اكتفى النبي محمد_ عليه الصلاة والسلام_ في بدايات الإسلام، على الأمور المهمّة في تكوين الدولة الإسلامية، ولم يتطرّق إلى الحياة الاقتصادية وبقي على ما كان عليه نظام الجاهلية، سوى الاهتمام بفرض الزكاة وجمع أموالها على من هو قادر، وكذلك تبعه الخليفة الأوّل أبو بكر الصديق_ رضي الله عنه_، كما أنّ ظروف الدولة الإسلامية في بداياتها لم تسمح بضرب النقود، حتّى لو تمّ الاهتمام بتحقيق ذلك.
بدايات تمكين الدولة الإسلامية من ضرب النقود:
جاء عهد الخليفة عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ وجاءت الفتوحات الإسلامية الكبيرة، وخلالها حصل المسلمون على أملاك الفرس، بالإضافة إلى جزء كبير من أكلام الروم، الأمر الذي وضع الكثير من الثروات في أيدي المسلمين، وكان لا بدّ من وضع سياسات مالية للدولة لتنظيم شؤونها في هذا المجال.
ثم أمر عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ بضرب النقود وإصدارها بالطابع الإسلامي، ونقش كلمة التوحيد والشعار الإسلامي عليها “لا إله إلّا الله محمد رسول الله”، وكان ذلك في الدار الفارسية لضرب النقود، وبذلك أصبح للمسلمين عملتهم النقدية الخاصة ولهم امتلاكها وتداولها من غير حرج.
ولكن بعدها قلّت الثروات والنقود في أيدي المسلمين، بسسب تقييد دار الضرب بضرب القليل من النقود مقابل حاجة المسلمين لها، كما تداعت الحاجات إلى انفاق النقود على الحروب وضاقت الظروف بالناس، فلجأ عمر _ رضي الله عنه_ لاستيراد المحاصيل الزراعية من مصر، وأمر الدار الفارسية لضرب النقود بتقليل وزن العملة وإكثار النقود.
وجاء عثمان بن عفاّن ليستخدم نفس النقود في الوزن ويُضيف عليها شعار “الله أكبر”، إلّا أنّ معاوية بن أبي سفيان_ رضي الله عنه_ حاول إعادة العمل إلى وزنها الأوّل، لكن تمّ إقناعه باستخدام العملة ذات الوزن الخفيف، وبعدها جاء على التوالي:
- عبدااله بن الزبير_ رضي الله عنه_ وأمر بضرب نقود مستديرة الشكل كتب عليها “محمد رسول الله” وأيضاً “أمر الله بالوفاء والعدل” على الوجه الثاني.
- مصعب بن الزبير _رضي الله عنه_ أمر بضرب نقوداً أكثر وزناً من النقود التي ضربها أخيه، بهدف الترويج لحكمهما على العراق.
- جاء الحجاج بن يوسف وألغى تلك النقود التي ضربها كل من الأخوين، ومنع التعامل بها وصادرها، وأمر بضرب نقود العراق عن طريق رجل يهودي، بعد أن استأذن عبد الملك بن مروان، فسميت النقود السميرية نسبة لاسم الرجل اليهودي الذي قام بضربها، إلى أن وُجد أوّل نظام نقدي في الإسلام زمن عبدالملك بن مروان.