إنّ السؤال عما إذا كان ينبغي علينا قتل أنفسنا أم لا عندما نواجه اللامعنى المتصور لوجودنا هو السؤال المركزي في أسطورة سيزيف في عام 1942، حيث يخلص المقال الذي كتبه الفيلسوف الفرنسي الجزائري ألبير كامو إلى أنّ الانتحار هو الحل غير المناسب لمعضلتنا الوجودية، وأنّه بدلاً من ذلك يجب أن نتمرد من خلال احتضان واضح لحالتنا المتصورة التي لا طائل من ورائها، وقد تأسست هذه الحجة من خلال استكشاف معقد للظهور اللامعنى للكون الذي نعيش فيه، ومواجهتنا مع هذا اللامعنى والحلول المحتملة لهذه الحالة التي لا تطاق (بما في ذلك الانتحار)، وأخيرًا استخدام الشكل اليوناني لسيزيف لاستنتاج أنّ التمرد الوجودي هو القرار الصحيح.
الانتحار كرد على العبثية:
قد يعترض المرء على أنّ الانتحار ليس مشكلة ولا سؤالاً بل فعل، وقد يكون السؤال الفلسفي المناسب هو: تحت أي ظروف يُبرر الانتحار؟ ولربما تستكشف الإجابة الفلسفية السؤال: ماذا يعني أن نسأل عما إذا كانت الحياة تستحق العيش؟ كما فعل ويليام جيمس في إرادة الإيمان، ولكن بالنسبة لكامو أسطورة سيزيف فيسأل: هل يجب أن أقتل نفسي؟
وهو السؤال الفلسفي الأساسي، وبالنسبة له يبدو واضحًا أنّ النتيجة الأولية للفلسفة هي العمل وليس الفهم، وإنّ قلقه بشأن الأسئلة الأكثر إلحاحًا ليس مسألة نظرية بقدر ما هو مشكلة الحياة والموت المتعلقة بما إذا كان يعيش وكيف يعيش.
يرى كامو سؤال الانتحار هذا كرد فعل طبيعي على فرضية أساسية وهي أنّ الحياة عبثية من نواحٍ مختلفة، وكما إنّه كلاً من وجود الحياة وغيابها (أي الموت) يؤدي إلى ظهور الحالة، أي من السخف أن نبحث باستمرار عن معنى في الحياة عندما لا يكون هناك شيء، ومن السخف أن نأمل في وجود شكل من أشكال استمرار الوجود بعد ذلك، والموت بالنظر إلى أنّ هذا الأخير يؤدي إلى انقراضنا.
ولكن كامو يعتقد أيضًا أنّه من العبث محاولة معرفة العالم أو فهمه أو شرحه، لأنّه يرى أنّ محاولة اكتساب المعرفة العقلانية لا طائل من ورائها، وهنا يضع كامو نفسه في مواجهة العلم والفلسفة رافضًا ادعاءات جميع أشكال التحليل العقلاني.
فلسفة كامو في مفهوم الحساسية العبثية:
هذه الأنواع من العبثية هي الدافع وراء سؤال كامو حول الانتحار، ولكن طريقته في التصرف تثير نوعًا آخر من العبث، نوع آخر أقل تحديدًا وهو (الحساسية العبثية)، وهذا الإحساس الموصوف بشكل غامض يبدو أنّه مرض فكري وليس فلسفة، فهو يعتبر التفكير في الأمر (مؤقتًا) ويصر على أنّ مزاج العبثية، ولذا فإنّ الانتشار الواسع في عصرنا لا ينشأ من الفلسفة بل يكذب قبلها.
يعتمد تشخيص كامو للمشكلة الإنسانية الأساسية على سلسلة من الحقائق البديهية والموضوعات الواضحة، ولكنه لا يجادل عن عبثية الحياة أو يحاول تفسيرها، فهو غير مهتم بأي من المشروعين ولن تستغل مثل هذه المشاريع قوته كمفكر، ومتقبلاً بذلك العبثية باعتبارها مزاج العصر.
كما يسأل قبل كل شيء ما إذا كان يجب العيش في مواجهة ذلك وكيف: “هل تملي العبثية الموت؟” ولكنه لم يجادل في هذا السؤال أيضًا بل اختار بدلاً من ذلك إظهار الموقف من الحياة الذي من شأنه أن يردع الانتحار، وبعبارة أخرى فإنّ الشاغل الرئيسي للكتاب هو رسم طرق عيش حياتنا لجعلها تستحق العيش على الرغم من كونها بلا معنى.
وفقًا لكامو ينتحر الناس لأنّهم يرون أنّ الحياة لا تستحق العيش، ولكن إذا كان هذا الإغراء يسبق ما يعتبر عادة تفكيرًا فلسفيًا فكيف نجيب عليه؟ من أجل الوصول إلى جوهر الأشياء مع تجنب الجدال من أجل حقيقة أقواله فإنّه يصور ويعدد ويوضح، وكما يقول في كتابه المتمرد: “السخف هو تجربة يجب أن نعيشها، ونقطة انطلاق مكافئة في الوجود لشك ديكارت المنهجي”.
كما تسعى أسطورة سيزيف إلى وصف الشعور المراوغ بالسخافة في حياتنا، مشيرًا بسرعة إلى الموضوعات التي تمر عبر جميع الآداب وجميع الفلسفات، ومناشدًا للتجربة العامة يحاول تقديم نكهة العبث بالصور والاستعارات والحكايات التي تلتقط المستوى التجريبي الذي يعتبره كاذبًا قبل الفلسفة.
يبدأ في فعل ذلك بإشارة ضمنية إلى رواية سارتر (الغثيان) والتي تحاكي اكتشاف البطل أنطوان روكوينتين للعبثية، فقد كتب كامو في وقت سابق أنّ نظريات هذه الرواية عن العبث وصورها ليست متوازنة، والجوانب الوصفية والفلسفية للرواية لا تضيف شيئًا إلى عمل فني من حيث الانتقال من واحد إلى الآخر سريع جدًا، وغير محفز للغاية بحيث يستحضر في القارئ الاقتناع العميق الذي يجعل فن الرواية.
لكن في هذه المراجعة عام 1938 امتدح كامو أوصاف سارتر للعبثية، والشعور بالأسى والغثيان الذي ينشأ عندما تنهار الهياكل العادية المفروضة على الوجود في حياة أنطوان روكوينتين، ويقدم كامو نسخته الخاصة من التجربة في أحد أعماله ومع استمرار هذا يصبح المرء واعيًا تمامًا ببطء ويستشعر العبث.
الرد على الشك:
يمكننا مقارنة استنتاج كامو مع شكوك الفيلسوف بيرو وشكوك رينيه ديكارت المنهجية، وبادئ ذي بدء مثل بيرو حل كامو قضيته الوجودية الملحة أي تجنب اليأس بنوع من القرار الذي يستلزم قبول فناءنا والجهل المطلق، ولكن هناك اختلافين جوهريين مع بيرو، فبالنسبة لكامو لا يمكننا أبدًا التخلي عن الرغبة في المعرفة، وإدراك ذلك يؤدي إلى تسريع نبضات حياتنا.
كانت هذه النقطة الأخيرة موجودة بالفعل في كتابه الأعراس، ولكن تم توسيعها لربط الوعي بالسعادة، وبالنسبة لكامو تشمل السعادة العيش بشكل مكثف وحسي في الحاضر، مقرونًا ذلك بوعي سيزيف المأساوي والواضح والمتحدي وإحساسه بالحدود والمرارة وتصميمه على الاستمرار ورفضه لأي شكل من أشكال المواساة.
من الواضح أنّ إحساس كامو بالسعادة ليس شعورًا تقليديًا، ولكن ساجي (Sagi) يجادل بأنّه قد يجعله أقرب إلى أرسطو من أي مفكر آخر بقدر ما يدافع عن الإدراك الكامل للقدرات البشرية، كما أنّ كامو مشابه أيضًا في هذا لنيتشه والذي دعا قرائه إلى قول نعم للحياة والعيش بشكل كامل قدر الإمكان في كل لحظة، حيث كانت وجهة نظر نيتشه هي أنّ كونك على قيد الحياة بالكامل يعني أن تكون مدركًا للسلبية بقدر ما هو إيجابي والشعور بالألم وعدم التخلي عن أي تجربة واحتضان الحياة حتى في أغرب مشاكلها وأصعبها.
لكن كيف يمكن بنهاية أسطورة سيزيف أن ينتقل كامو من الشك (في إيجاد الحقيقة) والعدمية (حول ما إذا كانت الحياة لها معنى) إلى الدعوة إلى نهج للحياة يُحكم بوضوح على أنّه أفضل من الآخرين؟ وكيف يبرر تبني موقف معياري يؤكد قيمًا معينة؟ ويكشف هذا التناقض عن خفة اليد حيث يفسح الفيلسوف الطريق للفنان، وبصفته فنانًا يطرح كامو الآن حجته لقبول المأساة ووعي العبثية وحياة الحيوية الحسية، وهو يدافع عن ذلك من خلال صورة سيزيف متوترة وحيوية وسعيدة.