أثر الدولة البويهية في الخلافة العباسية

اقرأ في هذا المقال


أثر الدولة البويهية في الخلافة العباسية:

لم يتدخل أمراء بني بويه خلال حُكمهم في تفضيل الخليفة العباسي عن الآخر وفي نزعه عن منصب الخلافة فقط أكثر من مرة، كانت بدايتهما في سنة (334 هجري)، أي عُقب دخوهم بغداد مباشرة، وكانت المرة الثانية في سنة (381 هجري)، ففي سنة (334 هجري)، قبض الأمير البويهي معز الدولة احمد بن بويه علي الخليفة آنذاك وهو المستكفي بالله ‏وجلعه من الخلافة، وبايع بالخلافة للمطيع لله (334 – 363 هجري)، ويذكر المؤرخون عدة أسباب لذلك بعضها سياسية والبعض الآخر دينية.

أما الأسباب السياسية فمفادها أن الخليفة المستكفي بالله كان يُراسل ناصر الدولة الحمداني أثناء القتال الدائر بينه وبين معز الدولة أحمد بن بويه، ويخبره أولاً بأول بأسرار الجيش البويهي العسكرية. أما الأسباب الدينية فهي أن الخليفة أهان رجُلاّ من غير السنة كان يتولى الإفتاء في حضرة الأمير معز الدولة، فاستاءَ من ذلك معز الدولة وكان رد الفعل المُباشر عنده خلع الخليفة الذي لم يحترم مذهبه.

أما المرة الثانية التي تدخل فيها البويهيون في اختيار الخليفة العباسي فكانت في سنة (381 هجري)، وذلك عندما خلع بهاء الدولة الخليفة الطائع لله (363 – 381 هجري)، وبايع لأبي العباس أحمد بن إسحاق بالخلافة باسم (القادر بالله).

ويورد لنا المؤرخون أسباباً مُتباينة، فمنهم من يقول أن بهاء الدولة كان في ضائقة مالية، فأغراه أبو الحسين بن المعلم الذي كان من أقرب الناس اليه، ويتمتع بنفوذ كبير في دولته، بالقبض على الخليفة والاستيلاء على أمواله، لحل أزمته المالية. ويقول البعض الآخر أن الخليفة الطائع لله قبض على أبي الحسين بن المعلم، وكان من خواص ببهاء الدولة، فعظم ذلك على بهاء الدولة فقبض على الخليفة، وخلعه، واستولى على أمواله، وعلى كل ما وجده في دار الخلافة.

امتيازات بنو بويه في الخلافة العباسية:

نجح بنو بويه في إقامة دولة قوية حملت اسمهم، وامتد سلطانها على منطقة العراق (إلى حدود الجزيرة العربية)، وبلاد الجبل وإقليم خوزستان، واقليم فارس وإقليم كرمان. وكانت هذه البلاد تحكم مباشرة من قِبَل الأُمراء البويهيين ما يدل على قوتهم وعظمة نفوذهم. ولكي يدلل أمراء آل بويه على قوتهم وعظمة نفوذهم عملوا على الحصول على بعض الامتيازات من الخلفاء العباسيين، وذلك تميزاً لهم عمّا سبقهم من الحكام.

جرت العادة أنه عند وضع الخليفة لأمير ما أن يحضر ذلك الأمير إلى مجلس الخليفة فيطوقه ويسوره يقلده سيفاً، ويعقد له لواء مطعماً بالفضة، ويكتب له عهداً بالامارة أو الولاية. إلا أنه حدث في عام (367 هجري)، أمر مخالف لذلك إذ حضر الأمير عضد الدولة البويهي إلى دار الخلافة يصحبه عدد من الجند والأشراف والقضاة والأعيان.

وتم عقد الإمارة له على النحو التالي: (نزع عليه الخليفة نزعة السلطانية، وتوّجه بتاج مُرصع بالجوهر وطوقه وسوره، وقام بتقليده سيفاً، وقام بإعطاءه لوائان أثنان بيده، أحدهما مفضض على رسم الأمراء، والآخر مذهب على رسم ولاة العهود ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله ممن يجري مجراه، ولقبه تاج الملة مُضافاً إلى عضد الدولة، وكتب له عهداً، وقرىء العهد بحضرته، ولم تجر العادة بذلك، وإنما كانت العهود تدفع إلى الولاة بحضرة الخلفاء. فإذا أخذه الرجل منهم قال له: هذا عهدي إليك فاعمل به.

ويبدو أن هاتين الميزتين وهما عقد لوائين لعضد الدولة وقراءة عهد امارته بحضرة الخليفة أصبحتا حقاً من حقوق الأمراء البويهيين الذين تعاقبوا على السلطة بعد الأمير عضد الدولة. وكان من أهم مظاهر سيادة الخليفة العباسي الدينية أن يضرب الطبل أمام داره في أوقات الصلوات الخمس ايذاناً بدخول وقت الصلاة، ولم يكن يسمح لأحد حتى لأولياء العهود بضرب الطبل أمام داره، حتى لا يُشارك الخليفة في هذا المظهر من مظاهر سيادته.

وكان أمراء البويهيين يحاولون التمتع بميزة ضرب الطبول على أبواب دورهم أسوة بالخلفاء، وقد حاول معز الدولة التمتع بهذه الميزة فأخفق فلمّا ولى عضد الدولة أمور العراق، طلب من الخليفة الطائع لله أن يمنحه حق ضرب الطبول أمام داره، فأجاز له ذلك ثلاث مرات يومياً،‏ في وقت الصبح والمغرب والعشاء. ويبدو أن الخليفة الطائع لله منح الأمير البويهي هذه الميزة لتحسين علاقته به بعد الخلاف الذي كان بينهما عند النزاع بين بني بويه والأتراك.

أصبحت هذه الميزة (ضرب الطبول) بعد ذلك حقاً من حقوق الأمراء البويهيين الذين يتولون الحكم. فكان الطبل يضرب ثلاث مرات في اليوم أمام دار الأمراء: صمصام الدولة وشرف الدولة، وبهاء الدولة. ولكن عندما ولي سلطان الدولة الحكم في سنة (408 هجري)، أمر بضرب الطبل أمام داره خمس مرات في اليوم في أوقات الصلوات الخمس، وذلك دون استئذان الخليفة.

ثم تكرر هذا الأمر في سنة (418 هجري)، في عهد الأمير جلال الدولة الذي أصرّعلى أن يضرب الطبل أمام داره في أوقات الصلوات الخمس بالرغم من احتجاج الخليفة. ثم اضطر الخليفة إلى الموافقة عندما غضب جلال الدولة، واحتجّ بما فعله سلطان الدولة.

وفي سنة (368 هجري)، أمر الخليفة الطائع لله بأن تُقام الخطبة للأمير عضد الدولة على منابر بغداد بعد الخطبة للخليفة، ويذكر بعض المؤرخين أنه لم يسبق أن خطب لأمير في حضرة الخليفة إلا لعضد الدولة، ويعطينا الصابىء توضيحاً لذلك، فيقول: على منابر البلاد البعيدة الجارية في ولاياتهم.

ألقاب بنو بويه في عهد الخلفاء العباسييين:

حرص أمراء بني بويه منذ قيام دولتهم على التلقب بالألقاب، ورُبما كان ذلك مُحاكاة لخلفاء بني العباس مما يرفع من شأنهم في نظر الناس، ففي سنة (334 هجري)، دخل الجيش البويهي بغداد بقيادة أحمد بن بويه، وعند ذلك لقب الخليفة المستكفي بالله علي بن بويه بـ (عماد الدولة)، ولقب الحسن بن بويه بـ (ركن الدولة)، ولقب أحمد بن بويه بـ (معز الدولة). وزيادة في تشريفهم أمر بأن تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم.

جرت العادة بعد ذلك أن يلقب الخليفة العباسي كل أمير من الأسرة البويهية يتولى السلطة أو يتولى حكم بعض الأقاليم التابعة للدولة البويهية، ففي سنة (351 هجري)، لُقِبَ الخليفة المطيع لله الأمير أبا شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بلقب (عضد الدولة)، وفي سنة (355 هجري)، لقب أبا منصور بويه بن ركن الدولة بـ (مؤيد الدولة). كما لقب الخليفة الأمير بختيار بن أحمد بن بويه بلقب (عز الدولة ). وفي سنة (364 هجري)، لُقِبَ الخليفة أبا الحسن علي بن ركن
الدولة بـ (فخر الدولة ).

ويبدو أن الخليفة العباسي ‏في البداية كان هو الذي يختار اللقب للأمير البويهي، وكان على الأخير قبوله، وعدم الاعتراض عليه،‏ وذلك على اعتبار أن اللقب موهبة من مواهب الإمام يمنحها لمن يشاء من أصحابه والعاملين معه، غير أن ذلك لم يدم طويلاً، وأصبح من المألوف ابتداء من سنة (369 هجري)، أن يختار الأمير البويهي لنفسه ما يشاء من الألقاب، ثم يحصل على موافقة الخليفة عليها.

ففي سنة (369 هجري)، قدم الأمير عضد الدولة إلى بغداد، وطلب من الخليفة أن يزيد في لقبه (تاج الملة) فلم يُمانع الخليفة، ولقبه كما طلب، وبذلك أصبح عضد الدولة أول أمير بويهي يُلقب بلقبين. ويبدو أن بني بويه قد جاوزوا حدهم في التلقب بألقاب لم تكن مألوفة أصلاً في مجتمع الدولة الإسلامية، ولم يكن الخليفة العباس نفسه راضياً عن تلقب الأمير عضد الدولة بلقب (ملك الملوك).

ولمّا طلب أبو كاليجار بن سلطان الدولة بأن يتلقب بـ (السلطان الأعظم مالك الأمم)، عارضه العلماء وقالوا انه لا يجوز أن يتلقب بذلك اللقب لأن السلطان المعظم هو الخليفة، وكذلك مالك الأمم، فتلقب أبي كاليجار عند ذلك بـ (ملك الأمة). وفي سنة (429 هجري)، زيد في ألقاب جلال الدولة (شاهنشاه الأعظم ملك الملوك) وكان ذلك بموافقة الخليفة القائم بأمر الله، وخطب لجلال الدولة بذلك على المنابر فنفرت العامه، ورموا الخطباء بالآجر، ووقعت فتنة شديدة.

وعند ذلك رؤي الرجوع إلى الفقهاء والقضاة لإيجاد حل لهذا الاشكال، فأفتى بعض الفقهاء والقضاة بجواز التلقب بذلك اللقب، لأن المقصود به ملك ملوك الأرض. وفي سنة (440 هجري)، طلب الأمير أبو نصر خسرو فيروز، الذي تولّى الحكم بعد وفاة أبيه أبي كاليجار، من الخليفة أن يلقبه بـ (الملك الرحيم) فامتنع الخليفة في أول الأمر، وقال: (لا يجوز أن يُلقب بأخص صفات الله)، ثم وافق بعد ذلك رغم ارادته.


شارك المقالة: