نشأ علم الترجمة منذ العصور القديمة جدّاً، وتزامن نشأة علم أو فن الترجمة مع نشأة الكلام وتواجد اللغات المختلفة، وكانت الحاجة له ماسّة منذ القديم؛ وهذا من أجل سهولة التواصل بين الناس ومتحدّثي اللغات الأجنبية، سنحكي عزيزي القارئ في هذا المقال عن دور اللسانيات في عملية الترجمة، وما هو علم اللسانيات، ومدى ارتباطه بعملية الترجمة.
ما هو علم اللسانيات؟
قبل أن نتعرّف على العلاقة بين الترجمة واللسانيات؛ فعلينا أوّلاً معرفة مصطلح اللسانيات، ومصطلح اللسانيات يقصد به العلم الذي يهتم بدراسة كل مما يختص بلغة الإنسان؛ سواء كن خصائصها أو تركيباتها الأساسية، بالإضافة إلى دراسة التشابه والاختلاف فينا بينها، وهي تقوم بذلك بدراسة جميع الجوانب لها.
ما هي علاقة اللسانيات بالترجمة؟
السؤال الأول الذي قد يخطر بذهن القارئ هو: هل هنالك علاقة بين الترجمة واللسانيات، والإجابة هي بالتأكيد يوجد، بل إن العلاقة بين اللسانيات والترجمة هي علاقة وثيقة جدّاً؛ حيث أنّ الترجمة تعتبر فن نشأ وانبثق من علم اللسانيات، وظلّ علم الترجمة مستمر وفي تطوّر دائم حتّى أصبح عبارة عن تخصّص يدرّس في الجامعات، بالإضافة إلى أنّ علم الترجمة أصبح له مترجمين مختصّين يمتهنونه، ويصلون أيحاناً لدرجة الاحترافية به.
بالإضافة إلى أن علم الترجمة أصبح فن له نظريّات ودراسات نقدية من قبل عدّة نقاد وباحثين كذلك، وعندما بدأ علم اللسانيات بدأ يهتم بعلم اللغة؛ فهو دراسة منهجية للمسائل اللغوية، بالإضافة إلى دراسة تركيبتها ووصفها الصوتي والنحوي والصرفي، كما أنّها تقوم بدراسة كل التركيب والدلالة لهذه اللغة واستخدام معاجم دلالية لها، وهي تدرس كذلك كل قوانينها ووظائفها.
أمّا عن علم الترجمة فهو يقوم بنقل النصوص من لغتها الأصلية أو ما يسمّى بلغة المصدر إلى لغة المترجم أو لغة الهدف، ولكن يشترط بهذه العملية الحفاظ على سلامة اللغة، وعدم الإخلال بأي من معانيها، ومن خلال أنّ الترجمة مسؤولة عن الحفاظ على خصائص اللغة؛ فتأتي اللسانيات لتمدّه بعلم اللغة، بالإضافة لتقديم أهم التقنيات الازمة للحفاظ عليها.
وبناءً على ذلك فإنّ علم الترجمة يستعين باللسانيات في أثناء قيامه بنقل اللغة؛ وهذا من خلال التعرّف على بنية اللغة وأهم خصائصها، بالإضافة لمعرفة أهم القضايا اللغوية التي تختصّ بالنقل وأهم قوانين التقريب بين المعاني، ولذلك نشأ في علم اللسانيات ما يسمّى بالمعجم اللغوي والدلالي؛ فالمعاجم هي المساهم الأكبر في عملية الترجمة؛ خاصّةً في مجال الترجمة الفورية التي تهتمّ بالنقل والترجمة السريعة.
وبذلك علم اللسانيات له دور كبير في عملية الترجمة أو العمل الترجمي، كما أن علم اللسانيات لا يقتصر على العلم باللغات القديمة، بل إنّه يواكب جميع التغييرات والتحديثات التي تطرأ عليها، وبالتالي هو يرافق العمل الترجمي بكل عصوره وأزمانه، وبحسب مقولة للكاتب أ.د حبيب مونسي يقول (لقد استهدت نظريات الترجمة باللسانيات التماساً منها إلى سمة العلمية فيها، وابتغاء إضفاء مسحة من اليقين في منجزاتها إذا هي ركنت إلى علم لغوي يتشدّد كثيراً في ضبط أدواته ومصطلحاته، بيد أن اللسانيات على اختلاف مشاربها ومدراسها، عالجت الظاهرة اللغوية علاجاً خاصّاً).
ومن خلال هذه المقولة أو الرأي، اختلفت النظرة إلى علم الترجمة من كونها مهنة وآلية يمتلكها المترجم إمّا بالموهبة الفطرية أو الخبرة، إلى علم له يقوم على مبادئ دقيقة، وهذه المبادئ تساهم على الارتقاء بعلم الترجمة، ومن ضمن الأدلّة التي تؤكّد العلاقة الوثيقة بين الترجمة واللسانيات هي أن الترجمة لها أسلوبان وهما:
أسلوب الترجمة المباشرة كالاقتراض أو المحاكاة، وهي الترجمة الحرفية، والأسلوب الغير مباشر مثل: الإبدال، التطويع، التكافؤ، التصرّف، وهذا أضاف بعد أكاديمي للترجمة؛ حيث دخلت الترجمة في مجال رسائل الماجستير والدكتوراة والمذكرات، وهذا يبيّن لنا كيف أن الترجمة التي انثبقت من اللسانيات دخلت ميادين مختلفة، وأصبح لها أساليب متعدّدة تعتمد جميعها على اللغة وخصائصها.
وهنالك الكثير من الدراسات في مجال علم اللسانيات، والتي يمكن الاستفادة منها بشكل كبير في علم الترجمة، ومن الأشخاص اللذين قاموا بهذه الدراسات (تشومسكي، دوسوسير صاحب كتاب –محاضرات في اللسانيات العامة) وغيرهم الذين مهّدوا بتلك الدراسات الطريق للترجمة.
بالإضافة للكاتب (نعوم تشومسكي) والذي أضاف الدراسات الحديثة في علم اللسانيات، وهذا يؤكّد لنا أن اللسانيات كانت ولا زالت من العوامل التي ساهمت لعلم الترجمة بالمضي قدماً، وتسهيل للمترجم بعملية الترجمة مهما كان نوعها أدبي أم أكاديمي تخصّصي.