تاريخ الأنثروبولوجيا الفلسفية

اقرأ في هذا المقال


تاريخ الأنثروبولوجيا الفلسفية:

يرى بعض الباحثين أن الأنثروبولوجيا الفلسفية كانت المجال الذي وضع تفسيراً لطبيعة البشر، وبتالي كانت تقدم فهماً لكل شيء غالباً في فروع المعرفة على أساس إنها فرع من فروع تخصص الفلسفة، لذلك نمت دراسة الأنثروبولوجيا الفلسفية من الأدبيات الفلسفية، ومع ذلك لا  يمكن القول أن الأنثروبولوجيا هي المكان الوحيد الذي تم فيه العمل الأساسي للفلسفة.

ولأنها تعتبر فرعًا من فروع تخصص الفلسفة فقد ساعدت بدلاً من ذلك بنوع من مراجعة الآثار المتعلقة بالطبيعة البشرية للنظريات الأكثر مركزية من جانب الفلسفة، ويمكن أن تكون قد أدخلت كمية كبيرًة من المواد التجريبية التي من الممكن الآن أن تكون تنتمي إلى تخصص علم النفس، ولأن فرع الدراسة كان فرعاً من مجال الفلسفة، فلا يوجد أهمية لأن لوصفه بطريقة صريحة.

وتطور مجال الأنثروبولوجيا كتخصص من العلوم الاجتماعية التي ركزت على دراسة التاريخ البيولوجي والتاريخ التطوري للإنسان أي الأنثروبولوجيا الفيزيائية، وكذلك الثقافة والمجتمع الذان ميزوا الإنسان عن مختلف أنواع الحيوانية الآخرى أي مجال الأنثروبولوجيا الثقافية، وفي دراسة علماء الأنثروبولوجيا للمنظمات والممارسات الاجتماعية والثقافية اهتم بعض من علماء الأنثروبولوجيا بالعادة على المناطق التي تعتبر أقل تطور وهو ما يجعل الأنثروبولوجيا تختلف عن علم الاجتماع.

وعلى الأقل في العالم الذي يتحدث باللغة الإنجليزية، عندما يتم بلورة الأنثروبولوجيا بمفاهيم معاصرة، فقد يقع الفكر الفلسفي في محور اختصاصه فقط كعنصر في ثقافة مجتمع ما قيد الدراسة، ألا إنه من غير المرجح أن يكون له أي دور يلعبه في عمل الأنثروبولوجيا أو في الطريق، ويتم تخيل الطبيعة البشرية لأغراض هذا المجال ولوضع الأمر بشكل مختلف إلى حد معين.

ويُنظر إلى الأنثروبولوجيا الآن على أنها تخصص علمي تجريبي، وعلى هذا النحو فإنها تضعف من أهمية الفرضيات الفلسفية للطبيعة البشرية، والنتيجه هنا هو أن الأنثروبولوجيا الفلسفية مقابل الأنثروبولوجيا التجريبية ستكون بالتأكيد أنثروبولوجيا غير جيدة، وتعكس هذه الآراء مفهومًا إيجابيًا للمعرفة العلمية والحكم السلبي للفلسفة الذي يتماشى معها عادةً، ووفقًا لهذا الرأي فإن الفلسفة مثلها مثل الدين تنتمي إلى فترة ما من تاريخ الفكر.

مساهمة علماء الأنثروبولوجيا في تاريخ الأنثروبولوجيا الفلسفية:

ودخل كليفورد غيرتز في تاريخ الأنثروبولوجيا الفلسفية من خلال عمله في تفسير الثقافات عام 1973، حيث قدم المفهوم التفسيري للثقافة السيميائية، ويؤكد أن الواقع الإنساني يتم التوسط فيه حتماً من خلال الرموز الثقافية والأشكال العامة التي يمكن الوصول إليها اجتماعيًا، والتقليدية المحتملة فيما يتعلق بالسياق التاريخي والمحلي، والرمز كما يفهمه كليفورد غيرتز، هو أي كائن أو فعل أو حدث يعمل على نقل الأفكار أو المعاني، والفئة الأكثر أهمية من الأشكال المتنوعة للرموز هي اللغة التي تعمل على تنظيم وتصنيف الواقع البشري.

والأنظمة الرمزية وفقًا لكليفورد غيرتز، هي بشكل خاص مصادر معلومات خارجية، حيث يتم تفسير الثقافة على أنها نظام إشارة فريد وشبكة من الرموز والمعاني الثقافية التي تشمل حتماً البشر المتأثرين في سلوكهم وعملهم من خلال الثقافة، ويشاركون التعبير الثقافي في عملية التفاعل الاجتماعي، فالإنسان حيوان مقيد بمعاني خلقها بنفسه، ويعتبر الثقافة كشبكة أو فخ أو سلاسل، وتحليل الثقافة ليس علمًا تجريبيًا يسعى إلى القوانين لكن العلم التفسيري يبحث عن المعنى.

