقيقي هو التجسيد الكامل في الشكل الفردي وفي الإنجاز النهائي للمعنى الداخلي للأفكار المحدودة، ونظرًا لأنّ هذه بدورها تتطلب المقارنة وتجاوز التحيز، فإنّها تصل أخيرًا إلى مستوى مطلق ومتكامل من الأفكار وهو ما أسماه(البراغماتية المطلقة).

الفلسفة الأمريكية في بداية القرن العشرين:

في العقود العديدة الأولى كان هناك إحياء لواقعية الفطرة السليمة والطبيعية، أو بعبارة أخرى رفض صريح لما كان يُنظر إليه على أنّه مثالية رويس وبعض جوانب البراغماتية، وكذلك ظهور فلسفة العملية التي تأثرت بشكل مباشر بالعلوم المعاصرة وخاصة نظرية النسبية أينشتاين، كما كانت فلسفة منتصف القرن العشرين تهيمن عليها بشدة التجريبية والفلسفة التحليلية مع التركيز القوي على اللغة.

أخيرًا في العقدين الأخيرين كان هناك إعادة اكتشاف وإحياء للبراغماتية بالإضافة إلى ظهور القضايا والمخاوف النسوية والأقلية للأشخاص والجماعات الذين تم تهميشهم وتمثيلهم بشكل ناقص عبر تاريخ الأمة، وبعض الحركات والمدارس الفكرية التي كانت بارزة في أوروبا مثل الوجودية والظواهر، على الرغم من وجود دعاة في أمريكا لم تحظ أبدًا باهتمام واسع النطاق في الفلسفة الأمريكية.

الفلسفة الأمريكية الاجتماعية والسياسية:

في منتصف القرن سيطر التحليل المفاهيمي الرسمي الذي غالبًا ما يكون تقنيًا للغاية الذي هيمن على الفلسفة الأمريكية، فلم تصبح العودة إلى الاهتمامات الاجتماعية والسياسية سائدة مرة أخرى حتى السبعينيات، وغالبًا ما تُنسب مثل هذه العودة إلى نشر نظرية العدل لجون راولز، حيث بينما كتب فلاسفة آخرون بالطبع عن هذه القضايا كان كتاب راولز هو الذي أعاد هذه الموضوعات إلى الاعتبار السائد بين الفلاسفة المحترفين.

كما دافع راولز عن موقف من الليبرالية السياسية يقوم على نظام العدالة الإجرائية، وعلى الرغم من أنّ عمله كان مؤثرًا على نطاق واسع، إلّا أنّه تم انتقاده من قبل الفلاسفة الذين تم تحديدهم على أنّهم ليبراليون مثل روبرت نوزيك، الذي رأوا أنّه مقيد للغاية للحريات الفردية، وكذلك من قبل المجتمعين مثل ألاسدير ماكنتاير الذين رأوا أنّه يركز أكثر من اللازم على العدالة الإجرائية وليس كافيًا على ما هو جيد للأشخاص الذين هم أيضًا مواطنون في المجتمعات، ومع ذلك تم إحياء الفلسفة الاجتماعية والسياسية الموضوعية.

خارج الفلسفة الأكاديمية لم تكن هذه الاهتمامات غائبة ولكنها كانت موجودة في كتابات القادة الاجتماعيين والسياسيين وفي الفلسفة السياسية الشعبية، مثل كتابات آين راند ومارتن لوثر كينغ جونيور.

الفلسفة الأمريكية النسوية:

مع انتهاء القرن تجدد الاهتمام بالبراغماتية كحركة فلسفية مع اثنين من الفلاسفة المهمين على وجه الخصوص يتبنون تسمية البراغماتية وهما هيلاري بوتنام  وريتشارد رورتي، وهما معروفين في جميع أنحاء العالم الفلسفي، فلقد أعادوا كتابات وموقف البراغماتيين الكلاسيكيين إلى طليعة الفلسفة المهنية، وغالبًا مع انتقاداتهم لأعمال بعضهم البعض.

جاء هذا التجديد للبراغماتية إلى جانب إحياء الفلسفة الاجتماعية والسياسية، وفي نفس الوقت الربع الأخير من القرن حيث ظهرت الفلسفة النسوية على الرغم من وجود مفكرين نسويين بارزين في الفلسفة الأمريكية قبل هذا الوقت، على سبيل المثال جريمكي وستانتون، بالإضافة إلى آخرين مثل شارلوت بيركنز جيلمان أو حتى آن هاتشينسون.

خارج الفلسفة الأكاديمية أثار نشر كتاب بيتي فريدان الغموض الأنثوي (The Feminine Mystique) في ستينيات القرن الماضي عصبًا شائعًا حول تهميش النساء، وداخل الفلسفة الأكاديمية بدأ الفلاسفة النسويون مثل أدريان ريتش والعديد من الآخرين في نقد الاهتمامات والمواقف الفلسفية التقليدية.

تم توجيه هذه الانتقادات إلى جذور القضايا الفلسفية وعبر السبورة، على سبيل المثال كانت هناك انتقادات للقيم المعرفية مثل الموضوعية (أي الاستفسار المنفصل وغير المتجسد)، وكذلك ما تم اعتباره مناهج ذكورية للأخلاق والفلسفة السياسية، مثل الإجرائية على العدالة الموضوعية أو النظريات الأخلاقية القائمة على الحقوق.

الإصرار على عدم وجود انقسام عام أو خاص وعدم وجود تحقيق محايد القيمة، أعاد النسويون صياغة القضايا والاهتمامات الفلسفية وأعادوا توجيه الاهتمام الفلسفي إلى قضايا السلطة والأبعاد الاجتماعية (والبناء) لتلك القضايا والاهتمامات، وتم توسيع هذا الطلب على التعددية في المحتوى ليشمل الأساليب والأهداف الفلسفية بشكل عام، وتم توسيعه ليشمل وجهات نظر أخرى مهمشة تقليديًا.

الفلسفة الأمريكية في نهاية القرن العشرون:

بحلول نهاية القرن استمر العمل الفلسفي التقليدي بكامل قوته على سبيل المثال مع اندفاع قوي في الاهتمام بفلسفة العقل وفلسفة العلم وما إلى ذلك، ولكنه صاحب في نفس الوقت زيادة حادة في هذه البؤر المطلوبة حديثًا مثل فلسفة العرق وفلسفة القانون وفلسفة القوة وما إلى ذلك، وتتمثل إحدى الصعوبات في تلخيص الفلسفة الأمريكية في ما تم اعتباره فلسفة بمرور الوقت.

فعلى عكس الثقافات الأوروبية كان هناك ميل إلى أن يكون أقل من الطبقة الأكاديمية في أمريكا، وبالتالي كان الشعور بالفلسفة المهنية أقل حتى القرن العشرين، وحتى ذلك الحين كان الكثير مما اعتبره معظم الأمريكيين فلسفة بعيدًا عما اعتبره معظم الفلاسفة المحترفين فلسفة.

إنّ نوع الوعي العام في فرنسا وأوروبا ككل على سبيل المثال بوفاة جان بول سارتر لم يكن قريبًا من أي مكان في أمريكا بموت كوين، على الرغم من أنّ الفلاسفة المحترفين كان على الأقل بنفس المكانة، وقلة من الفلاسفة الأمريكيين كان لهم تأثير اجتماعي خارج الأوساط الأكاديمية مثل جون ديوي، وتتمثل الصعوبة الثانية هنا في أنّ العديد من المفكرين في التاريخ الفكري الأمريكي يكمن خارج ما يعتبر اليوم فلسفة.

بسبب نسبه الفكري لا يزال جوناثان إدواردز يدرس في الفلسفة الأمريكية، ولكن المفكرين الأمريكيين المهمين الآخرين مثل رينولد نيبور الذي ولد في عام 1892 وتوفي في عام 1971، وشارليز رايت ميلز المولود في عام 1916 والمتوفى في عام 1962 ليسوا كذلك، ولقد أصبحت الفلسفة في أمريكا مهنية مثلها مثل التخصصات الأكاديمية الأخرى.

ومع ذلك فإنّ الفلاسفة المحترفين على سبيل المثال في تحليلهم للحقوق ومسألة مغزى حقوق الحيوان، أو في تطبيقهم للأخلاق الفلسفية في سياقات الرعاية الصحية قد عكسوا وشكلوا وجه الثقافة الأمريكية.


شارك المقالة: