الخليفة أبو جعفر عبدالله المأمون

اقرأ في هذا المقال


الخليفة أبو جعفر عبدالله المأمون:

التعريف بالمأمون: هو عبد الله المأمون بن هارون الرشيد القرشي الهاشمي، أبو جعفر أمير المؤمنين، ووالدتهُ أم ولد يُقال لها مراجل الباذغيسية. ولد عام (170 هجري/786 ميلادي) ولاّه والده العهد وهو في سن الثالثة عشرة من عمره. بويع له بالخلافة في عام (198 هجري)/( 813 ميلادي)، وكان بالري وقدم بغداد في عام (204 هجري)/(819 ميلادي).

كان يملك المأمون صفات تميز بها عن جميع الخلفاء العباسيين منها ميله إلى العفو وكراهيته للانتقام، وكرمه الذي فاق كرم كافة الخلفاء العباسيين، وقوة حجة الإقناع لديه. كان حاضر البديهة، سريع الجواب. أديباً يعرف جيد الشعر من رديئه. ويحب سماع الغناء.

الأوضاع الداخلية في عهد المأمون:

الأوضاع في بغداد في بداية عهد المأمون:

أراد الفضل بن سهل أن يقطف ثمار انتصاره، فلم يكد نبأ قتل الأمين يصل إلى مرو حتى نصح الخليفة بإحداث تغييرات في الإدارة تتماشى مع الوضع الجديد. وقد هدف إلى إبعاد القائدين طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين عن العراق، للتفرد بِحُكمه. استجاب المأمون لنصيحة وزيره، فعزل طاهر بن الحسين عن العراق وعيّن أخاه، الحسن بن سهل عليه، كما أرسل هرثمة بن أعين إلى خراسان، وقد أذّى ابتعاد هذين القائدين عن العراق إلى انتشار الاضطرابات فيها.

ومن جهته، فقد أراد الخليفة أن يُكافىء وزيره، فخلع عليه لقباً جديداً هو (ذو الرئاستين) أي رئاسة السيف ورئاسة القلم، وهذه خاصية تدل على مدى النفوذ الواسع الذي وصل إليه هذا الرجل الفارسي. وإلى جانب هذه الخاصية، تمتع الفضل بخاصية الإمرة، وهو أول وزير لقّب وأول وزير اجتمع له اللقب والتأمير وكان يقال له (الوزير الأمير). وفوّض إليه أيضاً إدارة شؤون الدولة.

أدّى هذه التصرفات، من جهة المأمون. غضب الوحدات العربية، وزعل بني هاشم ووجوه الناس، فنشبت الفتن في بغداد، وبايع سكانها المنصور بن المهدي عم المأمون، وقد رفض قبول البيعة له بالخلافة، وإن كان قد وافق على أن يلي أمر بغداد باسم المأمون.

ومما ساعد على تأجيج الوضع. ضجر الناس من هذا النزاع وما أفرزه، حتى تمنوا الخلاص. ومما زاد الأمر تعقيداً وخطورة كف يد طاهر القوية عن العراق، وضعف حكم الحسن بن سهل وميل المأمون إلى الطالبيين، وقد ظهر ذلك بصورة فجائية ولأول مرة وتمثل في البيعة لعلي الرضا.

وهكذا نشبت الحرب الأهلية في بغداد، فتوقفت أعمال الحكم والإدارة، وتعرضت قرى جنوبي العراق لنهب المرتزقة. وغدت الأوضاع في بغداد من النوع الذي لا يطاق، بعد أن امتلأت الشوارع باللصوص. نشبت هذه الاضطرابات على إدارة المأمون وهو بمرو لا يصل إليه شيء من أخبار بغداد، وقد حجبه الفضل بن سهل وكتم الأمر عنه.

البيعة لعلي الرضا:

حدث أثناء إقامة المأمون فى مرو، أنه كان يمال إلى الطالبيين، ولبس ثيابهم الخضراء؛ وشعارهم وطرح السواد شعار العباسيين، وصاهر علي بن موسى بن جعفر الصادق، وهو الإمام الثامن من أئمة الإمامية الاثني عشرية، ثم ولاّه عهده في شهر رمضان عام (‎201‏ هجري) شهر نيسان في عام (817 ميلادي) وسماه الرضا، إذ كان رضياً عند أمير المؤمنين.

لكن هذه البيعة لم تمر دون أن تخلف أثراً، لذلك فهي تحتاج إلى قراءة مُتأنية، ووقفة تأمل لسبر دوافعها ونتائجها. أما من حيث الدوافع، فلا بد لنا من العودة قليلاً إلى الوراء لدخول مجالس
القصر في عهد الرشيد، ونشهد المناقشات الفكرية والسياسية لأهل الكلام من معتزلة، التي كانت تُعقد بتشجيع من البرامكة؛ وكانت الخلافة أحد أبرز مواضيعها.

وقد حصل تقارب بين المذاهب، كالمعتزلي، نتيجة نظرتهما المشتركة من موضوع الخلافة. فيرى أكثر علماء المعتزلة بأحقية علي بن أبي طالب بالخلافة، وهذا هو رأيهم. وقد نشأ المأمون في ظل هذه المناقشات الفكرية، وتأثر بمضامينها، لذلك تبنّى آراء المعتزلة، خاصة في موضوعي الخلافة وخلق القرآن. ونُلاحظ أن الشهود الذين وقّعوا على وثيقة العهد لعلي الرضا كانوا من المعتزلة المعروفين بميولهم كما وقعَّها كبار المعتزلة.

إلى جانب هذه الظاهرة، فقد تعلم المأمون في ظروف فارسية بسبب هوية والدته الفارسية، تؤمن بأحقية علي بن أبي طالب وأولاده من بعده بالخلافة، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بخراسان. وتأثر المأمون بالظروف السياسية التي عاشها أثناء نزاعه مع أخيه الأمين، خاصة إذا علمنا أن هذا النزاع اصطبغ بالصبغة العنصرية، وأن الفضل بن سهل الذي مثّل التطلعات الفارسية، وقف بشدة وراءه حتى ضمن له النصر. لذلك، لم يجد المأمون بداً من إرضاء مشاعر الفرس الذين كانوا يُقدّرون آل علي بن أبي طالب ويعطفون عليهم.

فعاهد الله أن يخرج الخلافة إلى أفضل آل علي إن ظفر بأخيه. وفعلاً أدّى انتصاره إلى أن يبرَّ بوعده، فعين علياً الرضا خلفاً له، بمشورة الفضل بن سهل. ويبدو أنه كان مضطراً لتنفيذ خطته مراعاة لخواطر الخراسانيين، نلاحظ ذلك من خلال محاورته مع علي الرضا، فقد هدَّده حين امتنع عن القبول قائلاً: (لا‏ بد من قبولك ما أريد، فإني لا أجد محيصاًعنه . . .).

وأما من حيث آخر الأحداث، فكان أبرزها انتقال الدولة الإسلامية هو انتقال البيت العباسي وكانت ردة فعلهم عنيفة فى بغداد وبعض الأمصار التي جاءت سلبية تجاه هذا الحدث. حيثُ بايع أهل محلة الحربية في بغداد، إبراهيم بن المهدي. والملفت للنظر أن الفضل بن سهل قد كتم عن المأمون أحداث بغداد حتى أخبره علي الرضا بذلك.

أما في منطقة الأمصار، فقد كذب وزير البصرة إسماعيل بن جعفر بن سليمان ابن علي تصرفات الخليفة واعتبرها خارج نطاق الأسرة العباسية، فقد تسبب من منعه لبس الخضرة فاستجاب المأمون وقام بخلعه. وبايع أهل مكة علي الرضا، ولم يُبدِ أهل المدينة أية معارضة عندما أرسل الخليفة نص البيعة ليقرأ عليه.

أحداث العودة إلى بغداد:

أدرك المأمون، بعد أن شهد علي الرضا على الأوضاع المزمنة في أنحاء الدولة، أن لا فائدة من البقاء في مرو، وأن بغداد لا تستطيع أن تُحكم بدون خليفة، وشعر بالإضافة إلى خطر الاضطرابات التي نشبت في مصر والجزيرة، بخطر حرب أهلية جديدة بين أفراد الأسرة العباسية، وأن سياسة الفضل بن سهل سوف تؤدي إلى ضياع ملكه، كما بدأت تظهر في الشمال حركات مذهبية قائمة على تعاليم أبي مسلم والمقنعة، انتشرت في أذربيجان بفعل ظهور بابك الخرّمي الذي استقطب الكثير من الأتباع، وأخذت حركته تتسع ونفوذه يتعاظم حتى راح يهدد الأطراف الإسلامية.

وأكّد له قادته ما قاله الرضا وأشاروا عليه أن يسير على عجل إلى بغداد ليستدرك أمره وإلا خرجت الخلافة من يده، فقرر العودة إلى بغداد، واتجه إليها في عام (202 هجري/‏(817 ميلادي). وتمثل هذه العودة إلى العاصمة المركزية تغييراً جوهرياً في مسار دولة الخلافة العباسية، وهذا يعني زوال الصبغة الفارسية التي اصطبغت بها طوال الفترة التي قضاها المأمون في مرو، والعودة إلى الأصول العربية التي تمثلها بغداد حاضرة آبائه، وهذاما
أزعج الفضل بن سهل، لأنها تحمل في طياتها ضياع نفوذه وسلطانه.

ويبدو أن المأمون شعر بعدم رضى وزيره عن هذا التغيير المزمع إحدائه وأنه سوف يشكل عائقاً أمامه حين يقدم على مصالحة أسرته وأهل بغداد، يضاف إلى ذلك، فقد رأى المأمون من خلال تصرفات وزيره، أنه يخطط لكي يسيطر سيطرة تامة على الدولة العباسية من داخلها، وتوضحت له جوانب السياسة التى كان ينتهجها، والتي تثبت انحرافه، وتشكل تناقضاً كاملاً مع المصالح العُليا للدولة العباسية، لذلك أضحى التخلص منه ضرورة سياسية.

ولم يكد المأمون يبدأ رحلته إلى بغداد، وما إن وصل إلى مدينة سرخس حتى دبّر مقتل الفضل بن سهل في شهر شعبان عام (‎202‏ هجري)/ شهر شباط (818 ميلادي) ثم استأنف رحلة العودة إلى بغداد. ولما وصل إلى طوس توفي علي الرضا فجأة في أوائل عام (203‏ هجري)/ (818 ميلادي)، فدفنه المأمون فيها بجوار قبر والده الرشيد. وقد اختلف المؤرخون فى الكيفية التي مات عليها، وتتهم المأمون بأنه سمه في عنب. وأطلقوا على مدينة طوس اسم (مشهد). وكانت وفاة هذين الرجلين من أهم الأسباب التي حملت الناس على كراهية المأمون.

ثم أن قد واصل المأمون سفره لوصله إلى همذان، ولم يكد يقترب من بغداد حتى سارع أهلها إلى خلع إبراهيم بن المهدي وبايعوا ولاية المأمون، وذلك في السابع عشر من شهر ذي الحجة عام (‎203‏ هجري) شهر حزيران عام (‎819‏ ميلادي)، ودخل المأمون بغداد يوم السبت لأربع عشر بقين من شهر صفر عام (204 هجري) شهر آب عام (819 ميلادي)، وكان
لايزال، هو وجميع من معه يرتدون الملابس الخضراء ويحملون الرايات الخضراء، فانهالت الاحتجاجات من بني هاشم وأنصارهم حتى وجد نفسه مضطراً بعد أسبوع واحد، للعودة إلى لبس السواد، بعد أن أدرك عُمق المشاعر التي يكنّها بنو العباس تجاه الطالبيين.


شارك المقالة: