الفيلسوف جون ستيوارت ميل

اقرأ في هذا المقال


كان ميل (1806-1873) فيلسوفًا واقتصاديًا سياسيًا وعضوًا في البرلمان الإنجليزي في أوائل العصر الحديث، ربما كان الفيلسوف الأكثر نفوذاً الناطق باللغة الإنجليزية والمفكر الليبرالي في القرن التاسع عشر، وقد قدم مساهمات مهمة في الفكر البريطاني وخاصة في الأخلاق والفلسفة السياسية.

حياة الفيلسوف ميل:

ولد جون ستيوارت ميل في 20 مايو 1806 في بينتونفيل وهي إحدى ضواحي لندن الشمالية آنذاك، لوالديه هارييت بارو وجيمس ميل، جيمس ميل هو اسكتلندي تلقى تعليمه في جامعة إدنبرة حيث درس على يد دوجالد ستيوارت ومن بين آخرين، وانتقل إلى لندن في عام 1802 حيث كان من المقرر أن يصبح صديقًا وحليفًا بارزًا لجيريمي بينثام والفلسفة الراديكالية.

تعلم الفيلسوف ميل:

إنّ تعليم جون الرائع المشهور في سيرته الذاتية وتم إجراؤه بهدف تجهيزه لقيادة الجيل القادم من الراديكالية لهذا على الأقل أعده جيدًا، حيث بدءًا من اليونانية في سن الثالثة واللاتينية في سن الثامنة استوعب ميل معظم القانون الكلاسيكي في سن الثانية عشرة، كما أنّه جنبًا إلى جنب مع الجبر وإقليدس والمؤرخين الاسكتلنديين والإنجليز الرئيسيين، وفي سنوات مراهقته المبكرة درس الاقتصاد السياسي والمنطق وحساب التفاضل والتكامل واستغل وقت فراغه لهضم أطروحات عن العلوم التجريبية كمتعة.

بينما في سن الخامسة عشرة عند عودته من رحلة استمرت عامًا إلى فرنسا وهي دولة كان سيطلق عليها في النهاية وطنه بدأ العمل في أطروحات رئيسية في الفلسفة وعلم النفس والحكومة، وتم كل هذا تحت الإشراف اليومي الصارم لوالده حيث كان جون الصغير يتحمل المسؤولية الأساسية عن تعليم أشقائه.

أثرت كثافة الدراسة ووزن التوقع حيث كان ميل قد استوعب العقيدة الراديكالية والنفعية أثناء تعليمه، وهي عملية توجت بقراءة دقيقة لبينثام في ترجمة دومون الفرنسية ومسؤوليتها التحريرية عن منطق بينثام للأدلة القضائية، وبدأ في وضعها موضع التنفيذ كداعية شاب، ولكنه سرعان ما اكتشف أنّ تعليمه لم يؤهله للحياة، فقد عانى ميل وهو في العشرين من عمره من أزمة عقلية.

“ولقد خطر ببالي أن أطرح السؤال على نفسي مباشرة: حيث افترض أنّ كل أشياءك في الحياة قد تحققت، وأنّ جميع التغييرات في المؤسسات والآراء التي تتطلع إليها، ويمكن أن تحدث بالكامل في هذه اللحظة بالذات، فهل سيكون هذا فرحًا وسعادة كبيرة لك؟”

(السيرة الذاتية ، أنا: 139)

وقد أجاب وعي ذاتي لا يمكن كبته بوضوح:

“لا!” ويبدو أنّه لم يعد لدي شيء أعيش من أجله.

(السيرة الذاتية ، أنا: 139)

استمرت معاناة ميل خلال على الرغم من أنّ مثل هذه الحلقات كانت تتكرر طوال حياته فقد تم العثور على تعافيه الأولي في شعر الرومانسيين، وتطور جانب جديد لشخصية ميل وشدد الآن على أهمية ثقافة المشاعر وكذلك الحاجة إلى الإصلاح الاجتماعي.

وقدر ميل ووردزورث (Wordsworth) بشكل خاص خلال هذه الفترة على الرغم من أنّ اهتماماته الجديدة قادته سريعًا إلى أعمال كوليريدج (Coleridge) وكارلايل (Carlyle) وجوته (Goethe)، حيث منحته معرفة ميل بهؤلاء المفكرين انفتاحًا دائمًا على الفكر الرومانسي وإدراكًا حادًا بأنّ فلسفة التنوير التي نشأ عليها تحتوي فقط على جانب واحد من الحقيقة، وأصبح هدفه الفلسفي الأساسي وسيظل طوال حياته، كما دمج مدارس الفلسفة المتعارضة والتوفيق بينها.

“أيًا كان يمكن أن يتقن المقدمات ويجمع بين أساليب كليهما فإنّه يمتلك الفلسفة الإنجليزية الكاملة لعصرهم”.

كوليريدج – Coleridge

أدت هذه الانتقائية المكتشفة حديثًا أيضًا إلى مشاركة مثمرة مع فرانسوا جيزو (Francois Guizot) وأوغست كونت (Auguste Comte) وتوكفيل (Tocqueville) ومن بينهم آخرين، وسيترك كل شيء تأثيرًا دائمًا على عمل ميل.

دور حب ميل الأول هارييت بفكره وفلسفته:

لكن في هذه الفترة ظهرت شخصية أخرى أيضًا بشكل كبير وهي هارييت تايلور (Harriet Taylor)، حيث التقى ميل بهارييت في حفل عشاء عام 1830 وسرعان ما وقع الاثنان في الحب، وكانت هارييت قد تزوجت قبل أربع سنوات من جون تيلور (John Taylor) وهو صيدلي ودود رغم أنّه غير مغامر فكريا.

وبكل المقاييس كانت علاقة ميل وهارييت أفلاطونية تمامًا، وعند وفاة جون تايلور في عام 1849 تم زواج هارييت وميل في عام 1851، ولكن ليس قبل أن تسببت الفضيحة المتصورة في حدوث شقاق بين ميل والعديد من أصدقائه، وشعر ميل بشكل مباشر بالأثر الخانق للحكم الفيكتوري وقواعد اللياقة القمعية، وهو موضوع قام بمناقشة لاحقًا في عمله عن الحرية (On Liberty).

قام ميل بتعبيد هارييت ونسب لها الفضل في التأليف الافتراضي للعديد من أعماله، وإنّ فك التشابك في التأثير الذي مارسته على فكر ميل أمر معقد، على وجه التحديد لأنّ الاثنين عملا معًا بشكل وثيق على ما سيصبح العديد من أفكار ميل المركزية، ومع ذلك ماتت في عام 1858 بينما كانت هي وميل يسافران عبر فرنسا، وتم دفن هارييت في أفينيون حيث اشترى ميل لاحقًا منزلًا قريبًا من المقبرة وعاش بقية حياته، ونقش ميل على قبرها ذلك:

كانت البهجة الأرضية الوحيدة لأولئك الذين لديهم السعادة للانتماء إليها، ولو كان هناك سوى عدد قليل من القلوب والأفكار مثلها، فإّن هذه الأرض أصبحت بالفعل الجنة المأمولة.

جو ستيوارت ميل

مهن الفيلسوف ميل:

في الواقع جاءت وفاة هارييت بعد أكثر من شهر بقليل من تقاعد ميل من شركة الهند الشرقية التي عمل فيها لما يقرب من خمسة وثلاثين عامًا، وتولى ميل منصب كاتب مبتدئ في سن السابعة عشرة وكان يعمل مباشرة تحت إشراف والده الذي حصل على المنصب على أساس تأليفه لكتاب (تاريخ الهند البريطانية).

ارتقى جون في الرتب وشغل في النهاية منصب كبير مدققي المراسلات وهو منصب يكافئ تقريبًا منصب وكيل وزارة الخارجية، حيث يتضمن إدارة الإرساليات للإدارة الاستعمارية، وأشار ميل إلى أنّ الوظيفة وفرت استقرار الدخل اللازم للمؤلف بدون وسائل مستقلة، ولم تكن مرهقة للغاية بحيث تمنعه ​​من بذل معظم وقته وطاقته العقلية في مساعيه الفلسفية.

في عام 1865 انتخب عضوا في البرلمان عن وستمنستر (Westminster) عن الحزب الليبرالي، تماشيًا مع آرائه حول التمييز بين التمثيل والتفويض، ورفض ميل البحث بنشاط عن المقعد، وفي الواقع ظل لمعظم الحملة في منزله في أفينيون، وأثناء وجوده في مجلس العموم دافع عما اعتبره أسبابًا غير شعبية ولكنها مهمة، حيث توسيع حق الاقتراع للنساء والإصلاح الأيرلندي ومحاكمة الحاكم آير (Eyre) على الفظائع التي ارتكبت خلال فترة إدارته لجامايكا، ولكنه لم يفز بولاية ثانية حيث هزم عام 1868.

وتجدر الإشارة إلى أنّ ميل لم يشغل منصبًا جامعيًا ولم يلتحق حتى بالجامعة بنفسه باستثناء المنصب الفخري لرئيس جامعة سانت أندروز، ولقد كان طوال حياته متشككًا دينيًا حيث نشأ من الأول دون أي معتقد ديني.

وفاة الفيلسوف ميل:

وتوفي في أفينيون في 7 مايو 1873 ودفن بجانب زوجته.


شارك المقالة: