لقد كانَ لرسولِ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّم من الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ مصدراً تشريعيّاً للأُمَّةِ الإسلاميَّة، تداولتهُ الأجيالُ بالنَّقلِ منْ جيلٍ إلى جيل، بوصفِةِ بياناً وتفصيلاً لدينِنا الحنيف، ووصيَّة نبينا (لقد تركتُ فيكُم أمرين لن تضِلوا بعدي أبداً كتاب اللهِ وسنَّتي) فكانت علماً مُتوارَثاً لِمنْ حملوه منْهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم لينقلوه إلى التّابعينّ الأخيارِ الّذين أكملوا مسيرة أسلافِهم من الصّحابّة الكرام وها نحن نجوبُ في أخبارِهم نبحث عنهم لنرويّ قِصَصَهُم، ونأخُذَ منهم العلم لنروي ما بذلوه ليبقى الحديث إلى قيامِ السَّاعة متَّصِلاً بِهِمَّتِهمْ، ونصل في الحديثِ إلى الرّاوي ابنِ أبي مُلَيْكَةَ رحمَهُ اللهُ فتعالوا نقرأُ في سيرَتِهِ معَ الحديثِ.
نبذة عن ابن أبي مليكة:
هو: التَّابعيُّ الجليلُ، أبو بكرٍ، عبدُ اللهِ بنُ عُبيدِ اللهِ بنِ أبي مُلَيكَةَ التَّيمِيُّ، منْ رواةِ الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ، والتَّيْميُّ نَسَبُهُ إلى بني تيمٍ بنِ مُرَّةَ، ولدَ في أيام تولي عليِّ بنِ أبي طالبٍ للخلافَة، وقيلَ كانَ به حَوَلٌ، ولم يثْنِه ذلك عنْ تعلُّم العِلْم والحديثِ ممَّنْ أدرَكَهُمْ من الصَّحابَةِ والتّابعينَ، واستلم قضاءَ الطائِفِ بعد خلافةِ عليِّ، وكانتْ وفاتُه في مكَّةَ المُكَرَّمة في العامِ السَّابعِ عشَرَ بعدَ المائَةِ منَ الهجرَةِ النَّبويَّة يرْحَمُهُ اللهُ.
روايته للحديث:
كانَ التَّابعيُّ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ التَّيمِيُّ من رواةِ الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ وقدْ روى الحديثَ عمّنْ أدرَكَهمْ منَ الصَّحابة كعبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخَطَّابِ وعبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ وعبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ وأمَّهاتِ المؤمنينَ عائشَةَ بنتِ أبي بكر وأمِّ سَلَمَةَ وغيرِهم رضيَ اللهُ عنهم جميعاً، كما روى عنْ جيلِ التّابعينَ منْ طريقِ حُميدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ وعُرْوةِ بن الزُّبيرِ والمِسورِ بنِ مَخرَمةَ وعلْقمَةَ بنِ وقّاصٍ وغيرِهم يرحمُهمُ اللهُ.
أمَّا من روَى الحديثَ عن الرَّاوي ابنِ أبي مليكةَ التَّيمِيُُّ فهم كثيرٌ منْهُم: عطاءُ بنث أبي رباحٍ وعبدُ العزيزِ بنُ رُفَيعٍ وحُمَيْدٌ الطَّويلُ وأيُّوبٌ السَّختيانِيُّ والليثُ بنُ سعدٍ وغيرُهم كثيرٌ يرحمُهمُ الله، كما كانَ منَ الثِّقاتِ في روايَةِ الحديثِ وكثيرُ الحديثِ.
من رواية ابنِ أبي مليكة التيمي للحديث:
ممّا ورَدَ منْ روايَةِ الحديثِ منْ طريقِ ابنِ أبي مُليكَةَ ما أوْرَدَهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في صحيحِهِ: (( وحدَّثَنِي مُحَمُّدُ بنُ حاتِمٍ، وهارونُ بنُ عبدِ اللهِ، قالا: حدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، قالَ: ابنُ جُرَيْجٍ: أخْبَرَنِي ابنٌ أَبِي مُليكَةَ، أنَّ عبّادَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، أخْبَرَهُ، عنْ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ أنَّها جاءَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَتْ: يانَبِيَّ اللهِ، ليسَ لِي شيءٌ إلَّا ما أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبيرُ، فَهَلْ عَلَيَّ جَناحٌ أنْ أرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ، فقالَ: ( ارْضَخِي ما اسْتَطَعْتِ، ولا تُوعِي، فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيْكِ ). منْ كتابِ الزَّكاةِ، رقمُ الحديثِ1029/89 )).