أهم ملوك الفراعنة للأسرة الخامسة

اقرأ في هذا المقال


الملك الفرعوني نفر إر كارع:

ما كان للملك (نفر إر كارع)، طموحات قليلة عن أخيه، بل عمل في تشييد هرم أكبر من هرم ساحورع، ولكنه توفي قبل أنّ يتم جمع أجزاء مجموعته الهرمية. ولم يكن هذا الملك يشبه من سبقه على العرش في نشاطه الحربي بل كان شخصاً طيب القلب مُحباً لتقديم الهبات للمعابد، وفي نفسه شعور أصيل بحُب من حوله والاعتراف بخطئه إذا أخطأ.

فأما عن عشقه للكهنة والمعابد فيمكن المشاهدة على أعماله المُسجلة في حجر بالرمو فنرى أكثرها في السنة الأولى من حكمه لا يعدو منح الأوقاف للآلهة يمنحها مرة للناس ومرة أخرى لأرواح هليوبوليس. أو نراه يقدم مذبحاً للإله رع ومذبحاً آخر للإلهة حتحور، كما نراه أيضاً يقدم للفلاحين الذين يعملون في الأراضي التي تملكها المعابد، بل ويُقدم تمثالاً من خليط من معدني الذهب والفضة.

ومن الحظوظ السيئة أنَّ الجزء المحفوظ من حجر بالرمو ينتهي عند ذلك فلا نعرف ماذا قدمه للكهنة والآلهة في السنوات التالية، ولكن هذه البداية كافية لتجعلنا نُدرك أنَّ عصر هذا الملك كان بدء ظهور سلطة الكهنة ظهوراً تاماً واستغلالهم لطيبة نفسه للحصول على كل ما يُريدون، ولا نعجب بعد ذلك إذا رأيناه يصدر في عهده مرسوماً ملكياً يُسجل معافاة رجال الدين وفلاحي المعابد من القيام بأي عمل آخر تتطلبه مشاريع الإصلاح في أي إقليم من الأقاليم، ويهدد كل من يُخالف ذلك من موظفي الحكومة، فساعد (نفر إر كارع)،‏ بهذا العمل على تقوية الكهنة وإثرائهم.

فإذا فكرنا في أذهاننا أنَّ المتربعين في زعامة مراتب الكهنوت كانوا هم في الوقت ذاته كبار الموظفين في البلاد فإنا ندرك بسهولة لماذا أخذت سلطة الملك تضعف مع مرور الزمن ولماذا بدأت السلطة المركزية للحكومة في التفكك، ولماذا أخذ شأن كبار الموظفين وحكام الأقاليم يعلو ويزداد.

كان لهذا الملك وزير يُسمى (واش يتاح)، كان يشغل في الوقت ذاته وظيفة كبيرة القضاء، والمشرف على جميع الأعمال الإنشائية للملك. وذهب الملك مع أبنائه ليُشاهد العمل في إحدى المُنشآت الملكية في يوم من الأيام وكان وزيره يسير إلى جواره ويشرح له ما تقع عليه عيناه. وسر الملك ومن معه مما رأوا وأثنى عليه كثيراً، وبينما كان الملك يتحدث إليه سقط، (واش يتاح)،‏ مغميا عليه.

وعندما رأى أولاد الملك وأفراد عائلته ما حدث، فشعروا بالخوف والقلق وأمر (نفر إر كارع)، أنّ يسيروا به إلى القصر وقام الملك بإخراج صندوقاً يحتوي على القراطيس الطبية يبحث فيها عن علاجاً له، ولكنه لم يستطع مساعدته واعتكف في مقصورته ليصلى لأجله، وعندما أعلنوا للملك وفاته حزن وعاد إلى حجرته ليرفع صلواته إلى الإله رع ثم أمر بأنّ يصنع له تابوتاً من خشب الأبنوس المطعم كما أمر أنّ يكون تحنيطه أمامه وقد ذكر ابنه الأكبر، الذي غمره الملك بإحسانه وأسند إليه بعض الوظائف الكبرى، تفاصيل هذه القصة على لوحة أقامها في القبر الذي شيده له في سقارة.

وهناك قصص أخرى تم التعرف على وقائعها في عام (‎(1929،‏ عندما كان الحفارين من جامعة القاهرة تكشف عن آثار المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الطريق الموصل بين معبدي خفرع في منطقة أهرام الجيزة. لقد كشفت تلك الحفائر عن مقبرة أحد كبار موظفي ذلك الملك ويُسمى (رع‏ ور)، وكان يحمل بين ألقابه الكثيرة بلقب (مدير القصر الملكي وكاتم أسرار الملك). وكان في الوقت ذاته كاهن آلهة الوجه القبلي وكاهن آلهة الوجه البحري.

وحدث لهذا الموظف حادث بسيط مع الملك. كان (رع وربسير)، إلى جوار سيده في يوم احتفال رسمي بافتتاح عيد خاص وحدث أنَّ الملك كان يحرك عصاه فضربت دون قصد منه ساق ‎(رع ور)، فلما أدرك ما فعله استاء استياء شديداً وقال بأنه أحب شخص لديه واعتذر عما بدر منه ولم يكتف الملك بذلك بل أراد أنّ يجعل هذه الحقيقة معروفة للناس جميعاً وأنّ تُنقش على لوحة حجرية، وقد عثر على هذه اللوحة في قبر ذلك الموظف.

وعلى ما تم ذكر قبر (رع ور)، يمكن القول أنَّ عدد حجراته وأبهائه وممراته لا يقل عن خمسين،‏ ولو عددنا ما بقي من أجزاء تماثيله لتأكدنا أنه كان منها أكثر من مائة في هذه المقبرة، ولو ألقينا نظرة على الأحجار التي شيدت بها جدرانها، وعلى الأخص أحجار الواجهة لأدركنا ثراء الكهنة الذي لم يكن يُضارعهم فيه إلا الملوك ولو قارنا قبره (رع ور)، بقبور أبناء سنفرو أو خوفو لرأيناه يفوقها في عدد الحجرات أو الردهات وفخامة المباني.

وليس قبره (رع ور)، هو القبر الوحيد الذي نشاهد فيه ثراء كبار الكهنة والموظفين بل نجد أمثلة كثيرة بين مقابر أبو صير والجيزة وسقارة. ولقد أصبح كبار الكهنة والموظفين على شيء كبير من الثراء والنفوذ، وأصبحوا يبنون لأنفسهم مقابر تزيد في حجمها وفخامتها أضعاف ما كانت عليه مقابر أبناء الملوك في الأسرة الرابعة.

الملك الفرعوني ني أوسر رع (2484 – 2516 ق.م.):

هناك ملكان آخران حكما بعد (نفر إر كارع)، وهما (شيسس كارع)،‏ و (نفرف رع)، ولكنهما لم يتركا آثاراً مهمة، وإنّ كان قد بدأ ثانيهما على الأقل في تشييد هرم له في منطقة أبو صير. ولم يظل حُكمهما طويلاً إذ حكم أولهما سبع سنوات والثاني أربع سنوات، ثم جاء إلى العرش ملك آخر وهو (ني أوسر رع) الذي طالت أيام جلوسه على العرش فزادت عن اثنين وثلاثين عاماً وبنى له هرماً في أبو صير، كما بنى معبداً للشمس في المنطقة نفسها وحُلي جدرانه بمناظر كثيرة، ربما كان أهمها تلك المناظر التي تُعطينا أهم ما وصل إلى أيدينا من تفاصيل مراسيم العيد الثلاثيني ونرى أيضاً بين المناظر التي كانت في معبده ما يدل على حروب قام بها في سوريا وحروب أخرى ضد الليبيين.‏

ولو أنَّ هناك بعض الشك في بموضوع أنه لم يقم بهذه الحروب، كان الفنانون يقومون بتقليد مناظر معبد ساحورع الذي كان على مقربة منه. وقد عثر على مقابر مهمة كثيرة من عهد هذا الملك، ربما كانت أهمها جميعاً مقبرة (تي)،‏ في سقارة التي قلما لا يذهب لزيارتها شخص يزور تلك المنطقة وهي تعطي بحق فكرة صادقة عن الحياة الاجتماعية في ذلك العهد.

الملك الفرعوني جد كارع – إسيسي (2448 – 2476 ق.م.):

وجاء بعد (ني أوسر رع)،‏ ملك يُسمى‏ (منكاوو حور)، حكم نحو ثمانية أعوام ولا نعرف عنه إلا القليل. ثم حكم بعد ذلك ملك قوي وهو (جد كارع – إسيسي)، الذي حكم عهداً طويلاً لم يقل عن ثمانية وعشرين عاماً. اهتم هذا الملك بتأمين حدوده واستغلال المناجم والمحاجر فأرسل حملة إلى بلاد النوبة وأخرى إلى وادي الحمامات وحملة أو أكثر إلى جبل المغارة في سيناء حيث تركت أربعة نقوش باسمه.

وقد عرفنا من تاريخ حياة الرحالة‏ (حر خوف)، الذي قام برحلات عدة إلى جنوبي مصر في الأسرة السادسة أنه عاش في عهد الملك إسيسي أحد قادة السفن ويُسمى (باوردد)،‏ الذي استطاع أنّ يحصل على قزم حي فكافأه الملك وأغدق عليه من الهدايا الشيء الكثير، ومعنى ذلك أنَّ السياسة التي بدأها ساحورع في أوائل أيام الأسرة الخامسة وهي الاتصال بالجنوب وفتح الطرق التجارية إليه والحصول على خيرات السودان وبلاد بونت، لم يهمل أمرها من جاءوا بعده، بل استمر عليها باقي الملوك وسنرى أنها ستزداد في الأسرة السادسة.

كان اسم (إسيسي)، دائماً من الأسماء الشهيرة في تاريخ الأسرة الخامسة واقترن اسمه بأسماء الكثيرين من كبار الموظفين الذين عُثِرَ على مقابرهم، ومن بينهم الحكيم الشهير ‎(يتاح حتب)،‏ الذي كان مُشرفاً على تربيته. والذي ترك مجموعة نصائحه وإرشاداته، وهي ذخيرة من الحكمة والإرشاد إلى حسن السلوك أعتز بها المصريون في جميع عصورهم.

وفي عام (1948)، كشفت مصلحة الآثار عن المنطقة الواقعة حول هرم يُسمى الهرم الشواف في منطقة سقارة فوق الهضبة التي بُنيت أمامها في الوادي منازل بلدة سقارة، وظهر في ذلك المعبد كثير من النقوش الهامة فأصبحنا نعرف الآن أين هرمه وأين معبده، كما كشفت مصلحة الآثار أيضاً في عام (1952 – 1953)، عن هرم ومعبد آخرين لزوجته في المنطقة نفسها.

ولم يتم العثور داخل هرم إسيسي على أي نقوش، أما المعبد فلم يكن يقل عن أي معبد آخر من معابد الأسرة الخامسة في فخامته وجمال نقوشه، وظهرت فيه بعض عناصر معمارية لم يكن لنا بها عهد من قبل مثل تزيين بعض المداخل بأعمدة في شكل علامة (جد)، وهي شديدة الصلة بعبادة الإله أوزيريس، كما ظهر أيضاً في حفائر المعبد تماثيل لأسود وثيران وتماثيل لبعض الأسرى من الأجانب.


شارك المقالة: