الفلسفة اليونانية الشكية المبكرة لدى أرسطو

اقرأ في هذا المقال


قدم الفيلسوف اليونانيأرسطو مساهمات كبيرة ودائمة في كل جانب من جوانب المعرفة البشرية تقريبًا، وعلى الرغم من أنّ أعمال أستاذه أفلاطون طغت عليها في العصور الكلاسيكية من أواخر العصور القديمة وحتى عصر التنوير، إلّا أنّه كانت كتابات أرسطو الباقية مؤثرة بشكل لا يصدق في الفلسفة العربية، حيث كان يُعرف ببساطة باسم المعلم الأول لدى العرب، ويعرف بالفيلسوف لدى الغرب.

الأفكار المتشككة في الفلسفة اليونانية القديمة:

الكلمة اليونانية (skepsis) تعني التحقيق، ومن خلال تسمية المتشككين على أنفسهم يصف المشككون القدماء أنفسهم على أنّهم محققون، وكما يطلقون على أنفسهم اسم: أولئك الذين يوقفون العمل (ephektikoi)، مما يشير إلى أنّ تحقيقاتهم أدت بهم إلى تعليق الحكم.

كما إنّهم لا يطرحون نظريات ولا ينكرون إمكانية العثور على المعرفة، وفي جوهرها فإنّ الشك القديم هو أسلوب حياة مكرس للتحقيق، كما أنّه يهتم بالإيمان بقدر اهتمامه بالمعرفة، وطالما لم يتم الحصول على المعرفة فإنّ المتشككين يهدفون إلى عدم تأكيد أي شيء، وهذا يثير أكثر طموحهم إثارة للجدل: حياة بلا إيمان.

إنّ الشك القديم في معظمه ظاهرة من فلسفة ما بعد الكلاسيكية الهلنستية، حيث بدأت الحركات المتشككة الأكاديمية والبيرونية تقريبًا في القرن الثالث قبل الميلاد والتي تنتهي بالفيلسوف سكستوس إمبيريكوس في القرن الثاني الميلادي، والفلسفة الهلنستية محادثة واسعة النطاق ولا تختلف عن الفلسفة اليوم.

فلسفة الشك لدى أرسطو:

يشارك الفيلسوف أرسطو في عدة نقاط من أعمال أفلاطون في مسألة كتاب وعمل أفلاطون الفلسفي (Meno)، على سبيل المثال يشير أرسطو إلى أنّه من أجل إجراء تحقيق ناجح يحتاج المرء أولاً إلى سؤال جيد الصياغة، وقد يحتاج المرء إلى معرفة العقدة من أجل فكها، ومن أجل معرفة ما يجب البحث عنه والتعرف عليه عند العثور عليه يحتاج المرء أولاً إلى التفكير في طريقه من خلال الصعوبات التي ينطوي عليها وبالتالي صياغة سؤال، وإذا حدث ذلك فسيكون المرء قادرًا على التعرف على الحل بمجرد أن يصطدم به.

هذه الأفكار وثيقة الصلة بالمناقشات الهلنستية، فالمتشكك محقق وتقول إحدى التهم المناهضة للشك أنّه إذا كان المشكك لا يعرف شيئًا فلن يتمكن حتى من صياغة الأسئلة التي يحقق فيها، وأكد المترجمون الفوريون على التناقض بين أرسطو والمتشككين، وبالنسبة لأرسطو فإنّ صياغة الألغاز والتفكير في طريقة المرء من خلالها يضع المرء في وضع أفضل بحيث يكون المرء واضحًا بشأن كيفية الأمور، وقد يكون هذا مختلفًا بالنسبة للمشككين من حيث أنّ التعامل مع زوايا مختلفة من المشاكل الفلسفية يؤدي بهم إلى تعليق الحكم.

يجادل باحثون آخرون بأنّ طريقة تفكير المتشككين من خلال الألغاز تحسن حالتهم المعرفية على الرغم من أنّهم لا يقبلون إجابة لسؤال معين، ويشير العلماء أيضًا إلى أنماط التفكير لدى أفلاطون وأرسطو التي لا تهتم أساسًا بالنتائج، وكذلك في التأمل قد يفكر المُدرك مرارًا وتكرارًا في نفس أنواع الأمور، ومع ذلك يُفترض أن يؤدي ذلك إلى تحسين حالتهم المعرفية.

في تحليلات لاحقة يقول أرسطو أنّ التعليم والتعلم يأتيان من خلال أشياء نعرفها بالفعل، وعندما نصوغ أسئلة يكون لدينا بالفعل تلك المعرفة وما هي المعرفة، فعلى سبيل المثال عندما نطرح أسئلة حول المثلثات نحتاج إلى معرفة أنّ هناك مثلثات (وإلّا فلن يكون لدينا أسئلة حول خصائصها)، كما نحتاج أيضًا إلى فكرة عن ماهية المثلثات (نرسم مثلثًا وليس مربعًا وعندها نطرح سؤالاً حول خصائصه).

طريقة أخرى يعالج بها أرسطو مشكلة (Meno) تصور تصورات معينة كنقاط بداية للبحث، حيث تنشأ الأنشطة المعرفية المعقدة من الأنشطة الأبسط، وتؤدي العديد من التصورات الخاصة إلى الذاكرة والخبرة وفي النهاية إلى فهم الخبراء، ومع تعميمات الذاكرة والخبرة تأتي القدرة على التحقيق، وفيما يتعلق بالشك فإنّ النقطة المهمة هنا هي أنّ نقاط البداية في التحقيق ليست بحاجة إلى تبرير.

فلسفة الشك لدى أرسطو والفكر البروتاجوري:

البروتاجورية هو مصطلح الذي يتعلق بالفيلسوف اليوناني بروتاغوراس وفكره، فيمكن للمرء المتبني هذا الفكر على سبيل المثال أن يقارن بسهولة القناعة البيرونية، بأنّ هناك حججًا مقنعة بنفس القدر لصالح وضد أي ادعاء لوجهة النظر البروتاجورية التي يمكن للمرء أن يجادلها بشكل مقنع على حد سواء في كلا الجانبين من أي سؤال.

ومثل أفلاطون يتعامل أرسطو مع الإدعاء البروتاجوري وكما يقول أرسطو كل المظاهر (dokounta) والمظاهر (phainomena) صحيحة، ويقول أرسطو إذا كان الأمر كذلك فلابد أن يكون كل شيء صحيحًا وخطأ في نفس الوقت، ويجادل أرسطو بأنّ المفكرين الأوائل توصلوا إلى مثل هذه الآراء لأنّهم حددوا كونهم مع الإدراك الحسي فقط، وبسبب هذا الافتراض لم يروا من أو ماذا سيحكم بين تصورات الحواس المتضاربة.

على سبيل المثال بدا من غير المرضي تجاهل آراء المرضى والمجنون لمجرد أنّهم أقلية وبالتالي اعتبار ما يبدو صحيحًا لعدد أكبر من الناس، وبالمثل يذكر أرسطو أنّ هؤلاء المفكرين الأوائل نظروا إلى الطرق التي تظهر بها الأشياء بشكل مختلف عن الأنواع المختلفة من الكائنات الحية ولشخص واحد في أوقات مختلفة.

في الميتافيزيقيا يلاحظ أرسطو أنّ بعض الناس يعتبرون أنّه من الممكن أن يكون الشيء نفسه ولا يكون كذلك، وأن يعتقد شخص ما ذلك (ذلك يشير إلى مجموعة من المواقف وكلها بطريقة ما مرتبطة بإنكار مبدأ عدم التناقض)، ولكن ضد هذا يقول أرسطو إنّه من أقوى المبادئ أنّ الأشياء لا يمكن أن تكون ولا تكون في نفس الوقت، وأنّ إنكار هذا يدل على نقص التدريب، وأنّه مع التدريب المناسب يتعرف المرء على الأشياء التي يجب البحث عنها والتي لا يجب البحث عنها.

من المستحيل أن تكون هناك مظاهرة لكل شيء، وإلّا فإنّ العرض التوضيحي سيستمر إلى ما لا نهاية، والتي غالبًا ما يشير العلماء إلى هذه النقطة عند مناقشة أنماط الحجة المتشككة، وقد يكون المشككون مذنبين من وجهة نظر أرسطو وأنّه سيكون خطأ من هذا النوع بالضبط.

يستمر أرسطو بطريقة ذات صلة وثيقة بمناقشات اللغة المشككة والعمل، فالشخص الذي يرغب في إنكار أنّ الأشياء لا يمكن أن تكون أو لا تكون في نفس الوقت لديه خياران، وكذلك إما أنّهم لا يقولون شيئًا أو يتحدثون إلينا، ففي الحالة الأولى لا داعي لدحضها وهذا الشخص مثل نبتة لا يتكلمون، أمّا في الحالة الثانية إما أن نطقهم يدل على شيء ما أو أنّه لا يدل على شيء.

إذا كان يشير إلى شيء ما فإنّهم يقولون أنّ شيئًا ما كذا وكذا (وهو ما يعتبره أرسطو هزيمة ذاتية بالنسبة لهم)، وإذا كانت لا تعني شيئًا فهي لا تعتبر كلامًا، على الرغم من أنّهم ينطقون فإنّ الشخص في الواقع لا يتحدث معنا (أو إلى أنفسهم)، ويشرح أرسطو أيضًا استعارة النبات من حيث الفعل، فالشخص الذي لا يصدق شيئًا يشبه النبات لأنّه لا يستطيع التصرف، وتشهد المطاردة والتجنب على حقيقة أنّ الناس لديهم معتقدات.


شارك المقالة: