فلسفة أرسطو في المتعة والألم

اقرأ في هذا المقال


إنّ المتعة نفسها هي نتاج جانبي للنشاط، بحيث تنتج المتعة من النشاط دون عائق، وكما يعبر عنها أرسطو فإنّ المتعة هي المرافقة الطبيعية للنشاط غير المعوق، فالمتعة على هذا النحو ليست جيدة ولا سيئة، ولكنها شيء إيجابي لأنّ تأثير المتعة يكمل ممارسة هذا النشاط، ومع ذلك يؤكد أرسطو أنّه لا ينبغي السعي وراء المتعة في حد ذاتها.

أهمية المتعة والألم في فلسفة أرسطو:

يقول أرسطو إنّ المتعة والألم مهمان في الأخلاق، ففي القسم الأول من الكتاب العاشر من كتاب الأخلاق النيقوماخية ألقى أرسطو نظرة جديدة على المتعة مذكراً إيانا بالأسباب التي تجعل دراسة اللذة والألم مهمة لعالم الأخلاق.

1- تتعلق الفضيلة بتطوير شخصية حسنة التكوين، ويجب أن يبدأ هذا بشكل حاسم في مرحلة الطفولة، فاللذة والألم هي الدفة التي يتم من خلالها تعليم الأطفال.

2- تظل اللذة والألم المحفزين الأساسيين طوال الحياة، وعلامة الشخص الفاضل هي أنّه يسعد بالتصرف بشكل فاضل.

يعتقد أتباع المتعة أنّ المتعة بحد ذاتها هي الخير المطلق الذي يسعى إليه النشاط أو يجب أن يسعى إليه المرء، بينما يقول أشخاص آخرون على العكس من ذلك من حيث أنّ المتعة أمر سيء في الواقع ويجب تجنبه.

بعض هؤلاء الأشخاص الذين يعتقدون أنّ المتعة أمر سيء مقتنعون بالفعل بأنّ هذا صحيح، لأنّهم يعتقدون أنّ الناس سيكونون أفضل حالًا إذا اعتقدوا ذلك، حيث يميل الناس بشكل طبيعي إلى الانغماس في الملذات ما لم يتم ثنيهم بشدة، ويعتقد أرسطو أنّ أسلوب التدريس هذا مخادع وغير حكيم.

أرسطو ومبدأ المتعة تكمل نشاطًا آخر:

من الواضح أنّ مفهوم المتعة الذي طوره أرسطو في الكتاب العاشر وثيق الصلة بالتحليل الذي قدمه في الكتاب السابع، ولكن النظرية المقترحة في الكتاب الأخير تبرز نقطة لم تحظ باهتمام كبير في وقت سابق من حيث المتعة بطبيعتها شيء يصاحب شيئًا آخر.

فلا يكفي أن نقول إنّ هذا ما يحدث عندما نكون في حالة جيدة وننشط في ظروف غير معوقة، ويجب على المرء أن يضيف إلى هذه النقطة فكرة أخرى مفادها أنّ المتعة تلعب دورًا معينًا في استكمال شيء آخر غير نفسه، ودائمًا ما يحدث الرسم الجيد ومتعة الرسم جيدًا معًا، وبالتالي يسهل الخلط بينهما لكن تحليل أرسطو في الكتاب العاشر يؤكد على أهمية عمل هذا التمييز.

يقول أرسطو إنّ المتعة تكمل النشاط الذي ترافقه لكنها تضيف بعد ذلك بشكل غامض، حيث أنّها تكمل النشاط بطريقة الغاية المضافة، ففي ترجمة وليام ديفيد روس (W.D. Ross) يوضح بأنّ: “يتفوق مثل ازدهار الشباب على من هم في زهرة عصرهم”.

ليس من الواضح ما هو الفكر الذي يتم التعبير عنه هنا، ولكن ربما يحاول أرسطو فقط تجنب سوء فهم محتمل وذلك عندما يقول أنّ المتعة تكمل نشاطًا ما، فإنّه لا يعني أنّ النشاط المصاحب معيب بطريقة ما، وأنّ المتعة يحسن النشاط بإزالة هذا العيب.

لغة أرسطو مفتوحة لهذا التفسير الخاطئ لأنّ الفعل المترجم لـ (teleein) والذي يعني بالعربية (الكامل) ومن الممكن أن يعني أيضًا (الكمال)، وقد يُفهم الأخير على أنّه يعني أنّ النشاط المصحوب بالمتعة لم يصل بعد إلى مستوى عالٍ من الامتياز، وأنّ دور المتعة هو الوصول بها إلى درجة الكمال.

لا ينكر أرسطو أنّ المرء عندما يستمتع بنشاط ما يتحسن فيه، ولكن عندما يقول أنّ المتعة تكمل نشاطًا بالإشراف عليه مثل الإزهار الذي يصاحب أولئك الذين حققوا أعلى نقطة في الجمال الجسدي، فإنّ وجهة نظره هو أنّ النشاط الذي تكمله المتعة هو بالفعل مثالي، والمتعة التي ترافقه هي مكافأة لا تخدم أي غرض آخر.

إنّ الاستمتاع بنشاط ما يساعد الإنسان على التحسين فيه، لكن المتعة لا تتوقف عند تحقيق الكمال فعلى العكس من ذلك! أي عندما تكون المتعة في ذروتها، وهذا عندما يكشف بشكل كامل عن ماهيته من حيث مكافأة إضافية تتوج إنجاز المرء.

أرسطو ومبدأ المتعة خير وليس الخير:

من الواضح على أي حال أنّ أرسطو في الكتاب العاشر يقدم وصفًا أكمل لماهية المتعة مما كان عليه في الكتاب السابع، ويجب أن تتم ملاحظة أنّ هناك اختلافًا إضافيًا بين هاذين النقاشين، حيث في الكتاب العاشر يشير إلى أنّ المتعة خير وليس الخير، ويستشهد ويؤيد حجة قدمها أفلاطون في فيلبوس (Philebus)، حيث أنّه إذا تم تخيّل حياة مليئة بالمتعة ثم تم الإضافة إليها الحكمة عقليًا تصبح النتيجة مرغوبة أكثر، ولكن الخير شيء لا يمكن تحسينه بهذه الطريقة لذلك فإنّ اللذة أو المتعة ليست هي الخير.

على النقيض من ذلك يشير أرسطو في الكتاب السابع بقوة إلى أنّ متعة التأمل هو الخير، لأنّ جميع الكائنات الحية تهدف بطريقة أو بأخرى إلى هذا النوع من المتعة، كما يلاحظ أرسطو في الكتاب العاشر أنّ ما تهدف إليه كل الأشياء جيد، وإلى حد كبير فهو يقصر في تأييد الحجة القائلة بأنّه بما أنّ الجميع يهدف إلى المتعة فلا بد أنّها خير.

يشير الكتاب السابع إلى أنّ الملذات تتداخل مع بعضها البعض، ولذا حتى لو كانت كل أنواع الملذات جيدة فلا يعني ذلك أنّ جميعها تستحق الاختيار، ويجب على المرء أن يختار بين الملذات بتحديد أيهما أفضل، ولكن كيف يمكن للمرء أن يتخذ هذا الاختيار؟

لا يذكر الكتاب السابع ذلك ولكن في الكتاب العاشر يرى أرسطو أنّ اختيار الملذات لا يجب أن يتم بالإشارة إلى المتعة نفسها، ولكن بالإشارة إلى الأنشطة المصاحبة لها، وبما أنّ الأنشطة تختلف فيما يتعلق بالصلاح والشر، فبعضها يستحق الاختيار والبعض الآخر يستحق التجنب والبعض الآخر لا يستحق ذلك وينطبق الشيء نفسه على الملذات أيضًا.

يشير بيان أرسطو إلى أنّه من أجل تحديد على سبيل المثال ما إذا كانت متعة النشاط الفاضل مرغوبة أكثر من متعة الأكل  لا يجب أن نحضر الملذات نفسها ولكن إلى الأنشطة التي نسعد بها، حيث إنّ خير اللذة ينبع من خير النشاط المرتبط بها، وبالتأكيد السبب في أنّ المتعة ليست المعيار الذي يجب أن ننظر إليه في اتخاذ هذه القرارات هو أنّها ليست جيدة، والمعيار الذي يجب أن نستخدمه في إجراء مقارنات بين الخيارات المتنافسة هو النشاط الفاضل لأنّه ثبت أنّه مطابق للسعادة.

لهذا يقول أرسطو أنّ ما يحكم عليه الإنسان الصالح لطيفًا هو حقًا ممتع، لأنّ الإنسان الصالح هو مقياس الأشياء، وإنّه لا يعني أنّ الطريقة التي نعيش بها هي البحث عن رجل صالح والاعتماد عليه باستمرار لإخبارنا بما هو ممتع، ولكن بالأحرى وجهة نظره هي أنّه لا توجد طريقة لإخبار ما هو ممتع حقًا، وبالتالي ما هو أكثر متعة ما لم يكن لدينا بالفعل معيار آخر للقيمة.

وهكذا فإنّ مناقشة أرسطو عن المتعة تساعد في تأكيد فرضيته الأولية القائلة بأنّه لكي يعيش الإنسان حياة بشكل جيد يجب أن يركز على نوع واحد من الخير قبل كل شيء آخر وهو النشاط الفاضل، حيث إنّها الصالح الذي يجب أن تُفهم من خلاله جميع الحاجات الأخرى.


شارك المقالة: