الخليفة أبو جعفر هارون الرشيد:
التعريف بالرشيد: هو هارون الرشيد ابن المهدي،أمير المؤمنين، القرشي الهاشمي أبو جعفر
وأمه الخيزران، أم ولد. بويع له بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي في شهر ربيع الأول عام (170 هجري) شهر أيلول عام 786 ميلادي)، بعهد من أبيه المهدي وعمره خمسة وعشرين
عاماً.
ظهرت عليه ملامح النجابة وصفات والذكاء مُنذ صغره ولما أصبح شاباً همّ والده أن إلى أن يرشحه للخلافة من بعده مباشرة، وشجعته الخيزران على ذلك لأنها كانت تؤثره على أخيه الهادي. يُعتبر الرشيد من أوسع الخلفاء العباسيين شهرة، وقد تجاوزت شهرته الشرق، ووصلت إلى الغرب حيث تناولها المجتمع الغربي بالتحليل والدراسة، وحاول بعض ملوك أوروبا التقرب منه واكتساب مودته.
لقد اندمجت في حياته حقائق التاريخ بخيال القصص، واتصف بمجموعة من الصفات الشديدة الاختلاف والتي قلَّما تجتمع في شخص واحد. فهو سياسي بارع، فيه حزم المنصور وعنفه وأساليبه مع مرونة واضحة وسخاء بالمال لاصطفاء الناس، شديد الاهتمام بشؤون الرعية، يطوف في الأسواق ويغشى المجالس، متنكراً ليقف على أحوال الناس، شديد الاحساس، حاد المزاج، سريع التأثر، يثور غضباً، ويفرط في الانتقام، وقد ترق عواطفه فيبكي، ويظهر رحمة متناهية، وعطفاً كبيراً.
كان الرشيد متديناً، ورعاً، محافظاً على التكاليف الشرعية، متمسكاً بنصوص الكتاب والسنة، كان يحج إن لم يغزُ، فهو بين حج وغزو طيلة حياته، يصلي في اليوم مائة ركعة، وحج ماشياً ولم يحج ماشياً خليفة غيره، ولم يهمل الحياة العائلية. يحب الشعر والأدب والفقه، قرَّب الشعراء والمغنين والأدباء والفقهاء وأكرمهم وشجع حركة التعريب، ويبدو أنه كان ذا ملكة شعرية وأدبية، يكره المِراء في الدين واتسمت جلساته الليلية بالمناقشات الفكرية الرفيعة.
والواقع أن هذه الصور المتباينة للرشيد كانت انعكاساً للعصر الذي عاش فيه ولتربيته التي تربى عليها ولطبيعته النفسية. فقد كان عصره، عصر بذخ وإمعان في الحضارة بما توفر من موارد وأموال وتقدم علمي وفلسفي. وتربى في بيئة مترفة، ونشأ نشأة جهادية وقيادية.
يُعتبر عصر هارون الرشيد، العصر الذهبي لدولة الخلافة العباسية. فقد بلغت في عهده درجة لم تصل إليها من قبل، فأصبحت مركز التجارة العالمية، وكعبة رجال العلم والأدب. أما شخصيته فتمثل تاريخ عصر أكثر مما تمثل تاريخ إنسان.