واللافت للنظر هو أن التعريف الأنثروبولوجي الثقافي التاريخي الأول للثقافة هو معرفي في جوهره على الرغم من حقيقة أن الإدراك نفسه لم يكن في مركز الاهتمام في بدايات الانضباط، وحتى تصور (E. B. تايلور) الثقافة على أساس الكليات العقلية، يدعي أن هذه تمكن من التطور الإيجابي وتقدم الحضارة، ووفقاً لبي جي بلونت يركز (E. B. تايلور) على قدرة الإنسان الفريدة على إنتاج المعرفة والمعتقدات والأفكار، فالثقافة والحضارة معقدة الكمال بما في ذلك المعرفة والمعتقدات والفن.

وجميع القدرات والتقاليد الأخرى التي اكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع، وأيضاً في تعريفات أخرى تظهر الملكات المعرفية للإنسان الثقافي، حيث جمع علماء الأنثروبولوجيا كألفريد كروبر وكلايد كلوكوهن 164 تعريف كامل و300 تعريف جزئي للثقافة وبناءً على ذلك حاولوا إنشاء تعريف خاص بهم، أو من الأفضل قول النظرية الخاصة بهم، والمطالبة بتلك الأفكار الثقافية التقليدية المشتقة والمختارة تاريخيًا وإرساء القيم لخلق جوهر الثقافة الأساسية، لتصبح النقطة المركزية في نظريتهم.

وتعريف (W. Goodenough) للثقافة هو التأكيد على الهيكلية حيث تم تقدير النهج اللغوي في عام 1957، إذ ترتبط الثقافة ارتباطًا مباشرًا بالمعرفة والأنظمة الاجتماعية للأفكار، وفي عبارة أخرى، الثقافة معرفة معقدة، حيث إنها مجموعة من المعرفة المقبولة والمشتركة والمؤكدة بشكل عام، ويحتاج أعضاء المجتمع إلى هذه المعرفة من أجل التعايش الناجح والمناسب للسلوك والعمل داخل المجموعة الثقافية الفعلية، وهناك مؤيد آخر معروف  للأنثروبولوجيا الفلسفية هو ستيفن إيه تايلر، ويختلف أيضًا مع مفهوم الثقافة كظاهرة مادية.

مجالات الواقع في الأنثروبولوجيا الفلسفية:

ومع ذلك فهو يدافع عن الإدراك في تعريف الثقافة، وبطريقة مماثلة يتحدث عالم الأنثروبولوجيا واللغة روجر كيسينج عن الرموز الثقافية كمعرفة ثقافية مكتسبة ومشتركة بشكل شائع لتحدد السلوك البشري بشكل غير ملحوظ، فالرموز الثقافية مشروطة للتواصل المتبادل الناجح، وعلى الرغم من أنهم كذلك بشكل عام غير واعي، ألا أنها في العلاقات مفهومة جيدًا، كما يميز (Ward Goodenough) مجالين للواقع في الأنثروبولوجيا الفلسفية هما الظواهر التي تتكون من البنية المادية للمجتمع كالمصنوعات اليدوية والأحداث الخارجية وأنماط السلوك التي يمكن إدراكها تجريبياً.

والمجال الفكري وهو نظام الثقافة غير المادي مثل نظام المصطلحات والقواعد والمبادئ والقيم التي لا يمكن الوصول إليها للمراقبة المباشرة، وللوصول إلى المجال الفكري في الثقافة الأجنبية تكون ممكنة من خلال الحياة المشتركة طويلة الأمد في بيئة السكان الأصليين مع استيعاب اللغة والحوار معها لفهم تصور السكان الأصليين المحدد للواقع، وهؤلاء المنطقتان أمران مستقلان لا ينبغي تبادلهما، ومن الضروري التمييز واستخدام نهج متميز ومناسب لكل واحد منهم.

لذلك يدعي (Ward Goodenough) حصر مفهوم الثقافة في نظام المعرفة من الأفكار المشتركة، فالثقافة تتكون من كل ما يحتاج الإنسان إلى معرفته أو يؤمن به من أجل التصرف بطريقة مناسبة وتكون مقبولة لأفراد مجتمعه، والثقافة ليست ظاهرة مادية، حيث إنها لا تتكون من مواقف أو أشخاص أو سلوك أو عواطف، بل إنها أكثر من منظمة من هذه الموجودة في عقول الناس، كما أن براد شور عالم الأنثروبولوجيا الفلسفية الشهير والمعاصر، يهتم بالنماذج الثقافية وعلاقتها بعقل الإنسان.

حيث إن فهمه للثقافة عبارة عن مجموعة غير متجانسة واسعة النطاق للنماذج الثقافية، وهؤلاء النماذج تشير إلى تنوع هائل وتنوع في المؤسسات البشرية وهي توقعات للفهم التقليدي للواقع، كما إنهم ينتمون إلى التجربة المشتركة من الحياة الاجتماعية البشرية، ووفقاً للأنثروبولوجيا الفلسفية فإن فهم الثقافة كمجموعة من النماذج التقليدية لها العديد من المزايا، ومن بين أمور أخرى، يسمح بمفهوم المواد أو الثقافة التجريبية والمفهوم المعرفي للثقافة أي الثقافة كشكل من أشكال المعرفة أو الثقافة كتمثيل عقلي.


شارك المقالة: