أبرز الحركات الثورية في عهد المعتصم:
1- مات المأمون وما زال أمر بابك الخرمي قوي جداً، وقد ارتبط عدد من سُكان الجبال مذاهب الخرمية في السنة التي مات فيها المأمون، فبعث إليهم المعتصم جيشاً كيراً برئاسة إسحاق بن إبراهيم فانتصر عليهم. ثم سيّر إليهم عام (220 هجري)، جيشاً آخر بإمرة أبي سعيد محمد بن يوسف فأحرز نصراً آخر على هؤلاء الخرمية، وجهّز جيشاً أيضاً بإمرة حيدر بن كاوس الأشروسني وهو المعروف بالإفشين، والإفشين لقب أُمراء أشروسنة قبل الإسلام.
وزود الإفشين بطاقةٍ كبيرةٍ أيضاً بقيادة بُغا الكبير. تعرّف الإفشين قبل قتاله الخرّمية على مناطقهم وطريقتهم في الحروب التي غالباً ما كانت ليلاً وعلى شكل غاراتٍ سريعةٍ، ونصب كمائن في الفجاج بين المرتفعات. وبقى الإفشين سنتين كاملتين في قتال بابك، وتمكن من دخول مدينة (البذ)، مقر بابك وحصنه المنيع في التاسع من رمضان عام (222 هجري).
وكان الذين يتبعون بابك عندما تحل بهم الهزيمة يلجؤون إلى بلاد الروم فيقيمون في المرتفعات، ويضمّهم الروم إلى جنودهم الذين يرسلون لقتال المسلمين. وعندما حوصر بابك في (البذ) أرسل إلى تيوفيل بن ميخائيل ملك الروم يحثّه على مُهاجمة المسلمين، ويُشجعه بأن الخليفة لم يبقَ لديه من الجند ما يكفي لحراسته إذ بغث بكل ما لديه إلى القتال في أذربيجان ضد الخرّمية.
وقد هذا ما جعل من تيوفيل إلى الاعتداء على المسلمين. وفرَّ بابك من (البذ) غير أن الإفشين قد تمكن من الإمساك به، وإرساله إلى سامراء مع بعض أتباعه ووصل إلى سامراء عام (223 هجري)، فقتل بابك ومن حمل معه من الأسرى. وهكذا انتهت حركة بابك الخرمي بعد أن أقضت مضاجع المسلمين مده تزيد على عشرين سنة.
2- في عام (219 هجري)، خرج في الطالقان محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويدعو إلى الرضا من آل محمد، فانتصر عليه عبد الله بن طاهر ففرَّ مختفياً، فلمًا كان بـ (نسا) دُلَّ عليه فأُخذ إلى عبد الله بن طاهر فسيّره إلى المعتصم، فسجنه فلما كانت ليلة عيد الفطر هرب من السجن، واختفى عن أعين الدولة.
3- وعاث الزطّ الفساد في منطقة البصرة فأرسل إليهم المعتصم قوةً بإمرة عجيف بن عنبسة فغلبهم، وبقي في مُلاحقتهم وتتبع أفرادهم ما يقرب من تسعة أشهر، وقد أرهبهم إذ كان يقتل كل من يستطيع القبض عليه.
4- أظهر (مازيار بن قارن) الإختلافات مع المعتصم في منطقة طبرستان، وقد كان مازيار على خلافٍ مع عبد الله بن طاهر، ويبدو أن الأفشين قد شجّع مازيار إذ كان يطمع في ولاية خراسان، فوجه عبد الله بن طاهر جيشاً لقتال مازيار عن أمر المعتصم، كما بعث المعتصم جيشاً من بغداد لقتاله فلما أحدقت الجيوش بمازيار طلب الأمان فأُعطيه.
5- وفي عام (224 هجري)، أظهر الخلاف منكجور الأشروسني، وكان الإفشين قد ولّاه أذربيجان بعد الانتهاء من قتال بابك الخرمي، فأصاب على مالٍ عظيم من قرى الخرّمية، فأخذه لنفسه، ولم يُعلم الإفشين، ولا الخليفة، فأخبر عنه بعض الشهود، فأنكر منكجور وهم بقتل المُخبر الشاهد الذي التجأ إلى أردبيل واستغاث بأهلها فمنعوه، ووصل الخبر إلى المعتصم فطلب من الإفشين أن يعزله، فوجّه إليه الإفشين قوةً كبيرةً فلما علم منكجور خلع الطاعة، وجمع حوله الصعاليك، واعتصم بالحصون، ولم يلبث سوى شهر حتى وثب عليه أصحابه، وسلموه لجيش الإفشين فحُمل إلى سامراء.
6- وخرج في فلسطين عام (227 هجري)، أبو حرب المبرقع اليماني وذلك بسبب قتله جندي اعتدى على داره فهرب عندما طلبه الخليفة، ولجأ إلى بعض جبال الأردن، ووضع على وجهه برقعاً كي لا يعرف وادّعى أنه من بني أمية عندما كثر أتباعه أرسل له المعتصم، وكان عليلاً في علّة المرض الذي مات فيه رجاء بن أيوب فوجده كثير الرجال فتركه حتى وقت الزرع إذ تركه رجاله وانصرفوا إلى أعمالهم، فنازله وتمكّن من أسّره وحمله إلى سامراء.
الحركات الثورية مع الروم في عهد المعتصم:
لمّا أجبر بابك تيوفيل بن ميخائيل ملك الروم على الحرب على المسلمين، وأن جندهم جميعهم في أذربيجان طمع تيوفيل في بلاد المسلمين فذهب بعدد ما يُقارب مائة ألف جندي، وذهب معه الخرّمية الذين لجؤوا إلى بلاده، واتجه إلى حصن (زبطرة)، فخرّب البلد، وسبى النساء، وقتل الذراري، وأخذ الأسرى ومثّل بكل من وقع في يده.
ولما انتهى من (زبطرة)، فقد ذهب إلى ملاطية فهجم على أهلها، وعلى حصون المسلمين، وقد وصلت الأخبار إلى المعتصم فأعلن النفير، وذهب على رأس الجيش، وخيم في غرب نهر دجلة. وبعث عجيف بن عنبسة وعمراً الفرغاني نجدةً لأهل زبطرة فوجدا أن الروم قد ارتحلوا عنها بعد أن فعلوا بأهلها ما فعلوا.
ولمّا انهى المعتصم من أمر بابك ذهب إلى بلاد الروم، وسأل عن أقوى الحصون فقيل له عمورية ولم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها عين النصرانية، وأشرف عندهم من القسطنطينية. وأقام هو على نهر سيحان، وأمر الإفشين أن يدخل بلاد الروم عن طريق (الحدث)، كما أمر (أشناس)، أن يدخل بلاد الروم عن طريق طرسوس، وحدد لهما يوماً يلتقيان فيه عند أنقرة.
ودخل المسلمون أنقرة، وذهبوا بعدها إلى منطقة عمورية، وكان المعتصم في القلب، والإفشين في الميمنة، وأشناس في الميسرة، وأرهبوا السُكان فيما بين أنقرة وعمورية والمسافة بينهما سبع مراحل (140 كيلو متر)، ووصل المعتصم إلى عمورية في السادس من رمضان عام (223 هجري).
وقاموا المسلمون بمُحاصرة المدينة، وتمكنوا من إحداث ثُغرة في سورها، دُلّوا على مكانها، كان السيل قد هدمها، ورُفعت بشكل سريع على حجر واحدٍ سُمكاً، فدّكها ودخلوا المدينة، وكان لهذا الفتح أثر عظيم بما قوّى من معنويات المسلمين، وما أضعف من معنويات الروم.