فترة انتعاش الخلافة العباسية وازدهارها

اقرأ في هذا المقال


فترة انتعاش الخلافة العباسية:

استعادت مؤسسة الخلافة هيبتها ومكانتها خلال هذه الفترة، فقد خرج الخلفاء أنفسهم، وباشروا الأمور، ففي خلافة المعتمد على الله (256 – 279 هجري)، أصبح الموفق، أخوه، هو القائد الأعلى للجيوش الإسلامية في الدولة العباسية، وقاد حملات عسكرية من أجل ضبط أمور الدولة، فقد اشتبك مع يعقوب بن الليث الصفار، وانتصر عليه في موقعة دير العاقول سنة (262 هجري)، كما تولى قيادة الجيش العباسي لمواجهة حركة الزنج.

وعندما جاء الخليفة المعتضد بالله (279 – 289 هجري)، كان قد تدرب على قيادة الجيش والحملات، واكتسب خبرة‏ كبيرة في قيادة المعارك والحروب، إذ دربه أبوه الموفق أثناء القضاء على حركة الزنج، وكان المعتضد بالله يحارب الخارجين بنفسه، وقاد أكثر من حملة في هذا المجال، فقد توجه لحرب بني شيبان، ثم عقد الصلح معهم، ومن ثم توجه إلى ماردين وسيطر عليها.

ولمّا توفي الخليفة المعتضد بالله، وتولى المكتفي بالله الخلافة (289 – 295 هجري)، لم يكن له حزم أبيه في قيادة الجيوش، وتوجيه الحملات العسكرية إلا أنه تقرب إلى الناس (يهدم المطامير التي كان أبوه اتخذها لأهل الجرائم). ومن أهم الأوضاع الداخلية التي شهدت هذه الفترة هي:

نشأة حركة الزنج:

كان الزنج يستقدمون في الصومال وزنجبار، ويستخدمون في الزراعة بأعداد كبيرة جداً، نتيجة للنشاط التجاري وازدهار التجارة، وفي غسل واستصلاح الأراضي، لجعلها صالحة للزراعة، وكذلك للاستفادة من الأملاح المتجمع على سطح الأرض، وكانت أجورهم تصرف ‏ على شكل مواد غذائية كالطحين والتمر والسويق، أو تدفع لهم بشكل نقدي. وفي شوال من سنة (255 هجري)، خرج رجل لقبه بهبوذ من قرية ورزنين، وهي من قرى الريّ مُدعياً النسب العلوي وتسمى بـ (علي بن محمد).

كان يتردد هو وأبوه إلى سامراء، إذ كانوا من بين أتباع حاشية المنتصر، ثم ترك سامراء، وتوجه سنة (249 هجري)، صوب البحرين، ودعا الناس إلى طاعته، وجبى خراجهم، ونفذ حكمه فيهم، وحاربوا أصحاب السلطات بسببه، ثم عاقب جماعة من أعيانهم، فغضبوا عليه، وجرت مناوشات فيما بينهم، فتوجه صوب الإحساء، ثم هزم في إحدى المعارك، فتخلى عنه أهل الإحساء، فاتجه إلى البصرة، فعلم به عامل البصرة، محمد بن رجاء الحضاري، فحبسه هو وأهله، ولكنه استطاع الهرب، واتجه يريد بغداد.

وفي الطريق قبض عليه عامل البطيحة، عمير بن عمار، لكنه تخلص منه، وسار نحو بغداد، وادعى أنه من أبناء محمد بن أحمد بن عيسى، وفي سنة (255 هجري)، عزل محمد بن رجاء عن ولاية البصرة، فهجم رؤساء قبائل البلالية والسعدية على السجون، فأخرجوا أهلها، وكان من بينهم عائلة بهبوذ.

ثم عاد بهبوذ إلى منطقة البصرة، كما أنه قام بدعوة نفسه أنه رسول من أبناء الواثق بالله لهدف متاجرة في السباخ، وطلب من الناس أن يسلموا عليه بالإمارة كما قام بدعوة العبيد الزنوج إلى إتباع في طاعته بعد أن تعرف على أحوالهم، فسأل عن أخبار غلمان الشورجيين، وما يجري لكل غلام منهم من الدقيق والسويق والتمر، ودعا العبيد في خطبة إلى ضرورة تحسين وضعهم وأنه يهدف إلى أن يرفع أقدارهم ويملكهم العبيد والأموال والمنازل ويبلغ بهم أعلى الرتب.

ولهذا يمكن القول أنه لم يهدف إلى القضاء على الرق فقد حرر العبيد لكنه استرق من وقع في يده من الأسرى، كما أخذ يدعو بقية العبيد للالتحاق بحركته، حيث ابن الأثير عن هذا فيقول: (مازال يدعو غلمان أهل البصرة ويقبلون إليه للخلاص من الرق والتعب، فاجتمع عنده منهم خلق كثير، فخطبهم ووعدهم أن يقودهم ويمكنهم الأموال، وحلف لهم بالإيمان أن لا يغدر بهم ولا يخذلهم). وقد توسط موالي العبيد لديه أن يرجع إليهم عبيدهم لقاء خمسة دنانير لكل عبد لكنه رفض ذلك.

وكان معظم الزنج أصلهم من غير العرب، ومن الذين لا يفهمون العربية ولا يملكون أية ثقافة. وكان صاحب الزنج بحاجة إلى سند شرعي لدعم حركته، فادعى أن العناية الإلهية أرسلته لكي يخلص العبيد من وضعهم وادعى النبوة، ومعرفة الغيب، وعلى الرغم من ادعائه النسب العلوي، إلا أنه دعا إلى فكرة الخوارج، ويرى أن يكون الخليفة من أفضل المسلمين، ولو كان عبداً حبشياً، وكان يكتب على لوائه (أنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة)، وهذا شعار الخوارج الأزارقة، كما كتب على علمه اسمه واسم أبيه فقط. وقد استمرت هذه الحركة أربعة عشر عاماً، هددت خلالها الدولة العباسية، وقد أرسلت إليها الخلافة العباسية عدة جيوش من أجل القضاء على هذه الحركة لكنها فشلت.


شارك المقالة: