شكَّلت بعض المعاملات المصرفية المعاصرة، المحور الأساسي في النقاش للخبراء الشرعيين في البنوك الإسلامية خلال المؤتمرات والندوات التي يتم عقدها من فترة لأخرى، حيث أثارت الشكوك حول التعامل بها، وأصبحت معاملات مشكوك فيها من الناحية الشرعية، وفي هذا المقال سنذكر بعض هذه المعاملات.
معاملات مصرفية مشكوك فيها شرعاً:
أولاً: الأجر على خطابات الضمان:
من حيث المبدأ لا يوجد أي خلاف في إباحة إصدار البنوك الإسلامية لخطابات الضمان، وتتقاضى البنوك الإسلامية أجراً مقابل تقديم خدمة إصدار خطابات الضمان وتغطية نفقة الإصدار. ولكن الخلاف الذي يُثير الشكوك حول هذه المعاملة هو الأجر الإضافي في حالة خطابات الضمان غير المغطاة، الذي تتقاضاه البنوك التقليدية، ويعود التحريم في هذا الإجراء لأنّه يُعتبر تقاضياً للأجر مقابل الضمان، والذي هو من عقود التبرع.
ثانياً: دفع مكافأة للحساب الجاري وحساب الادخار:
تعتبر العوائد التي تُحدّد مسبقاً على الودائع بكافة أنواعها، ضمن الفوائد المحرّمة شرعاً، فإذا كانت الوديعة مضمونة ولا يوجد أي سبب لوقوعها في مخاطر الخسارة، لا تستحق العوائد ولا أي من الربح، حسب المبدأ الإسلامي، وهذا ينطبق على الحسابات الجارية، والودائع المؤجلة وحسابات التوفير. ولا بأس في أن يقوم المدين بزيادة الدين في الكم أو الكيف عند سداده، بشرط عدم الاتفاق على ذلك أو الوعد المسبق بذلك، كأن تقوم البنوك الإسلامية بتوزيع بعض الجوائز على أصحاب الحسابات الجارية، أو حسابات الادخار.
ثالثاً: العقود الآجلة في النقود- Future Dealings:
بسبب كثرة نصوص التحريم في التعامل الآجل للنقود، أثارت العقود الآجلة الكثير من المشكلات والشكوك، والتعامل فيما لا يملكه البائع؛ الأمر الذي أجبر علماء الفقه الإسلامي على تحريم كافة صور التعامل بالعقود الآجلة على النقود. وأما التعامل في العقود الآجلة في السلع الأخرى عدا النقود، فقد يجيزه بعض الفقهاء بشرط تحديد مواصفات المبيع بشكل دقيق يمنع المنازعات عند التسليم، ويعتبر علة تحريم تصرّف البائع بما ليس عنده بالبيع.
رابعاً: الخيارات- Options:
إنّ التعامل في الخيارات التي تتعلّق بالعملات، حسب ما يراه الفقهاء هو غير جائز؛ لأن عقد الصرف يشترط تسليم السلعتين المتبادلتين عند العقد، ولا يُلزم أحد بالخيار إذا كان وعداً، أي عدم جواز الاتفاق بين الطرفين المتعاقدين مسبقاً، على سعر صرف متوقّع في المستقبل. وإن كانت الخيارات في السلع والأسهم ملزمة من حيث المبدأ، إلّا أنّ أثرها يقتصر على الطرفين، ولا يجوز بيع الخيار لطرف ثالث في نفس العقد؛ لأنّه لا يُعتبر حقاً مالياً قابلاً للتعامل، منفصلاً عن العقد الأول.
خامساً: الإيجار المالي- Financial Leasing:
إنّ عقد الإجارة على الأعيان من العقود المشروعة في فقه المعاملات المالية الإسلامية، ولكن عند قطع الصلة بين العقد وطبيعة العقود المباحة للإجارة، يثور الشك حول التعامل في مثل هذه المعاملات، وقد يمكن اعتباره قرضاً مالياً.
سادساً: تمويل رأس المال العامل:
لا خلاف في تمويل رأس المال العامل من الناحية الفقهية والشرعية، سواء على أساس المرابحة أو على أساس المشاركة، ولكن يظهر الخلاف عند محاولة تعدّي المشكلات العملية التي تنتج عن التشارك في الربح والخسارة، عن طريق اتباع أبسط الطرق في المحاسبة، والتي تتمثل في التمويل مقابل تقاضي نسبة من المبيعات. وأجاز البعض هذه الصيغة بقياسها على طبيعة عقد المزارعة المشروع، أما من لا يجيزها اعتبرها من المعاملات التي لا تسمح بالمشاركة في الخسارة، وتم الاتجاه من قبل البعض إلى التمويل مقابل الحصول على نسبة من القيمة المضافة، باعتبار أن هذه القيمة قد تكون سلبية في بعض الحالات.
سابعاً: التعويض عن انخفاض قيمة النقود:
تقوم بعض البنوك بفتح حسابات ادخار، تتعامل معها على أساس الرقم القياسي للتضخم، وتحديد حد أعلى وحد أدنى، وهذه فكرة توضع محل نقاش من الناحية الشرعية، من حيث المبدأ في تقديم تعويض مقابل انخفاض قيمة النقود، ومن حيث الكيفية في التطبيق. وما تمّ إقراره في هذا الموضوع أنّ الاتفاقات في هذا المجال يجب أن تشمل حالات انخفاض القوة الشرائية للنقود، والارتفاع فيها، مع عدم وضع أي حد سواء أعلى أو أدنى.
ثامناً: التعويض عن التأخير:
قد يحتاج المدين لفترة سماح لحين خروجه من ظروفه إن كان معسراً، فله الحق بالحصول على ذلك، بشرط عدم المماطلة، وهناك من اشترط التعويض في مثل هذه الحالات من الدائنين، وهذا ما وضع موضوع التعويض عن التأخير محل شكوك، ومحور نقاش في الدراسات الحديثة للمعاملات المصرفية المعاصرة.
تاسعاً: الخصم في حالة السداد المبكر:
كانت هذه المعاملة وما زالت من المعاملات التي تشكل محل خلاف شديد، وما زالت تتعدّد فيها الآراء، فبعضهم يُجيزها والبعض الآخر لا يُجيزها، وقد ترد بصورة عملية في حالات المرابحة، التي يُراعى فيها الأجل عن تحديد الثمن الآجل.
عاشراً: شراء أو تحصيل القوائم التجارية- Factoring:
تشتري بعض البنوك التقليدية حقوق المحلّات التجارية تجاه عملائها، مقابل خصم جزء من قيمة الفواتير، وإذا كان هذا على نطاق البيع دون رجوع المشتري للبائع إذا تعذّر التحصيل، تكون المعاملة محرّمة، على أساس تحريم بيع الدين إلى غير المدين.