اقرأ في هذا المقال
عبر الثقافات غالباً ما تُنسب المِحن إلى السحر على الرغم من التكاليف البشرية والاجتماعية الباهظة لهذه المعتقدات، وقد تساعد السمات المعرفية المتطورة التي غالباً ما تستخدم لشرح الدين على نطاق واسع جنباً إلى جنب مع إدراك التهديد في تفسير سبب انتشار ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين، وقد تكتسب هذه الظاهرة زخماً في السياقات المهددة لأنها تهددها.
ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين
تكتسب ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين رواجًا في أجزاء كثيرة من المجتمعات والثقافات، لكنها لا تزال مثيرة للجدل، ويدعي النقاد أن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين خاطئة بشكل أساسي وتتلخص في إعادة وصف خيالي للأشياء التي تم معرفتها طوال الوقت، وجادل علماء الاجتماع أن هذه الظاهرة يمكن بالفعل حل لغازها فهي ظاهرة اجتماعية وثقافية طويلة الأمد، ويتضح هذا من خلال التحليل الثقافي الذي يحتوي على العديد من العناصر التي يبدو أنها مصممة بذكاء لضمان استمرار اضطهاد السحر والسحرة.
والسؤال الذي حير علماء الاجتماع هو لماذا استمرت ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين وانتشرت، على الرغم من حقيقة إنه كما لخص العديد من المؤرخين لا يبدو أن أحدًا قد استفاد منها بشكل كبير؟ وجادلوا بشكل مقنع بأن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين لم تكن مستوحاة من بعض الأجندة الخفية، حيث كان المضطهدون يؤمنون حقًا بتهديد السحر على مجتمعاتهم، وقترح علماء الاجتماع أن مفاهيم هذه الظاهرة نتجة عن عملية تطور داروينية.
حيث تم اختيار المتغيرات الثقافية التي عززت بطريق الخطأ تكاثرها وتجميعها، وجادلوا في أن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين تشكل مثالًا رئيسيًا على ظاهرة اجتماعية وثقافية فيروسية تعيد إنتاج أنانية، بل وتضر بمصالح مضيفيها من البشر.
وقد شهدت العقود الأخيرة نموًا ملحوظًا في ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين وإحدى السمات الرئيسية لهذه الظاهرة هو تطبيق التفكير الجماهيري، ومستوردة من علم الأحياء إلى المجال الثقافي، ويُنظر إلى الثقافة على أنها مجموعة من العناصر المعتقدات والممارسات والأفكار والتي تشكل سلاسل نقل ويتم توزيعها عبر مجموعة من العقول البشرية، وفي الواقع تنخرط العناصر الثقافية في عملية مستمرة من التنافس على العقول البشرية وهي صراع من أجل البقاء، ومن المفارقات أن هذا الإطار له قابلية تطبيق واسعة لدرجة إنه يشمل أيضًا مجال التطور الثقافي نفسه.
وتعتبر ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين فرع يجتذب اهتمامًا علميًا متزايدًا ويبدو متجهًا نحو مستقبل أكاديمي واعد، لضمان عدم انتشارها خاصةً؛ لأنها قائمة على خدمة مصالح مضيفيها من البشر، وبعضها قد ينتشر على حساب الأضرار ببعض البشر، تم تبني هذا الاهتمام بحماس من قبل العديد من الأكاديميين المعروفين مثل دانيال دينيت وسوزان بلاكمور في التسعينيات، لكنه لم يكتسب الكثير من الزخم، حيث أن العديد من العلماء حرصوا على إبعاد أنفسهم عن إطار السحر وهذه الظاهرة، وتم انتقادها على أنها إما إعادة وصف خيالي للرؤى التي كانت مألوفة بالفعل أو علم زائف لا يكاد يستحق أي اهتمام أكاديمي.
واقتراح علماء الاجتماع أن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين يمكن اعتبارها عوامل أنانية تعزز مصالح خاصة، وتبدو للوهلة الأولى وكأنها مثال رائع على ظاهرة الانحلال الأخلاقي الذي غزى المجتمعات التي تفتقر إلى الأخلاق، ولكن يستمر الجدال في الملاحظة الدقيقة لمثل هذه الظواهر بحيث أنها تحتاج إلى النظر في النوايا البشرية، وقد تم تنظيم دراسة علماء الاجتماع لهذه الظاهرة من خلال:
أولاً، تقدم إيجاز ما كان عليه السحر في المجتمعات ثم تناقش كيف حاول علماء التاريخ من مجموعة واسعة من الخلفيات النظرية شرحها وأيضًا سبب فشل هذه المحاولات إلى حد كبير، ومن وجهة النظر السائدة الحالية في تاريخ السحر هي إنه لا يوجد إطار نظري عام ينجح، ومفضل لدى المؤرخين.
ثانياً، تناقش سبب عدم الرضا عن هذا وكيف يترك غياب النظرية بعض الجوانب اللافتة للنظر من هذه التجارب سيئة السمعة غير مفسرة، وبعد التقييم النقدي تجادل بأن دراسة تاريخ السحر يقدم أدوات لا غنى عنها يمكن أن تساعد في سد بعض الفجوات التفسيرية في فحص ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين.
التفسيرات العملية لظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين
كتب علماء الاجتماع بأن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين بدا أمراً هادفًا مما يدل على إنه يجب أن تكون هناك تفسيرات عملية بخلاف الأهداف المعلنة للمضطهدين، حيث كانت بالنسبة لبعض العلماء وسيلة لتحقيق غاية خفية لدى بعض البشر، ولم يكن يفكر العلماء المعاصرون من مجموعة واسعة من وجهات النظر النظرية بمثل هذا المنوال أي فقط البحث عن الأهداف السرية والمستفيدين المخفيين، فقد بين المؤرخين في القرن التاسع عشر أن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين كانت تفسر بشكل شائع على أنها حملة من أعلى إلى أسفل من رجال الدين.
ويمكن العثور على وجهة نظر مماثلة في أعمال القرن العشرين للمؤرخين الذين جادلوا بأن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين كانت أداة من أدوات الأضرار بالبشر وتشويه سمعتهم حيث تم إتقانها في سياق صراع محلي، على سبيل المثال كانت هذه الظاهرة تمثل صراعًا ماديًا على السلطة بين الطبقات الحاكمة والمضطهدين، حيث كان الفقراء غير راضين عن نصيبهم ومن المحتمل أن يكونوا متمردين، لذلك خلق الأثرياء كبش فداء للعدو من الساحرة، إذ يمكن أن تُستهدف كعدوان على الشعب ليعيد الأثرياء تأكيد موقفهم في السلطة.
ويمكن العثور على توجه لتفسير آخر لظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين في بعض مجتمعات الفلاحين التقليدية والعالم القادم للمدينة الحديثة والذي احتلت فيه النساء المسنات مكانة مركزية ومحترمة في ثقافة الفلاحين التقليدية، وكانت الفكرة في قيام بعض النخب من المدن الحديثة بالاعتماد على السحر والمشعوذين كطريقة لجعل الفلاحين يرون بأن النساء اللواتي كن يحترمنهن دائمًا غير جديرات بالثقة، ودمرت هذه الظاهرة بواسطة نخب المدينة شيئًا حاسمًا في عالم الفلاحين، مما جعل من السهل السيطرة عليهم.
واقترح المؤرخون الذين استلهموا من الأنثروبولوجيا الوظيفية في منتصف القرن العشرين بأن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين يجب أن تُفهم على أنها شكل من أشكال كبش الفداء الذي يخفف التوترات داخل المجتمع، ومن خلالها تم تحديد الحدود الأخلاقية لتعزيز المجتمع، ونظرًا لذلك شهدت المجتمعات ضغوطًا مثل التفكك الاجتماعي وانهيار الأشكال التقليدية وعدم توفر الراحة النفسية والاجتماعية، لذلك أكد علماء الاجتماع على ضرورة إيجاد وسيلة للتمكن من مواجهة هذه الظاهرة لإحداث تغيير اجتماعي عميق.
وعلى النقيض من هذه المنظورات ذات التوجه الاجتماعي بحث باحثون آخرون عن أهداف فردية ودنيوية، حيث كان الشكوك الشائعة التي عبر عنها المعاصرون بالفعل هي أن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين أُنشئت لغرض تحقيق مكاسب مالية أو لدوافع تنظيم تحديد النسل.
ويمكن للعلماء بعد كل هذه التفسيرات بالطبع أن يجادلوا بأن الناس الذين اعتمدوا على السحرة والمشعوذين أخفوا نواياهم الحقيقية أو أنهم كانوا مدفوعين لا شعوريًا بهذه الدوافع، ولكن إذا كان الأمر كذلك فلابد أن تكون الأجندة الخفية واضحة في سياق الاضطهاد، ومع ذلك لم يتم إثبات ذلك أيضًا لأنهم يستهدفون فئات معينة من الأفراد بدلاً من فئات أخرى، ولهذا يبدو أن ظاهرة الاعتماد على السحرة والمشعوذين تعتبر حملة داهية ومنهجية تنبع من دوافع أو وظائف أساسية.