النثر في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


تطور النثر في هذه الفترة وازدهر كثيرًا؛ بسبب التشكيل البارز في أشكاله، والتأليف في أشكاله المختلفة عن باقي العصور، فكان يختصر على بعض الأنماط مثل الحربية والسياسية قبل هذه الفترة، ثم تطورت إلى المواضيع المتنوعة، مثل المدح والرثاء وغيرها، وقد برز النثر في الحكم العباسي وكان واضح وموجز وسهل التعبير ويبتعد عن تكلف بالكلمات.

النثر في العصر العباسي وسماته

ظهر في هذه الفترة تعدد في النَثر، وأصبح للنثر أهمية تساوي أهمية الكلام المنظوم لدى رواد النقد والمتابعين للنثر؛ وذلك بسبب التطور الذي ورد في ذلك الزمن، ومن أبرز السمات للنثر في هذا الوقت ما يلي:

1- استخدام والمحسنات بطريقة ظاهر في المقطوعات النثرية.

2- تميز النثر في تلك الفترة بالاختصار والبيان، وانتقاء المفردات والتراكيب بدون تصنع.

3- قام الأدباء باستعمال الكثير من المحسنات والزخارف، برفقة دقة الصور وعمق التراكيب المستعملة.

4- كما تفرد بالليونة وترتيب الصور واتقان التصوير.

تطور النثر في العصر العباسي

لقد ازدهر النثر في ذلك الوقت بشكل ملفت في كل من المفردات والتراكيب، واستعمال السجع والمحسنات بشكل كبير، وذلك نتيجة بروز الكثير من رواد الأدب الذين برعوا في فنون اللغة المشرقية جيدًا، نتيجة تبادل الثقافات بين الأشخاص والدول المجاورة.

أشهر الأدباء في النثر في العصر العباسي

1- الجاحظ: الذي يعد من أبرز رواد النثر في ذاك الوقت، وكان نمطه في الكتابة يتصف بالسهولة      والفكاهة والتهكم، أيضًا محادثة العقل والانتقال من غرض إلى غرض آخر، وهمَّ بتأليف العديد من المؤلفات النثرية مثل ” كتاب الحيوان” “ومجلد البيان والتبيين” وكانت كتبه تربط بين الكثير من الثقافات، مثل الثقافة المشرقية والفارسية وأيضًا اليونانية، وكان نثر الجاحظ يعرف بلون النثر الصوفي.

2- ابن المقفع: يعد من أبرز الأدباء الذين عملوا في تعريف الكتب ونقلها من عدة لغات مختلفة، وأيضًا الكتابة، وقام بتأليف الكثير من المؤلفات وكان أبرزها ” كتاب كليلة ودمنة” والذي يربط بين سرد الحكاية ولغة الحيوان والترتيب العقلاني وكذلك لغة المناقشة أيضًا ” كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير” عرف نمط ابن المقفع بالسهل الممتنع، حيث كان يتميز بالطريقة السهلة، والمباشر والبعيد عن تصنع المفردات .

3- ابن الزيات: يعد واحدًا من رواد الأدب وأيضًا النحو وكذلك البلاغة في ذلك الزمن حيث كان مولع بكتابة الكلام المنظوم والنثر منذ نعوم أظافره، حتى أصبح من رواد الكلام المنظوم والكتّاب المتميزين بأسلوبه النثري، واختيار المفردات الأنيقة والاختصار وبدون تصنع .

4- أبو العلاء المعري: يعد من أبرز رواد الأدب والنثريين في ذلك الوقت، وعمد على كتابة الكثير من الكتب والدواوين الكبيرة، ويعتبر ” كتاب رسالة الغفران” من أبرز مؤلفاته.

5- بديع الزمان الهمذاني: كان يتميز بالذكاء والحنكة وسرعة الحفظ والارتجال، وقد ظهرت هذه السمات على مؤلفاته بشكل عام.

عوامل ازدهار النثر في العصر العباسي 

1- الاندماج المباشر بين أهل المشرق والعجم، مما أدى على شيوع الحضارات المتعددة في ذلك الوقت ومن ثم عمل على ازدهار النثر والكلام المنظوم بشكل واسع.

2- المزج بين الثقافات المشرقية والأجنبية مما دفع إلى بروز الأشكال الحديثة من حضارات الهنود، وكذلك الفرس، وأهل اليونان.

3- قام حكام ذلك الوقت وولاة الأمر بِحَثّ رواد الأدب على التأليف، والصعود بالأدب في جميع أشكاله.

4- انتشار الأمن والسلام في ذلك الوقت مما أدى إلى انتشار الأمن والتقدم وشيوع الثقافة.

5- كان من أساسيات التعيين في المناصب المهمة في ذلك الوقت التمكن من الكتابة بنمط جيد ومتقن مما أدى على النهوض بأشكال الأدب وتطور النثر.

6- نقل المؤلفات من لغات أخرى إلى لغتهم مثل كتب الطب، وكذلك الأدب، وأيضًا الهندسة، والتي جاءت من الفرس.

الفنون النثرية في العصر العباسي

تعددت أنماط النثر في ذلك الوقت وأصبح يستعمل في أغراض السياسية والتي تخص المجتمع، وكذلك الثقافية ومن أبرز هذه الأشكال ما يلي :

1- الوصايا: كانت تستعمل الحكم في توصِية الأولاد بالألفاظ الحكيمة والمُفردات البليغة.

2- فن المناظرات: كان يستعمل في التناظر والجدال بين الفريقين.

3- فن الخطابة: كانت تستعمل في الفتوحات خطب ولاة الأمر أيضًا المديح وتقديم التهاني.

4- فن الرسائل: كان يستعمل في تدوين رسائل ولاة الأمر للمواضيع المتنوعة، مثال عليها مخطوطات العهود وغيرها.

الفرق بين العصر العباسي الأول والثاني في الأدب 

شهد ذلك الوقت ازدهارًا واضحًا في العديد من العلوم المتنوعة مثل الطب، والهندسة، وأيضًا الفلك ، والفلسفة مما أدى على ازدهار الأدب.

ازدهر النثر بشكل كبير في ذاك الوقت بسبب دمج الشعوب المشرقية والعجمية، والذي أسفر إلى تعدد أشكال النثر وتنوعها مما أدى إلى بروز الرسائل بجميع أشكالها والأدب القصصي.

أما بخصوص للعهد الثاني، فقد واصل الأدب في تطوره رغم  النزاعات السياسية وتجزئة البلاد، وذلك يرجع لتشجيع ولاة الأمر بالأدب والثقافة وكانوا يستقطبون رواد الكلام المنظوم والمنثور إليهم في تلك الفترة.

لقد شهدت أشكال النثر ازدهارًا واضحًا في العهد الثاني، وذلك نتيجة الدمج بالثقافات الأجنبية، وبرز الكثير من الأشكال النثرية المتنوعة، مثل النثر التعليمي، والنثر الأدبي وغيرهم.

نموذج على فن الخطابة في العصر العباسي

خطبة أبو جعفر عند فتك بأبي مسلم الخراساني: “أيها الناس: لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تسروا غش الأئمة، فإنه لم يسر أحد قط منكرة إلا ظهرت في آثار يده، وفلتات لسانه، وصفحات وجهه، وأبداها الله لإمامه، بإعزاز دينه، وإعلاء حقه، إنا لن نبخسكم حقوقكم، ولن نبخس الدين حقه عليكم، إنه من نازعنا عروة هذا القميص أجزرناه خبي هذا الغمد، وإن أبا مسلم بايعنا وبايع الناس لنا، على أنه من نكث بنا فقد أباح دمه، ثم نكث بنا، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا، ولم تمنعنا رعاية الحق له، من إقامة الحق عليه.”

نموذج على فن الوصايا في العصر العباسي

يقول المنصور فيها يوصي ابنه المهدي:

يا بني أتق الله فيما عهد اليك من أمور الناس اياك والدم الحرام ،فانه حوَب عند الله عظيم، والزم الحلال وابتعد عن الحرام، ولا تسعى في الأرض فسادا، وأقمع المارقين واقتل الخارجين الظالمين للناس، واحكم بالعدل ولا تشطط، واحفظ بيضة البلاد ولا تتهاون فيها لغريب او عدو، وأفتتح عملك بصلة الرحم والناس ولا تقهر واحدا ولا تظلم أخر، وأياك والاثرة، وتبذير أموال الرعية، ووسع المعاش وسكن العامة ولا تهجر واحدا منهم. واتق الله ،فأن النوائب غير مأمونة، والحوادث غير مضمونة، ولا تؤخر عمل اليوم الى الغد وباشر الأمور بنفسك، ولا تركن على غير ثقة، واسيء الظن بمن حولك وكتبابك ومستشاريك ولا تنم فأن أباك لم ينم منذ ولي الخلافة، ولا دخل عينيه غمض الا وقلبه مستيقظ، هذه وصيتي والله خليفتي عليك.”

وفي النهاية نستنتج أن الأدب في ذلك العهد قد تطور وكان مواكبًا للعديد من الأحداث التي جرت، كما تطور الأدب المنثور مثل المنظوم، برز فيه العديد من الأشكال مثل الوصايا والخطابة وغيرها، كما برز العديد من الكَّتاب مثل الجاحظ وابن المقفع وغيرهم.


شارك المقالة: