ميتافيزيقية الفيلسوف أبيلارد

اقرأ في هذا المقال


ميتافيزيقياالفيلسوف بيتر أبيلارد هي أول مثال عظيم على الاسمية في التقليد الغربي، في حين أنّ وجهة نظره القائلة بأنّ المسلمات مجرد كلمات (الاسمية)، تبرر التسمية فإنّ الاسمية -أو الأفضل اللاواقعية- هي السمة المميزة لميتافيزيقا أبيلارد بأكملها.

أبيلارد بين نظرية المسلمات والميتافيزيقيا:

وبما أنّ أبيلارد  غير واقعي ليس فقط حول المسلمات ولكن أيضًا حول الافتراضات والأحداث والأوقات الأخرى غير الحاضر والأنواع الطبيعية والعلاقات والكلاء والفضاء المطلق والمركبات الهايلومورفك (hylomorphic) وما شابه، والهايلومورفك هي النظرية التي طورها أرسطو تعنى بالمركبات التي تتكون من المادة والشكل، وبدلاً من ذلك يرى أبيلارد أنّ الفرد الملموس بكل ثرائه وتنوعه أكثر من كافٍ لتعبئة العالم، وفضّل أبيلارد التفسيرات الاختزالية والذرية والمادية كلما أمكن ذلك، ولقد كرس قدرًا كبيرًا من الجهد لصب الماء البارد على التجاوزات الميتافيزيقية لأسلافه ومعاصريه.

يدافع أبيلارد عن أطروحته القائلة بأنّ المسلمات ليست سوى كلمات بالقول إنّ الواقعية الأنطولوجية حول المسلمات غير متماسكة، وبتعبير أدق يرى أنّه لا يمكن أن يكون هناك أي كائن حقيقي في العالم يفي بمعايير بوثيوس للعالمية، أي شيء موجود ككل في كثير في وقت واحد ليشكل جوهرهم، ومن ثم يستنتج أبيلارد أنّ العالمية ليست سمة وجودية للعالم ولكنها سمة دلالية للغة.

لنفترض أنّ المسلمات كانت أشياء في العالم لذا فإنّ الشيء نفسه موجود تمامًا في كل من سقراط والحمار في نفس الوقت مما يجعل كل منهما حيوانًا بالكامل، ويشير أبيلارد إلى أنّ الشيء نفسه الحيوان سيكون عقلانيًا في نفس الوقت (نظرًا لدوره في تكوين الكائن البشري للنوع)، وغير عقلاني (نظرًا لدوره في تكوين حمار النوع)، ولكن بعد ذلك توجد المتناقضات في نفس الوقت في نفس الشيء ككل وهو أمر مستحيل.

فلسفة أبيلارد بين العقلانية واللاعقلانية في نفس الشيء:

للرد على أنّ العقلانية واللاعقلانية ليسا موجودين في الواقع في نفس الشيء يقدم أبيلارد إجابة ذات شقين:

1- يرفض الادعاء بأنّهم حاضرون فقط ويتم إبلاغ كل نوع فعليًا بعكس ذلك والجنس موجود بالفعل في كل نوع ككل، ومن ثم يتم إعلامه فعليًا من خلال أحد الأنواع المتناقضة في أحد الأنواع والآخر في النوع الآخر، ونظرًا لأنّه واحد تمامًا في كل منهما فإنّه يتم إخباره فعليًا بالمناقضات وينتج التناقض.

2- يتعهد أبيلارد بإثبات أنّ المتضادات لن تكون موجودة فقط في الجنس ولكن حتى في نفس الفرد، وسقراط حيوان وكذلك برونيلوس الحمار، ولكن عن طريق التعددية بما أنّ كل منهما حيوان كليًا فإنّ سقراط هو برونيلوس ومن ثم فهو عقلاني وغير عقلاني، وبعبارة أخرى كل منها هو في الأساس حيوان، وعلاوة على ذلك فهو عقلاني في الأساس وغير عقلاني في الأساس.

إذا اعترضنا على هذا الجزء الأخير من التفكير على أساس أنّ الأفراد فريدون بحكم سماتهم غير الأساسية، يجيب أبيلارد أنّ هذا الرأي: “يجعل الحوادث قبل الجوهر”، أي أنّ الاعتراض يدّعي أنّ الأشياء الفردية فردية بحكم السمات التي تميزها بشكل عرضي والتي تخلط بين الأشياء وخصائصها.

فلسفة أبيلارد في مفهوم العالمية:

إنّ آفاق الطبيعة ليست أفضل من الواقعية إذا تم تحديد العام ليس بشيء واحد بل بمجموعة من الأشياء، فيشير أبيلارد إلى أنّ المجموعات متأخرة عن أجزائها، وعلاوة على ذلك لا يتم تقاسم المجموعة بين أجزائها بالطريقة التي يُقال أنّ العالمية مشتركة بين الكثيرين، كما أنّه لا يساعد في محاولة التعرف على الكوني مع الفرد بطريقة ما، ويجادل أبيلارد بأنّه إذا كان الكوني هو الفرد حقًا فنحن عالقون في النتيجة التي مفادها أنّ أفرادًا مثل سقراط مشتركون لدى الكثيرين، أو أنّ هناك عددًا كبيرًا من المسلمات مثل الأفراد وكل واحد منهم عبثي.

يخلص أبيلارد إلى أنّ العالمية هي مجرد لغة لغوية وليست سمة من سمات العالم، وبتعبير أدق يعتقد أبيلارد أنّ الأسماء الشائعة مثل حيوان والأفعال، والأسماء السلبية مثل ليس سقراط يمكن التنبؤ بها بشكل صحيح للكثيرين وبالتالي تعد بمثابة عامة، وهذه المصطلحات عامة لغويًا بمعنى أنّ معناها ينطبق على أكثر من شيء واحد لكنها بذلك لا تسمي شيئًا عامًا، وبدلاً من ذلك فإنّها تشير بشكل توزيعي إلى كل فرد ينطبق عليه المصطلح.

يؤكد أبيلارد أنّ كل شيء في العالم باستثناء الله والملائكة هو إما شكل أو مادة أو مركب من الشكل والمادة والشيء ما هو الذي يصنع منه، سواء أكان موجودًا في المنتج النهائي (مثل الطوب في المنزل) أو يتم امتصاصه فيه (كدقيق في الخبز)، وفي النهاية تتكون جميع الكائنات المادية من العناصر الأربعة وهي الأرض والهواء والنار والماء، ولكنها لا تحتفظ بأشكالها الأساسية في معظم التركيبات.

فلسفة أبيلارد في المادة والشكل:

بشكل عام شكل الكائن المادي هو فقط تكوين أجزائه المادية ونسمي الشكل بدقة ما يأتي من تكوين الأجزاء، وبالتالي فإنّ الأشكال تكون فوقية على المادة وليس لها مكانة وجودية مستقلة عنها، وهذا لا يعني إنكار وجود النماذج ولكن لتقديم تفسير خاص لما يجب أن يتواجد فيه النموذج في موضوع معين، أي أن يتم تكوين مادته بطريقة معينة، ومن هنا تتطابق الأشياء المادية مع ما تتكون منها باستثناء واحد: البشر الذين تشكل أشكالهم أرواحهم غير المادية (والخالدة).

بالمعنى الدقيق للكلمة بما أنّ الأرواح البشرية قادرة على الوجود في حالة انفصال عن الجسد، فهي ليست أشكالًا بعد كل شيء، على الرغم من أنّها تعمل كأشكال جوهرية طالما أنّها مرتبطة بالجسد.

المواد المركبة من الشكل والمادة باستثناء البشر هي أجزاء متكاملة مكونة من أجزاء مادية منفصلة تم تكوينها بطريقة معينة، ويقدم أبيلارد العديد من الأنواع المتكاملة عدة مجموعات بغض النظر عن كيفية اختيار أعضائها:

1- المركبات المهيكلة سواء كانت موحدة بشكل طبيعي (مثل سقراط وأطرافه) أو موحدة بشكل مصطنع (مثل الجدران والأرضية وسقف المنزل).

2- الكميات المستمرة التي تكون (مواد) متجانسة أي المواد مثل الماء أو الذهب.

3- كائنات هندسية مثل الخطوط التي تحددها الموضع النسبي لأجزائها جميع الأزمنة مثل اليوم والساعات التي يتكون منها.

معظم هذه المجموعات لا شيء وجوديًا سوى أجزائها المادية، ويعتمد ما إذا كانت المركبات المهيكلة لها أي مكانة وجودية مستقلة على حالة أشكالها المنظمة.

نظرية أبيلارد عن الكلِّيات التكاملية الجوهرية ليست مجرد علم مجردة بالمعنى الحديث، لأنّه يرى أنّ هناك انقسامات مميزة تمامًا كما ينقسم الجنس بشكل صحيح ليس فقط إلى أي نوع ولكن الأنواع القريبة منه، كذلك يجب تقسيم الكل يكون في أجزائه الرئيسية، فحدسيًا لدى بعض الأجمعين تقسيم طبيعي له الأسبقية على الآخرين.

وفقًا لأبيلارد فإنّ الأجزاء الرئيسية من الكل هي تلك التي ينتج عن اقترانها على الفور الكل الكامل، ويبدو أنّ قصده هو أنّ طبيعة التكوين (إن وجدت) التي تحدد الكل المتكامل توضح أيضًا أجزائه الرئيسية، فيتكون المنزل من أرضية وجدران وسقف مجمعة بالطريقة الصحيحة، وإنّه سؤال مفتوح عما إذا كان كل جزء رئيسي (مثل الجدار) يتطلب وجود جميع أجزائه الفرعية (كل لبنة).

الأفراد لديهم طبائع وبحكم طبيعتهم فإنّهم ينتمون إلى أنواع طبيعية محددة، لكن طبيعة الفرد ليست شيئًا مشتركًا مع أفراد آخرين، فأظهر تفنيد أبيلارد للواقعية أنّ هذا مستحيل، وبدلاً من ذلك يتخذ أبيلارد نوعًا طبيعيًا ليكون مجموعة محددة جيدًا من الأشياء التي لها نفس الميزات وبشكل عام التي تجعلها على ما هي عليه، ولماذا يكون لشيء ما بعض الميزات بدلاً من الأخرى؟ حيث تؤدي العمليات الطبيعية التي خلقته إلى امتلاكه للسمات التي يمتلكها أي كونه نوع الشيء الذي هو عليه، وعمليات مماثلة تؤدي إلى نتائج مماثلة.

من الواضح أنّ الأنواع الطبيعية ليس لها مكانة خاصة، وهم ليسوا أكثر من مجموعات متكاملة منفصلة مبدأ عضويتها هو التشابه، مما يعكس فقط حقيقة أنّ العالم مقسم إلى فئات متشابهة منفصلة من الأشياء، وكذلك فإنّ علاقات التشابه الحقيقية هذه ليست في حد ذاتها شيئًا أعلى من الأشياء المتشابهة، ومن المفترض أن يكون التقسيم إلى أنواع طبيعية حقيقة ضحلة عن العالم.

قد تكون النار باردة والأجسام الثقيلة تسقط لأعلى والضفادع سبب، وإذا كانت هذه القوى السببية مختلفة فقد تكون الأنواع الطبيعية مختلفة أيضًا، أو ربما لم تكن متمايزة بشكل حاد كما هي الآن، وبالنظر إلى وضع الأمور تقطع الأنواع الطبيعية العالم من مفاصلها لكنها المفاصل التي اختارها الله.

المصدر: Peter Abelard (1079—1142)Peter AbelardCarmen ad Astralabium. Edited by J. M. A. Rubingh-Bosscher in Peter Abelard: Carmen ad Astralabium, a Critical Edition. Groningen: phil. diss. Rijksuniversiteit 1987.


شارك المقالة: