قصة زوجة الريح الخريفية

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الكاتب والمؤلف ياسوناري كاواباتا وهو من مواليد دولة اليابان من أشهر الأدباء الذين برزوا في مجال الأدب العالمي، إذ كان قد نشر أول جزء من كتاباته وهو ما زال على مقاعد الدراسة الجامعية، ومن أكثر القصص التابعة له والتي لاقت صدى واسع حول العالم هي قصة زوجة الريح الخريفية.

قصة زوجة الريح الخريفية

في البداية تدور وقائع وأحداث القصة عند اللحظة التي توقف بها شخص يدعى دهليز عند الجزء المسطح بين منعطفات الدرج، وتناول أبعد كتاب من جهة اليمين من الرف الذي توضع به الكتب، كان دهليز يريد أن يعتمده للقراءة، وإذ كان الكتاب يحمل عنوان دائرة معارف، وفي الصفحة التي فتحها عليها شاهد هذا العنوان زوجة الريح الخريفية.

وهي كانت عبارة شاعرة من شاعرات قصائد التانكا الفكاهية، تنتمي إلى مرحلة إيدو، وتكون ابنة أخ شخص يدعى داموجايا فوميرو من مدينة يوشيوارا، كما تعرف بأنها زوجة شخص يدعى كابوتشا موتو ناري، وقد تم إطلاق هذا الاسم عليها كونها هي من ألفت قصيدة مطلعها: زفيف الريح ينبئني بقدوم الخريف، ويفض ختم الشهر السابع، وينثر وريقة شجرة بولفينية وحيدة، وهي مؤلفة كذلك إلى العديد من قصائد الواكا كذلك.

وهنا لم تعجب المادة دهليز واعتبرها مادة تافهة، إذ لم يفهم القصيدة بصورتها الحقيقية التي تكمن بين سطورها، حيث أنه عندما يكون الشخص في رحلة مضجرة ومتعبة للغاية، فإنه تتبدد رغبته في الحصول على كم من المعلومات التي لا أهمية لها، هكذا أخذ يردد مع نفسه، وواصل صعود على الدرج باتجاه غرفته، فلم يعلم أنه سوف تحدث معه قصة تشبه تلك القصيدة بكل حذافيرها.

إذ كانت قد طلبت إحدى النساء المقيمات في الفندق من دهليز أن يسمح لها باستعمال غرفته لمدة ما يقارب نصف ساعة، وكان قد وافق على ذلك الطلب، حيث أن زوجها كان مصاب بمرض من أمراض الرئة وقد جاء إلى هذا الفندق كنصيحة من طبيبه لتغيير الهواء الذي كان في مدينته، وفي تلك اللحظة كان قد شعر زوجها بأنه استعاد زوجها جزءاً من صحته، وهنا أخذ يتباهى بقوته الروحية التي شعر بها، وقال: أنه من خلال إيمانه القوي بأنه سوف يشفى قادر على التغلب على مرضه، فقد كان لا يسمح لزوجته أن تبتعد عنه أو تغادر مكانها، فقد كانت بجواره لحظة بلحظة.

غير أنّ الطبيب قد أخبرها أنّ الموت كان قد اقترب من زوجها، إذ ما يقارب على يومين أو ثلاثة أيام فقط، وهنا تعين على الزوجة أن تعود إلى بيتها في مدينة طوكيو؛ وذلك من أجل القيام بإعداد الترتيبات الازمة، كما كان هناك بعض الترتيبات التي تحتاج إلى المال، وهناك أمور أخرى تشعر المرأة بالضيق.

وهنا كانت المرأة قد جاءت بشكل سري للغاية إلى غرفة دهليز، حيث كانت قد تركت طقم من الثياب فيها، فارتده استعداداً لرحلتها، ثم بعد ذلك انسلت خارج الفندق، إذ اعتادت المرأة ارتداء معطف أبيض يغطي باقي ملابسها بشكل كامل، وانطلقت تسير في ممرات الفندق، بوجه تطغى على ملامحه الكآبة، وفي هذا المكان الذي يعد ملتقى كبير، والذي كان حافل بالزوار الأجانب في جميع فصول السنة، وفي تلك اللحظة وأثناء مرورها كانت قد دخلت قلب دهليز بجمالها الأليف على الرغم من الكآبة التي تسيطر عليها، فقال: إنها حقاً زوجة الريح الخريفية، فقد أطلق عليها عنوان القصيدة التي قرأه في الكتاب.

وعند وصوله إلى الغرفة كانت هناك رائحة مواد تجميل ويوجد بعض منها في سلة المهملات، إلى جوار المنضدة التي يتزين عليها، كما كانت بعض الشعرات الصغيرة الملتفة حول بعضها البعض، فقد اعتقد أن كل تلك الشعيرات قد سقطت من المرأة التي كانت موجودة بالغرفة، فشعر بالحزن جراء تساقط هذا الكم من الشعر منها.

وهنا بدأ يجمعها  والتقطها من السلة، وقال دهليز أنه لربما شعرت السيدة بالدهشة من تساقط هذا الكم من شعرها ولفتها حول أصبعها، لهذا بدت الشعرات كأنها متجعدة في دوائر مشدودة، فتوجه نحو شرفة غرفته، من أجل مشاهدة أنّالسيارة التي تركبها المرأة، إذ انطلقت باتجاه الطريق الرئيسي الأبيض.

وهنا عمل على إغماض عينيه من الجهة اليمنى، وقام بوضع دائرة صغيرة من الشعر مقابل عينه التي في الجهة اليسرى، وهنا ضيقت هذه العين وكأنه ينظر خلال عدسة مجهر، وبهذه الطريقة أخذ يتابع السيارة البعيدة التي تركبها المرأة، فبدأ المنظر يصبح كأنه لعبة معدنية، وهنا شعر بالسرور كما لو أنه ما زال طفلاً، وفي تلك اللحظة بدأ يشعر أن تلك الشعيرات لها رائحة كريهة جداً كرائحة العفن وكأن تلك المرأة التي لم تغسل شعرها منذ زمن طويل، وكان قد حلّ في ذلك الوقت فصل الخريف، وقد كان في تلك الأيام البرد شديد جداً، فقد اعتقد أنه لهذا السبب لم تستحم المرأة.

وبينما دهليز يراقبها حجبت أطراف الجبال عنه متابعة السيارة، كما بدأت السماء من جهة البحر مليئة بالسحب الكثيفة، فقرر أن يعود إلى غرفته، بينما هو يسير باتجاه غرفته انهالت على مسامعه موسيقى راقصة، وكان كانت تلك الموسيقى تدار حينما حلّ وقت احتساء الشاي في إحدى القاعات المخصصة لذلك.

كانت تلك القاعة مشعة بالأضواء، ولكن لم يقوم أي نزيل بالذهاب لشرب الشاي سواء رجل كان يعتقد أنه كبير الكُتاب وامرأة كانت السيدة المسؤولة عن العناية بالغرف الفندقية، وهما الثنائي الوحيدين في القاعة، وقد عزما على الرقص بإحدى الرقصات التي تعرف باسم رقصة فالس، وقد كانت المرأة الممتلئة القوام ترتدي ملابس غربية لا تناسب قوامها، فقد بدت أنها راقصة سيئة ولا تجيد الأداء الجيد للرقصة.

وهنا لم يفكر في المكوث ومشاهدة الرقصة، فقد غادر من القاعة وتوجه نحو غرفته الخاصة، ورقد في فراشه، فاسترخى قليلاً حتى يبدأ بالتهيؤ إلى النوم، وبعد فكر في الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم خلد إلى النوم، وفي صباح اليوم التالي حينما استيقظ من نومه تناهى على مسمعه حفيف الوريقات التي تتساقط من الأشجار، وصوت الريح تتلاعب بها وتهوي بها على الأرض في الحديقة الواقعة في الجزء الخلفي من الفندق، وهنا بدأ يحدث حركة قوية بعض الشيء في الأبواب الزجاجية، وقد كانت تلك الأصوات إنذار إلى قدوم إعصار خريفي قوي، وهنا بدأ يفكر في حال المريض؟ وتساءل فيما إذا عادت زوجته أم لا؟ فقد كان يعلم ويدرك أن مثل ذلك الإعصار تؤثر بشكل كبير على من هم مصابون بأمراض في الرئة.

وهنا بدأ يشعر بأن هناك شيئاً لا يرتاح له، وإذ أوشك على الاتصال هاتفياً بمكتب الاستقبال والسؤال عن زوجة الرجل المريض بأنها قدمت أم لا، إذ شعر بأن عيناها تأتي من أعماق الخريف، وساوره فجأة شعور موغل بحب طاغي واستحواذي اتجاه زوجة المريض والتي كان يسميها زوجة الريح الخريفية.

المصدر: The Story of the Wife of the Autumn Wind


شارك المقالة: