قصة اكتشاف الجاذبية الأرضية

اقرأ في هذا المقال


مقدمة عامة في الجاذبية

الجاذبية، وتسمّى بقوة الجذب العالمية، إنّها إلى حد بعيد أضعف قوة معروفة في الطبيعة، وبالتالي لا تلعب دورًا في تحديد الخصائص الداخلية للمادة اليومية، من ناحية أخرى من خلال امتدادها الطويل وعملها العالمي، فإنّها تتحكم في مسارات الأجسام في النظام الشمسي وأماكن أخرى في الكونوالهياكلوالنجوموالمجرات والكون بأسره، جميع الأجسام على الأرض لها وزن، أو قوة جاذبية سفلية، متناسبة مع كتلتها، والتي تمارسها كتلة الأرض عليها.

تُقاس الجاذبية بالتسارع الذي تعطيه للأجسام المتساقطة بحرّية، على سطح الأرض تسارع الجاذبية حوالي 9.8 متر (32 قدم) في الثانية، في كل ثانية يسقط فيها جسم ما حرًا، تزداد سرعته بحوالي 9.8 مترًا في الثانية،على سطح القمر، تهيمنت أعمال نيوتنوألبرت أينشتاين على تحسين نظرية الجاذبية، ظلت نظرية نيوتن الكلاسيكية عن قوة الجاذبية سائدة منذ كتابه (Principia)، الذي قام بنشره عام 1687م، نظرية نيوتن كافية حتى اليوم لجميع التطبيقات باستثناء التطبيقات الأكثر دقة.

تتنبأ نظرية النسبية العامة لأينشتاين فقط بالاختلافات الكمية الدقيقة من نظرية نيوتن باستثناء حالات خاصة قليلة، تتمثل الأهمية الرئيسية لنظرية أينشتاين في انحرافها المفاهيمي الجذري عن النظرية الكلاسيكية وآثارها لمزيد من النمو في الفكر المادي، أدّى إطلاق المركبات الفضائية والتطورات البحثية منها إلى تحسينات كبيرة في قياسات الجاذبية حول الأرض والكواكب الأخرى والقمر وفي التجارب على طبيعة الجاذبية.

قصة اكتشاف الجاذبية الأرضية

في القرن الرابع قبل الميلاد، اعتقد الفيلسوف اليوناني أرسطو أنّه لا يوجد تأثير أو حركة بدون سبب، كان سبب الحركة الهبوطية للأجسام الثقيلة، مثل عنصر الأرض، مرتبطًا بطبيعتها، مما جعلها تتحرك إلى أسفل نحو مركز الكون، الذي كان مكانها الطبيعي، على العكس من ذلك، تتحرك الأجسام الخفيفة مثل عنصر النار، بطبيعتها نحو الأعلى باتجاه السطح الداخلي للكرة القمرية، وهكذا في نظام أرسطو، لا تنجذب الأجسام الثقيلة إلى الأرض بفعل قوة الجاذبية الخارجية، ولكنها تميل نحو مركز الكون بسبب الجاذبية الداخلية أو الثقل.

اعترف عالم الفلك الهندي براهماغوبتا، في كتابه (Brahmasphuta Siddhanta) (افتتاح الكون) بالجاذبية كقوة جذب، تبع براهماجوبتا نظام الجاذبية الشمسي المركز من الشمس، الذي طوره أرياباتا في وقت سابق عام 499، وأدرك أنّ هناك قوة جذب بين الشمس والأرض، علق عالم الفلك الفارسي في القرن الحادي عشر أبو الريحان البيروني، في كتابه “تاريخ الهند”، الذي تُرجم لاحقًا إلى اللاتينية باسم (Indica) على أعمالهم وكتب أنّ النقاد يدحضون نظام مركزية الشمس في أرياباتا، له مقولة: “لو كان الأمر كذلك، لكانت الحجارة والأشجار تسقط من الأرض”.

وفقًا لبيروني، رد براهماغوبتا على هذه الانتقادات بالحجة التالية: على العكس من ذلك، إذا كان الأمر كذلك، فلن تتنافس الأرض في الحفاظ على وتيرة منتظمة وموحدة، كل الأشياء الثقيلة تنجذب نحو مركز الأرض، الأرض من جميع جوانبها هي نفسها؛ كل الناس على الأرض يقفون منتصبون، وكل الأشياء الثقيلة تسقط على الأرض بموجب قانون الطبيعة، لأنّ طبيعة الأرض تجذب وللحفاظ على الأشياء، مثل طبيعة تدفق الماء، وطبيعة النار للحرق، وطبيعة الرياح لتحريكها.

في القرن التاسع افترض الأخ الأكبر لبني موسى، محمد بن موسى، في كتابه الحركة النجمية وقوة الجذبّ، أنّ هناك قوة تجاذب بين الأجرام السماوية، مما ينذر بقانون نيوتن للجاذبية العامة، ناقش ابن الهيثم (الحسن)، المعاصر للبيروني، نظرية التجاذب بين الكتل، ويبدو أنّه كان على دراية بحجم التسارع بسبب الجاذبية، في عام 1121م، ميز الخزيني في كتاب توازن الحكمة بين القوة والكتلة والوزن، وادعى أنّ الجاذبية تختلف باختلاف المسافة من مركز الأرض، رغم أنّ الخزيني كان يعتقد بأنّ وزن أي جسم ثقيل، له وزن معروف على مسافة معينة من مركز العالم، يختلف باختلاف المسافة منه.

بحيث أنّه كلما تم إزالته من المركز، يصبح أثقل، وعند الاقتراب منه، يكون أخف، في هذا الحساب، تكون علاقة الجاذبية بالجاذبية كعلاقة المسافة إلى المسافة من المركز، كانت هذه المحاولات المبكرة لشرح الجاذبية عبارة عن مفاهيم فلسفية إلى حد كبير ولم يتم إعطاؤها معالجة علمية مناسبة ولم يتم التحقق منها بانتظام عن طريق التجريب، لم يتم إعطاء قوة الجاذبية معالجة علمية مناسبة وتعبيرًا رياضيًا دقيقًا يمكن من خلاله استنتاج الوصف الصحيح للجاذبية حتى إسحاق نيوتنن خلال القرن السابع عشر، وجد جاليليو أنّه على خلافًا لتعاليم أرسطو، بحيث تتسارع جميع الأشياء بالتساوي عند السقوط.

وفي ستينيات القرن السادس عشر، وبتأثير من أفكار ألكيندوس، أوضح روبرت هوك قانونه للجاذبية السماوية،”يتم سحب جميع الأجسام نحو الشمس بقوة تتناسب مع كتلتها وتتناسب عكسًا مع مربع المسافة التي تفصلها عن الشمس”، في أواخر القرن السابع عشر، ونتيجة لاقتراح روبرت هوك أنّ هناك قوة جاذبية تعتمد على المربع العكسي للمسافة، كان إسحاق نيوتن قادرًا على اشتقاق قوانين كيبلر الحركية الثلاثة للحركة الكوكبية، وهي ” إنّ القوى التي تحافظ على الكواكب في فلكها يجب أن تكون متبادلة مثل مربعات مسافاتها من المراكز التي تدور حولها”.

نظرية الجاذبية لنيوتن

في عام 1687م، نشر عالم الرياضيات الإنجليزي السير إسحاق نيوتن (Principia)، الذي يفترض قانون التربيع العكسي للجاذبية العامة، بكلماته الخاصة، “لقد استنتجت أنّ القوى التي تحافظ على الكواكب في فلكها يجب أن تكون متبادلة مثل مربعات مسافاتها من المراكز التي تدور حولها، وبالتالي مقارنة القوة المطلوبة لإبقاء القمر في مداره مع قوة الجاذبية على سطح الأرض؛ ووجدتهم يجيبون تقريبًا”.

تمتعت نظرية نيوتن بأكبر قدر من النجاح عندما تم استخدامها للتنبؤ بوجود نبتون بناءً على حركات أورانوس التي لا يمكن حسابها من خلال أفعال الكواكب الأخرى، تنبأت حسابات جون كوش آدمز وأوربان لو فيرييه بالموقع العام للكوكب، وحسابات لوفرير هي التي قادت يوهان جوتفريد جالي لاكتشاف نبتون، ومن المفارقات أنّ التناقض الآخر في مدار الكوكب هو الذي ساعد في القضاء على نظرية نيوتن.

بحلول نهاية القرن التاسع عشر، كان معروفًا أنّ مدار عطارد لا يمكن حسابه بالكامل في ظل نظرية نيوتن، وكانت جميع عمليات البحث عن جسم مزعج آخر (مثل كوكب يدور حول الشمس أقرب من عطارد) بلا جدوى، تم حل هذه المشكلة في عام 1915م من خلال نظرية النسبية العامة الجديدة لألبرت أينشتاين، هذه النظرية تفسر التناقض في مدار عطارد، على الرغم من أنّ نظرية نيوتن قد تم استبدالها، إلّا أنّ معظم حسابات الجاذبية غير النسبية الحديثة تعتمد على عمل نيوتن لأنّها نظرية أسهل بكثير للعمل معها وكافية لمعظم التطبيقات.

أما بالنسبة لنظرية ألبرت أينشتاين للنسبية العامة، فقد قام نيوتن بعمل مذهل في التنبؤ بحركة الأجسام وتحديد قوة الجاذبية في القرن السابع عشر، ولكن بعد 300 عام تقريبًا، تحدى ألبرت أينشتاين، بطريقة جديدة وطريقة أكثر دقة لفهم الجاذبية، وفقًا لأينشتاين، عندما تلتوي الكتلة، مثل كرة البولينج تخلق فجوة، والأجسام الأكثر ضخامة مثل النجوم أو الثقوب السوداء تشوه الفضاء مع تأثيرات يمكن ملاحظتها بسهولة في التلسكوب، يتم انحناء الضوء أو يكون هناك تغيير في حركة الأجسام القريبة من تلك الكتل.

أثبتت نظرية النسبية العامة لأينشتاين نفسها بشكل مشهور من خلال شرح سبب وجود كوكب عطارد، وهو الكوكب الصغير الأقرب إلى الشمس في نظامنا الشمسي، في مدار مع اختلاف قابل للقياس عما تنبأت به قوانين نيوتن، في حين أنّ النسبية العامة أكثر دقة في شرح الجاذبية من قوانين نيوتن، فإنّ الاختلاف في الحسابات باستخدام أي منهما يكون ملحوظًا في معظم الأحيان فقط على المقاييس “النسبية”، بالنظر إلى الأجسام الضخمة للغاية في الكون، أو سرعات قريبة من الضوء، لذلك تظل قوانين نيوتن مفيدة وذات صلة اليوم في وصف العديد من مواقف العالم الحقيقي التي من المحتمل أن يواجهها الإنسان العادي.

التفسيرات الميكانيكية للجاذبية

النظريات الميكانيكية أو تفسيرات الجاذبية: هي محاولات لشرح قانون الجاذبية بمساعدة العمليات الميكانيكية الأساسية، تم تطوير هذه النظريات من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر فيما يتعلق بنظريات الأثير، استخدم رينيه ديكارت وكريستيان هيغنز الدوامات لشرح الجاذبية، حيثُ افترض روبرت هوك وجيمس شاليس عام 1869م، أنّ كل جسم يصدر موجات تؤدي إلى جذب أجساد أخرى، اقترح نيكولاس فاتيو دي دويلييه، وجورج لويس لو سيج، نموذجًا جسمانيًا، باستخدام نوع من آلية الفرز أو التظليل، في وقت لاحق، تم إنشاء نموذج مشابه بواسطة هندريك لورنتز.

استخدم هندريك لورنتز الإشعاع الكهرومغناطيسي، جادل إسحاق نيوتن، وبرنارد ريمان، بأنّ تيارات الأثير تحمل جميع الأجسام لبعضها البعض، اقترح نيوتن وليونهارد أويلر، نموذجًا يفقد فيه الأثير كثافته بالقرب من الكتل، مما يؤدي إلى قوة صافية موجهة إلى الأجسام، اقترح اللورد كلفن، أنّ كل جسم ينبض، وهو ما قد يكون تفسيرًا للجاذبية والشحنات الكهربائية، ومع ذلك تم الإطاحة بهذه النماذج لأنّ معظمها يؤدي إلى مقدار غير مقبول من السحب، وهو ما لم يتم ملاحظته لنماذج أخرى تنتهك قانون الحفاظ على الطاقة ولا تتوافق مع الديناميكا الحرارية الحديثة.


شارك المقالة: