إنَّ من الضروري على قارئ القرآن الكريم ومتعلمه معرفة نوع الخطاب المخاطب به، ويجب عليه معرفة وفهم معاني القرآن الكريم والتي قد تختلف في معناها من موضع إلى آخر، وهناك كلمات ترد في القرآن يفهم معناها من سياقها،ليتم فهم الآيات ومقاصدها بطريقة صحيحة، وليفهم المسلم أن الأمر الذي أراده الله -سبحانه وتعالى- هل هو أمر تشريعي أم أمر توجيهي.
المنطوق والمفهوم في القرآن الكريم
المنطوق لغةً: هو بمعنى الكلام الذي ينطق به.
اصطلاحاً: هو الكلام الذي يدل عليه اللفظ من أحكام سواء نطق به أم لا، وينصرف ذهن المستمع إليه مباشرة عند سماعه.
أقسام المنطوق في القرآن الكريم
ينقسم المنطوق إلى قسمين هما:
1- المنطوق الصريح: وهو ما دل على معناه من اللفظ وهو واضح وغير مبهم وغامض، كقوله تعالى: “وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” (سورة البقرة:275) فالمفهوم من سياق الآية نطق به وهو أن البيع حلال والربا والعمل به حرام، وكقوله تعالى: “فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا” (سورة الإسراء:23) فنص الآية من نطقه يُفهم بتحريم التأفف بالوالدين والنهر عليهما.
2- المنطوق غير الصريح: هو ما يدل على الحكم من اللفظ، فيصبح مدلول عليه بطريق الالتزام، والدلالة عليه تكون إما بالاقتضاء، وإما بالإيماء، وإما بالإشارة، فيتبين لنا أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: (الاقتضاء، الإيماء، الإشارة).
أولاً: الاقتضاء: فأما ما جاء بالاقتضاء كقوله تعالى: “فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” (سورة البقرة:184)، فهو ما صدق فيه النطق على مضمر جاء فيه، ففي الآية مضمر وغير معلوم وهو من أفطر، عليه عدة من أيام أخر.
ثانياً: الإشارة: هو ما لم يأتي باللفظ مقصوداً ولكنه مفهوماً باللفظ، مثل قوله تعالى: “أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ” (سورة البقرة:187)، فيفهم من نص الآية على صحة الصيام من أصبح جنباً، لأن الجماع يكون في الجزء الأخير من الليل، فلا يستطيع الاغتسال إلا في الصباح.
ثالثاً: الإيماء: وهي إضافة الحكم لوصف ما، وبه يُفهم التعليل، كقوله تعالى: “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا” (سورة المائدة:38) فيفهم أن السرقة هي علة للقطع، وكقوله تعالى: “إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ” (سورة الانفطار:13)، أي سبب نعيمهم هو برهم.
المفهوم: هو ما يدل عليه اللفظ في غير محل النطق، وهو ينقسم إلى نوعين:
أولاً: مفهوم الموافقة: وهو ما دل عليه اللفظ على أنه ثبوت للحكم الذي نطق به للمسكوت عنه، ويسمى (فحوى الخطاب) كقوله تعالى: “فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا” (سورة الإسراء:23)، كأن يفهم منها بتحريم ضرب الوالدين فهو من تحريم التأفف.
ثانياً: مفهوم المخالفة: وهو أن يدل اللفظ على نفي الحكم للمنطوق عن المسكوت، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: “في الغنم السائمة زكاة” فمنطوقه يدل على أن الغنم التي ترعى في البراري تجب فيها الزكاة، ومفهوم المخالفة يعني أنه لا زكاة في الغنم المعلوفة في البيوت.
ختاماً المنطوق والمفهوم، علم غزير يحتاج إلى وعي ليتم فهمه، فعند دراسته تجد أنه علم يوجد فيه بعض الصعوبة في الحصول على بعض معلوماته، وهذا يدل على أن القرآن الكريم هو بحر واسع لا يمكن الغوص فيه إلا لمن كان ماهراً في ذلك، ليفهم مراد الله -سبحانه وتعالى- من كتابه العزيز.