الحركات الباطنية في العصر العباسي الثاني

اقرأ في هذا المقال


الحركات الباطنية في العصر العباسي:

الحركات الباطنية حركات سياسية بأساسها هدفُها الانهاء على الإسلام بأيّة صورة، ويُعدُّ مُحرّكها بقايا الجماعات الدينية المتعصبة التي قضى الإسلام على نفوذها أو على دولها، ومن هذه الجماعات اليهود، والنصارى، والمجوس.

فقد انهى الإسلام على حُكومات وسُلطات اليهود في المدينة المنورة أولاً ثم في الجزيرة العربية عامةً، وأزال الوجود النصراني من أرض العرب وقاتل سادتهم الروم البيزنطيين وأزاحهم عن مواقعهم في بلاد الشام والشمال الإفريقي، وأنهى دولة المجوس في فارس وفي كل مناطق نفوذها، هؤلاء هم قطب الرحى بالنسبة إلى الحركات الباطنية، وإذا كان المجوس هم محورها فإن اليهود هم المخططون لها، وكان النصارى مؤيدين لها.

نشوء الحركات الباطنية:

بدأت الحركات الباطنية في وقتٍ مبكر، ولكنها كانت ضعيفة، وكان أثرها محدوداً للقرب من عهد رسول الله كَكُل وللوعي الإسلامي الذي كان موجوداً. بدأت هذه الحركات تعمل على تهديم الإسلام من الداخل فادّعى عبد الله بن سبأ اليهودي الإسلام، وبدأ يتنقّل في الأمصار يُثير
الفتنة، ويُؤلّب على سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه، الخليفة الراشدي.

ولم يجد بُدّاً من أن يتخذ أحد الصحابة ستاراً يستتر به، ويدعو له، فكان يفضّل ‏ على زعمه ‏ سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم قال بألوهية علي رضي الله عنه ورجعة محمد صلَّ الله عليه وسلم، فأحدث فتنة، كما نشأت الكيسانية التي قالت بإمامة محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية) إلا أن أثر هاتين الحركتين قد بقى محدوداً وانتهى سريعاً.

فلما مضى وقت على بدء الإسلام، وبدأ الضعف يظهر على بعض أبنائه بدا حقد هؤلاء الأعداء واضحاً، ووجدوا فرصةً لهم في أن أحفاد صحابة رسول الله كَل قد كثروا وتفرّقوا في الأمصار فيمكن أن ينتحل بعضهم الانتساب إلى أحدهم، ووجدوا في الانتماء إلى علي بن أبي
طالب رضي الله عنه، مفيداً لهم ويحقّق أغراضهم لما لسيدنا علي من مكانةٍ في نفوس المسلمين.

فهو ابن عم رسول الله، وصهره على ابنته فاطمة رضي الله عنها، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد المبشرين بالجئّة، ومن المقاتلين الأشداء الذين بذلوا الكثير في سبيل الإسلام، يمكن الإفادة منهم وتسخيرهم لأغراضهم، وكذلك كان ابناه الحسن والحسين رضي الله عنهما، من زوجه فاطمة، رضي الله عنها، فهما حفيدا رسول الله، وعقبه في ذُرّيتهما، وهما من المبشرين بالجنة.

فبدأ الأعداء ينتحلون نسباً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وخاصةً عن طريق ابنه الحسين رضي الله عنه، لأن استشهاده في كربلاء كان له صدى واسع في نفوس المسلمين، فصوّروا المعركة بأساليب كثيرة، واستفادوا من ذلك لذا كان أكثر أتباعهم من أنصار سيدنا علي رضي الله عنه، أو كانت هذه الحركات تحمل صفة أنصار علي وليست هى كذلك، والتحق بها بالفعل الجهلة من أنصار آل البيت، وهم لا يدرون ماذا يُراد بهم!.

الهدف من إنشاء الحركات الباطنية:

ويجب ألا ننسى اتصال أحفاد الحسين رضي الله عنه، بالنسل الفارسي، إذ أن ابنه علي زين العابدين الذي عقبه منه أمه أم ولد تُدعى سلامة، أو سُلافة، أو غزالة، وهي بنت ملك الفرس يزدجرد. واتخذت هذه الحركات الباطنية كل وسيلةٍ لتجميع الناس حولها سواء أكانت هذه الوسائل شريفة أم غير ذلك.

كان زعماء الحركات الباطنية يُظهرون الزهد في بداية أمرهم كي يُقبل عليهم الناس، ويدّعون الانتساب إلى أحفاد الحسين بن علي رضي الله عنهما، إذ أن المجتمع الإسلامي لا يخضع غالباً إلا للذين يُعرفون بتقواهم أو على الأقل يخضع للأتقياء أكثر مما يخضع لغيرهم، حتى إذا ما دان لهم أتباعهم، ووثقوا بهم أخضعوهم لمرحلةٍ ثانيةٍ فثالثةٍ إلى أن يصلوا بهم إلى مرحلةٍ يرفعون فيها عنهم التكاليف الشرعية، وأخيراً يُحلُون لهم ما حُرّم عليهم من أموال ونساء.

نتائج الحركات الباطنية:

ووجدت الحركات الباطنية في إباحة النساء وسيلة لها كي يلتف حولها الناس، وبهذه الوسيلة تستفيد من الشباب المراهقين الذين يسيرون وراء إرواء غرائزهم، ومن الزرّاع الذين يعملون لغيرهم وهم غرباء عن مناطقهم، ومن الأرقاء، والزنج الذين جلبوا للعمل في جنوبي العراق، وهؤلاء جميعاً يحقدون على الحُكام والأثرياء، ويرون أنهم يحصلون على ما لا يحصلون
هم، ويعيش أصحاب الأملاك في الظلال الوارفة ويُهيأ لهم كل شيء عن طريق الخدم.

بينما يعيش الزنج في لظى الشمس اللافحة، ولا يحصلون على شيء، لذا فقد دعت أكثر الحركات الباطنية وخاصة القرامطة منهم إلى النساء، ولكن سرّاً، ولمن تثق بهم إلا بعد أن يمرّوا بعدة مراحل كي لا يثور عليهم المُجتمع الذي يعيشون فيه إذ في ذلك انتهاك للحرمة، ولأعراف المُجتمع وتقاليده، وخروج على عقيدته وهذه الناحية المهمة.

وكذلك فقد عمل القرامطة على شيوعية المال للإفادة من الفقراء والبداة وجماعاتٍ كثيرةٍ. وإضافة إلى هذا فقد اعتمدت الحركات الباطنية على الإرهاب كى يخافها الناس ويرهبوها ويسيروا وراءها، كما نظمت نفسها تنظيماً دقيقاً، ليبقى أفرادها مجهولين وسط مجتمعهم الذي لا يؤمن بهذه المبادئ، فكانت التقية بصورةٍ عامةٍ سمةً لها، وأمكن ذلك لأتباعها أن يُظهروا غير ما يخفون أو أصبح بإمكانهم التلوّن بصورٍ شتّى.

واستغلّت الحركات الباطنية حقد الأرقاء على ساداتهم، والحالة الاجتماعية التي وصل إليها المجتمع من الضعف والتفكك والفوضى وسيطرة الجند فأعلنت نفسها وقامت بحركاتها، وكان أكثر أتباعها من الشباب الذين يُغريهم دقة التنظيم والقوة، وإرواء الغرائز، وهم دائماً الوقود الرئيسي للحركات، لذا سخر الباطنيون الشباب لتحقيق مآربهم.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر الجزء الثاني صفحة (28 – 30)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: