اقرأ في هذا المقال
الخليفة الأمين محمد بن هارون:
ولد الخليفة الأمين بالرصافة في شهر شوال من عام (170 هجري)، فهو أصغر من أخيه المأمون بحوالي سبعة أشهر، وبويع له بولاية العهد وهو ابن خمس سنين، وقد لقي الرشيد نقداً من هذه البيعة لفتى صغير، ولكن يبدو أن ضغطاً خضع له من زوجه زبيدة صاحبة الحظوة عنده، فهي ابنة عمه، وصاحبة من ناحية الأب والأم.
سبب البيعة بولاية العهد:
وكانت السرعة في هذه البيعة خوفاً من نزول حادث مفاجئ بالرشيد، ومن منازعة أخيه الأكبر، فإن البيعة وهما صغيران تحل المشكلة. غير أن الرشيد لم يلبث عام (182 هجري)، من أخذ البيعة لابنه المأمون ولياً لعهد أخيه الأمين، ثم أتبعها ببيعةٍ ثالث لابنه الآخر القاسم. وقد أطلق عليه لقب المؤتمن. وقد ولَى كلَّ واحدٍ من أبنائه الثلاثة جهةً إذ ولى المأمون المشرق، وأعطى الأمين المغرب الشامي والمصري، وولّى المؤتمن الجزيرة والثغور.
وعندما شبَّ الأولاد يبدو أن الرشيد كان أميل لبيعة المأمون منه لبيعة الأمين وذلك لِمَا رأى من جدية المأمون وحزمه، وعزمه، وحكمته، على حين كان الأمين أميل للهو، وعدم المبالاة، والدعة. غير أن الرشيد يخضع لمؤثراتٍ أُخرى سواء في بيته أم في أُسرته الذين كانوا أميل للأمين لأسباب أُسرية أو بالأحرى عاطفية.
ويبدو أن الرشيد أراد أن يوثّق بين أبنائه، ويؤكد ما بينهم ولكنه كان في الوقت نفسه يزيد في البُعد بينهم. فلما حجَّ الرشيد عام (186 هجري)، كان معه ولداه محمد الأمين، وعبد الله المأمون، وقوادهن وقضاته، ووزراؤه، أما ابنه الثالث القاسم المؤتمن فقد أرسله إلى منبج ومن ضمّ إليه من القواد والجند. فلما قضى الرشيد مناسكه كتب لعبد الله المأمون ابنه كتابين.
الأحداث التي جرت على مُبايعة في مكة:
أجهد الفقهاء والقضاة آراءهم فيهما، أحدهما على محمد بما اشترط عليه من الوفاء بما فيه من تسليم ما ولي عبد الله من أعمال، وصيّر إليه من الضياع والغلات والجواهر والأموال، والآخر نسخة البيعة التي أخذها على الخاصة والعامة والشروط لعبد الله على محمد وعليهم، وجعل الكتابين في البيت الحرام بعد أخذه البيعة على محمد، وإشهاده عليه بها الله، وملائكته، ومن كان في الكعبة معه من سائر ولده وأهل بيته ومواليه وقواده ووزرائه وكُتّابه وغيرهم.
وكانت الشهادات بالمُبايعة والكتاب كان في المسجد الحرام، وسار إلى الحجبة في حمايتهما، ومنع من أراد إخراجهما والذهاب بهما، فذكر عبد الله بن محمد، ومحمد بن يزيد التميميّ، وإبراهيم الحجبي، أنَّ الرشيد حضر وأحضر وجوه بني هاشم والقوّاد والفقهاء، وأُدخلوا البيت الحرام، وأمر بقراءة الكتاب على عبد الله ومحمد، وأشهد عليهما جماعة من حضر. ثم رأى أن يُعلّق الكتاب في الكعبة، فلما رُفع ليُعلق وقع، فقيل: إن هذا الأمر سريع انتقاضه قبل تمامه.
فلما انتهى أمير المؤمنين من ذلك كله في أجواء المسجد الحرام وبطن الكعبة، فأعطى أوامر قُضاته الذين شهدوا عليهما، وحضروا كتابهما، أن يُعلموا جميع من حضر الموسم من الحاجّ والعمّار ووفود الأمصار ما شهدوا عليه من شرطهما وكتابهما، وقراءة ذلك عليهم ليفهموه ويعوه، ويعرفوه ويحفظوه، ويؤدوه إلى إخوانهم وأهل بُلّدانهم وأمصارهم، ففعلوا ذلك.
وقرأ عليهم الشرطان جميعاً في المسجد الحرام، فانصرفوا. وقد تميز ذلك عندهم، وثبتوا الشهادة عليه، وعرفوا نظر أمير المؤمنين وعنايته بصلاحهم وحقن دمائهم، ولمَّ شعثهم وإطفاء جمرة أعداء الله، أعداء دينه وكتابه وجماعة المسلمين عنهم. وأظهروا الدعاء لأمير المؤمنين والشكر لما كان منه في ذلك. كما كتب الرشيد بذلك إلى عماله.