خرافات باعدت بين القراءة والقارئ

اقرأ في هذا المقال


لكل مجتمع خرافات يرويها الناس عبر الأزمنة حول ما يدور حولهم، ونحن في المجتمعات العربية لدينا تلك الخرافات التي نُسجت حول القراءة، البعض منها مضحك والآخر ينطوي على مغالطات والبعض الآخر غاية في الغرابة.
تلك الخرافات أعاقت نمو القراءة وانتشارها على المستويين الشخصي والمجتمعي بين شعوبنا العربية، وفي هذا المقال سيتم وضع هذه الخرافات بين يدي التشريح؛ لتتضح تفاصيلها وسياقاتها وكيفية إمكانية الرد عليها؛ ليبقى الهدف الأكثر أهمية دائماً مساعدة المجتمعات العربية لتصبح مجتمعات قارئة ومحبة للمعرفة ومحبة للكتاب.

أشهر وأغرب الخرافات التي وردت عن القراءة:

القراءة موضة قديمة:

حسب الكثير من الناس أن القراءة صارت اليوم موضة قديمة بشكل خاص في ظل التقدم التقني، وبروز كثير من وسائل المعرفة والعلوم والتثقيف الحديثة التي منها مواقع الإنترنت التفاعلية والتي تعتمد على الصوت والصورة ومقاطع الفيديو.

في هذا الاعتقاد جانب كبير من الصحة، إلا أن هناك فوائد كثر لا يقدمها شيء إلا القراءة؛ إذ أثبتت الدراسات والتجارب أن لا شيء يعادل الكتاب في قدرته على تقديم جرعة معرفية ثقافية مركزة للقارئ الجاد، مقارنة بمواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

القراءة تقوم بتحفيز نشاط المخ خاصة مراكز الخيال، حيث أن هذا الأمر لا تقدمه أي من الوسائل الأخرى والتي تقوم بإعفاء الإنسان من التخيل لدرجة كبيرة، بمزجها للنص المنظور بالصور والأصوات والألوان والفيديو، وتحفيز قدرة المخ على التخيل يجعله أكثر صحة، وكما أنه يبطئ من الإصابة بخرف الشيخوخة والزهايمر.

إن القراءة تساعد على التخفيف من الشعور بالتوتر والضغط العصبي، وعلى العكس من وسائل التقنية الحديثة التي تزيد من ذلك الشعور، كما تساهم القراءة كذلك في تطوير الثروة اللغوية للقُراء، خاصة تلك الكتب الأدبية الراقية التي يحرص كتابها على تجويدها لغويًا، في حين أن مواقع الإنترنت عادة ما تكون مكتوبة بلغة بسيطة جدًا بل هي ضعيفة في بعض الأحيان.

الكتب تقود إلى الانحراف الفكري: 

يزعم بعض الناس أن قراءة كتب معينة تقود إلى الانحراف الفكري والتشوه العقائدي، ويدّعون ذلك إما للامتناع بالكلية عن قراءة الكتب وإما إلى فرض رقابة مسبقة على ما يقرؤه الناس من كتب ومطبوعات، وهذا زعمُ خطير أدى إلى نتائج كارثية.

قد يرى البعض أن هناك كتباً تحوي أفكاراً منحرفة، ولكن علاج الأمر لا يكون بمنع القراءة، ولا بفرض الرقابة المسبقة على الكتب. بالعكس فإن القراءة الحرة وتداول الكتب هما اللذان ينيران العقول ويسددان الأفكار ويحميان عموم الناس والمجتمعات من الانحرافات.

وأساساً، فإن الناس عرضة للانحراف عبر ألف وسيلة غير الكتاب، كما أن الرقابة لن تمنع الراغبين بالحصول على أي كتاب من الوصول إليه في زمن الانترنت.

لا يوجد وقت للقراءة:

الكثير من الناس يتذرع بأنهم لا يمتلكون الوقت الكافي للقراءة وهذه بالتأكيد خرافة، هناك خطوات كثيرة من الممكن المساعدة في أن تجد بها الوقت للقراءة، على سبيل المثال أن تُستبدل بعض الأوقات المخصصة لكرة القدم أو المقهى بالقراءة وتحديد وقت معين للقراءة يوميًا والإلتزام به وتحديد عدد معين من الكتب لقراءتها في الشهر أو في السنة، بالإضافة إلى اصطياد الأوقات للقراءة سواء في وسائل المواصلات أو في بعض الدوائر الحكومية، حيث يكون الانتظار هناك طويلاً والقراءة في المجال المفضل والقراءة قبل النوم ولو عشر دقائق فقط.

قراءة الصحف تغنيك عن قراءة الكتب: 

يعتقد عدد كبير من الناس أن قراءة الصحف تغني عن قراءة الكتب، عدا عن أن اللغة التي تستخدمها الصحف لا تساعد في إثراء مخزون القارئ اللغوي، لعل طبيعة النشر الدوري للصحف وموادها، تقود إلى عدم حصول أغلب المقالات التي تُنشر على حظها الواسع عند الإعداد من البحث، وهذا ما يترتب عليه ركاكة كثير من المواد الصحفية من الناحية العلمية والتثقيفية، ووقوع كثير منها في الأخطاء.

أغلب الصحف تسعى إلى إظهار المواد المثيرة على حساب المواد المفيدة، ولا تقدم إلا المساحات المصغرة للمواد العلمية والثقافية العميقة، والتي إن جاءت، تأتي بطريقة الإثارة والرشقات السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع لدى الباحثين عن العلم والثقافة، فيتوصل إلى استنتاجات سطحية واستنباطات غير صحيحة غالبًا.

الأفلام تغني عن القراءة: 

أفلام جيدة كثيرة كانت روايات وكتباً، إلا أن قراءة الرواية تخلق متعة مختلفة عن الفيلم، فالقراءة تجعل الخيال ينمو ويتطور أكثر من الأفلام؛ وذلك لأن الشخص يكون متلق لا أكثر، على العكس من قراءة الرواية، التي يقوم فيها خيال القارئ بصناعة الحدث والصور، كما أن الفيلم يختصر جزءًا كبيرًا من التفاصيل التي في الرواية، وبالتالي تخسر جزءًا كبيرًا ممتعًا من القصة، إضافةً إلى ذلك فإن قراءة الكتاب تنمي القدرة على التركيز عبر تمرين عضلات الذاكرة، وعبر تذكر الأحداث والشخصيات بشكل مستمر.

القراءة ليس لها مردود على الجسد: 

يمتلك الكتاب تأثيرًا يشبه تأثير النادي الرياضي أو المستشفى، وهذا ما تؤكده الدراسات؛ إذ تبين أن الذين لا يقرؤون الكتب يعانون من أمراض مختلفة مثل: ضغط الدم والسكر والسمنة والقولون العصبي وقرحة المعدة والقلب، إضافةً إلى ذلك المشاكل النفسية المختلفة، كالقلق والتوتر وفصام الشخصية، وأما أولئك الذين يقرؤون فهم أكثر صحة، وتقل بينهم نسبة الإصابة بهذه الأمراض بشكل واضح.

مؤخرًا تم إنشاء علم المعالجة بالقراءة، وصار معترفاً به بين كل الأوساط العلمية، إذ يتمكن الطبيب بواسطته أن يعطي للمريض وصفة علاج بالقراءة، فالكثير من العلل العضوية هي نتيجة اضطرابات نفسية للمريض، كما أن للأفكار السلبية تأثيرها السلبي على النفس، فيأتي دور القراءة في توفير العزلة، فتقوم بإبعاد الفرد عن ضغوط الحياة، وتجعله يرى الحياة بمنظور جديد، ويكتشف من خلالها المعلومات التي يمكن أن تحل مشاكله وهذا يخفف من الضغط العصبي ويمنح السعادة والراحة النفسية.

التجربة والممارسة العملية أهم من القراءة: 

هذه العبارة يرددها بعض الناس للتقليل من شأن القراءة، وهذا يُعدّ من قبيل الحق الذي أُريد به باطل، فالفائدة المرجوة من الممارسة العملية والتجربة الحياتية جليلة عظيمة، وذلك عبر وضعها الأفكار النظرية التي يستقيها ويستمدها القارئ من الكتب مكان التطبيق العملي لتثبت في عقله، ولكن ليس بالإمكان مطلقاً لطالب المعرفة والعلم أن يتجاوز العبور على جسر القراءة والكتب، بأن يكتفي بالقول أن التجربة والممارسة العملية أكثر أهمية، حتى لو كان باستطاعة البعض أن يحصل على مبلغًا كبيرًا من المال في واحد من المجالات المعرفية من غير أن يطلّع على الكتب، فهو في الحقيقة قد أهدر الكثير من الجهد والوقت في التجربة والخطأ بحثًا عن الإجابات، في حين أنه كان من الممكن أن يجد تلك الإجابات في كتب الذين سبقوه في هذا المجال المعرفي.

قراءة الروايات غير مفيدة للعقل ومضيعة للوقت: 

تنتشر وتشيع هذه الخرافة بشكل كبير في المجتمعات العربية مثل غاز سامّ يعبث بالعقول ويخربها، ويجعل الذين يرغبون بالقراءة نوعًا ما، يبنون حواجز عظيمة بينهم وبين أعظم قنوات التواصل بين البشر، وهي: القصة أو الرواية؛ إذ أن هناك شريحة كبيرة في المجتمع تنظر إلى قارئي الروايات والقصص نظرة دونية، وتنكر عليهم تضييع أوقاتهم، رغم أن أكثر الكتب قراءة في العالم هي الروايات.

الروايات التي هي ليست إلا قصصًا طويلة وكثيرة التفاصيل، وتحتوى على بشر وأناس مثلنا، نرى أنفسنا وذواتنا المهملة فيهم ونحاول تجربة نتائج أفعالنا من خلالهم، وتعتبر بالفعل أفضل عيادة ومركز صحي للعلاج النفسي؛ ذلك أن الإنسان باستطاعته من خلال الإحساس بما يحس الآخرون به، ودون أن يكون قد جرب فعلاً ما مروا به، أن يفهم أفعال الآخرين والشعور بها.

إن قراءة الروايات قادر على تعزيز الفكر التحليلي كذلك، وتجعل بإمكان قارئها أن يدرك الأشياء بمنظور أفضل، كما أنها تعزز مقدرة الناس على تفهم وقراءة أحاسيس الآخرين وعواطفهم وما يختلج داخل نفوسهم المضطربة المتعبة.

هناك كتاب صالح لجميع القراء:

تشيع مقولة على لسان أحد الكتّاب هو” الكاتب إدموند ويلسون ” يقول فيها: “لا يوجد اثنان يقرآن الكتاب نفسه”، فحين نقرأ نُسقط تلك الكينونة على محتوى الكتاب ونخرج بناتج جديد من المعنى الذي لا يمكن أن يتطابق أو يتشابه مع أي قارئ آخر؛ لذلك عندما يقوم شخص بالتعبير عن تجربته مع كتاب ما، فهذا لا يعني بالضرورة أن الكتاب يصلح لك فقط، في بعض الأحيان يكون سعينا للحصول على الكتاب الذي يفضله الجميع يُعدّ مضيعة للوقت؛ وذلك لأننا نكتشف بعد مدة أنه لا يخدم أهدافنا الشخصية أو حاجاتنا في هذا الوقت؛ لذلك وجب علينا أن نقرأ ما نحب وما نحتاج، وذلك هو الهدف السامي للقراءة، ولا يجب علينا التأثر بآراء الآخرين حول قراءتنا لكتاب معين، فنحن فقط الوحيدون الذين نعرف احتياجاتنا وأولوياتنا؛ إذن فليس هناك كتاب يصلح للجميع، ولكن هناك كتاب مناسب للشخص المناسب في الوقت المناسب.


شارك المقالة: