عندما نريد التحدث عن تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، فإن أول ما نتحدث عنه، هو الإمبراطورية الرومانية، وذلك عن طريق استعراض أحوال الإمبراطورية الرومانية في أقصى مراحل قوتها وعظمتها، وليس هذا أن تاريخ أوروبا بدأ في القرون الوسطى، في الحضارة الأوروبية في العصور الوسطى، عبارة عن مزيج من الحضارة البربرية والحضارة الرومانية.
أهم المعلومات عن الحضارة الرومانية:
في الواقع إن الإمبراطورية الرومانية أفضل وحدة سياسية وحضارية عرفها التاريخ، حيث لم يقدر لأي إمبراطورية في التاريخ البشري القديم والحديث، أن تبلغ ما بلغته الإمبراطورية الرومانية من قوة واتساع؛ وذلك لأن الإمبراطورية الرومانية ضمَّت بين حدودها جميع مراكز الحضارات القديمة، باستثناء بلاد الفُرس والهند، وقد بلغت الإمبراطورية الرومانية اتساعها في عهد الإمبراطور تراجان، وذلك في عام 117 ميلادي.
وقد امتدت الإمبراطورية الرومانية عندئذ من المحيط الأطلسي غرباً حتى الفرات شرقاً، فشملت في الغرب البلاد المعروفة بأسماء، بريطانيا، غاليا، أيبريا، إيطاليا، إليريا، فضلاً عن شمال أفريقية من المحيط الأطلسي حتى الأطلس، في حين شمل الجزء الشرقي من الإمبراطورية والبلقان وآسيا الصغرى وأعالي بلاد النهرين فضلاً عن الشام ومصر وبرقة، هذا مع ملاحظة أن نفوذ روما يمتد بعيداً إلى ما وراء حدودها السياسية، حتى بلغ الفُرس والهند، وتطرق إلى النوبة والسودان، وكما نفذ إلى جوف الصحراء الكبرى عبر جبال الأطلس.
كما بلغ الشعوب الجرمانية الضاربة في مجاهل أوروبا، شرقي الراين وشمالي الدانوب، وترجع عظمة الإمبراطورية الرومانية، إلى أن السلطة المركزية فيها استطاعت أن تحكم سيطرنها على هذه المساحات الجغرافية الممتدة الأطراف، وعلى تلك الشعوب والأمم المتابع والأصول والحضارات، وقد تطلب ذلك الأمر من الحكومة الرومانية، بإصدار قوانين وتشريعات تناسب ذلك العدد الكبير من الشعوب، التي اختلفت بعضها عن بعض في تراثها التاريخي وحضارتها ولغتها ودياناتها، وليس هذه وحده هو سبب عظمة الإمبراطورية الرومانية.
وانما تعود عظمة الإمبراطورية الرومانية في استيعابها شعوب عريقة ذات حضارات قديمة المصريين واليونانيين، جنباً إلى جنب مع شعوب آخرى حديثة المولد، والتي كانت ما زالت في فجر تاريخها، مثل الرومان والغاليين، وكما نلاحظ أن امتداد الإمبراطورية الرومانية على شواطئ البحر المتوسط، جعل من هذا البحر شرياناً رئيسياً، يربط بين مختلف أجزائها، وقد ساعدت الأنهار الداخلية على الربط بين أطراف الولايات.
هذا فضلاً عن الطرق المعبدة التي اشتهرت بها الحضارة الرومانية، والتي أقاموا منها شبكة واسعة مترامية، ليس لها نظير في التاريخ، وقد كانت الإمبرلاطورية الرومانية في أزهى عصورها، وتلك الفترة الواقعة بين قيام أوغسطس عام 27 قبل الميلاد، ووفاة ماركوس عام 180 ميلادي، والتي تمثل بناء اجتماعياً سليماً مترابط البنيان، وذلك أنها كانت في نظر الطبقات العليا، تُعبّر عن نظام إداري امتاز بالكفاية والدقة، في حين اعتقدت الطبقات الدنيا أن الحكومة الرومانية تقوم بحماية الممتلكات والأرواح في ظل قانون غير عادل، دون محاولتها التدخل في حياة الناس اليومية.
أما عن طابع الحكومة الرومانية في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، أي خلال فترة الإصلاحات العظيمة التي أدخلها الإمبراطور دقلديانوس في أواخر القرن الثالث، فقد كانت تلك الحكومات ملكية، مع احتفاظها بكثير من مظاهر العصر الجمهوري السابق، ويمكننا القول أنها بقيت جمهورية مع ظهور رأس للدولة والجيش الروماني، الذي بقي يتمتع بمنصبه طوال حياته، وهكذا بقي السناتو يباشر سلطاته الواسعة، وبقيت المناصب العليا في الدولة، في أيدي الأستقراطية من كبار ملاك الأراضي.
كما بقي المواطنزن الرومان يمثلون طبقة ممتازة، وأن فقدوا كثيراً من أهميتها السياسية، وقد يعتقد البعض أن الحكومة كانت جكومة عسكرية بحته أو استبدادية مطلقة، هي لم تكن ملكية دستورية، ولكنها تميزت وخصوصاً في الفرن الأول من الإمبراطورية بسيادة العرف والتقاليد والقانون، كما تمسكت بكثير من مظاهر العصر الجمهوري؛ ممّا أكسب الحكومة الرومانية، وقتها مظهراً دستورياً واضحاً.
وفي الواقع أن النظام السياسي، الذي وضعه أغسطس في عام 27 قبل الميلاد، يعتبر حلاً وسيطاً بين النظامين الملكي والاستبدادي والجمهوري الدستوري، وذلك أنه كان أمام أوغسطس أن يختار نظامين للحكم، الأول وهو نظام قيصر، والذي قام على أساس حكم عسكري، اعترف فيه جميع الناس، سواءً في إيطاليا أو الولايات، بالطاعة العمياء لسيدهم الأعلى، والثاني كان نظام الحكم الجمهوري، الذي يقر أهمية المواطنين في إيطاليا والولايات، إلى جانب الاعتراف بسلطة القوات المسلحة في الدولة، وحينها قام اغسطس بالتوفيق بين النظامين.