الخليفة أبو عبدالله محمد المهدي

اقرأ في هذا المقال


الخليفة أبو عبدالله محمد المهدي:

التعريف بالمهدي: هو محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو عبد الله
المهدي. ولِدَ بالحميمة من أرض الشراة في عام (126 هجري)/(744 ميلادي) وأمه أروى بنت منصور الحميرية.

نشأ في بيت الخلافة وعني المنصور بتثقيفه، فعهد به إلى المفضل الضبّي فمال إلى العلم والأدب. ولمّا بلغ الخامسة عشرة من عمره وركز كل اهتمامه بإعداده لمنصب الخلافة بتدريبه على الحرب والإدارة، فأرسله في عدة مهمات عسكرية، كما عينه في عدد من المناصب الإدارية وعينه في عام (147 هجري)/(764 ميلادي) ولياً لعهده.

تزوج المهدي من ريطة بنت السفاح. اتصف بالكرم واللين والفطنة (لا يدخله غفلة عند مخوفة ولا يتكل في الأمور على غير ثقة وصولاً لأرحامه، براً بأهله، ليّن الجانب، شديداً على أهل الإلحاد والزندقة، وكان يجلس للمظالم). بويع له بالخلافة بعد وفاة المنصور وكان في الثالثة والثلاثين من عمره.

الأوضاع الداخلية في عهد المهدي:

إصلاحات المهدي: تشكل خلافة المهدي، التي دامت زهاء عشرة أعوام في وقت الذي كان فيه انتقال بين عهد الشدة والاحتيال والقمع والفقر الذي كان في عهد من سبقه من خلفاء بني العباس وعهد الاعتدال واللين الذي امتازت به أيامه وأيام من أتى بعده وكان الناس كما وصفهم المنصور في وصيته لابنه، ثلاثة أصناف: (فقيراً لا يرجو إلا غناك وخائفاً لا يرجو إلا أمنك ومسجوناً لا يرجو الفرج إلا منك،‏ فإذا وُلّيتَ فأ ذقهم طعم الرفاهية، لا تمدد لهم كل المد).

لذلك كان من الضروري أن ينتهج سياسة ليّنة تداوي الجراح والنفوس وتجمع شمل الأمة، وامتاز عهده بالهدوء الداخلي ممّا أفسح المجال للقيام بتنفيذ مشروعات إصلاحية. استهل المهدي خلافته باسترضاء الناس؛ فرد الأموال التي صودرت في عهد أبيه إلى أصحابها، ثم أمر بإطلاق سراح المسجونين السياسيين، وأعاد لهم أرزاقهم وصلاتهم، كما ساعد استيزاره ليعقوب بن داوود على زيادة التفاهم معهم.

وحاول استرضاء أهل الحجاز عندما حج عام (160 هجري)/(777 ميلادي)، وكان المنصور قد عاملهم بشدة بفعل مساندتهم لحركة محمد النفس الزكية، فوزع عليهم أموالاً طائلة وسمح بإعادة الغلال والحبوب الواردة إليهم من الشام ومصر، بعد أن كان المنصور قد قطعها عُقب حركة محمد النفس الزكية، وضم إلى حرسه الخاص عدداً من الجنود الحجازيين، ووسع المسجد الحرام: كما وسع مسجد الرسول في المدينة.

وعمل على اكتساب مودة أهل الشام؛ فزار دمشق وبيت المقدس وحاول تسوية الخلافات القبلية المختلفة في بادية الشام، ووزع عليهم الأموال، وأكرم وفادة أولاد مسلمة بن عبد الملك. وأقام المحطات على طريق مكة وزاد ما كان قد بناه السفاح، وترك منازل المنصور التي بناها على حالها، كما بنى الأحواض التي تُملا من الآبار لسقاية القوافل ووضع عليها الحراس لحمايتها، وأجرى على المجذومين وأهل السجون حتى يمتنعوا عن السؤال ويحولوا دون انتشار الأمراض.

وبنى المدارس والمستشفيات وأقام البريد بين المدينة ومكة واليمن، واهتم بشؤون التجارة فأنشأ شبكة من الطرق التجارية جعلت من بغداد مركزاً تجارياً عالمياً، وغدت الموسيقى والشعر والحكمة والأدب من مميزات هذا العصر. وسن الخليفة سنة كسوة الكعبة بكسوة جديدة كل عام، وحصَّن المُدن خاصة مدينة الرصافة ؛ وعيّن الأمناء في الولايات ليوافوه بأخبار الولاة.

وكان يجلس للمظالم وحرص على إقامة العدل بينهم،‏ وكان يُشرك القُضاة معه عند النظر في
المظالم. وبلغ به الإهتمام بإقامة العدل، أنه اتخذ بيتاً له نافذة من حديد تطرح فيه القصص -عرائض الشكايات- وتجمع بعد ذلك لئلا يبقى مجال للتقديم والتأخير في سماع الظلامات.

والحقيقة أن المهدي بدا، من خلال إصلاحاته وكأنه يبتغي التكفير عن المظالم والقوة التي صبغت عهدي السفاح والمنصور ضد الأمويين وبالرغم من ميله إلى الحياة المترفة، إلا أنه كان يجلُّ الدين إجلالاً كبيراً ويميل إلى اتباع السنة فلا يُخالفها.


شارك المقالة: