من هو قارون الذي خسفت به الأرض في قصة موسى عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


قارون الذي خسفت به الأرض في قصة موسى عليه السلام:

لقد رُوي لنا في القرآنِ قصةً تسمى بقصة قارون وهو شخصٌ من قوم موسى عليه السلام، ولكن لم يحدد القرآن مكان قصة قارون ولم يحدد مكانها ولا زمانها، ولم تعرف هل هي وقت في بني إسرائيل من بعد موسى، أم وقعت بعد الخروج في حياة موسى، أم حدثت وبنو إسرائيل في مصر قبل الخروج منها.

كنوز قارون:

لقد حدثنا الله تعالى عن كنوز قارون، فقال: إنّ مفاتيح الحُجرات التي كانت تحتوي الكنوز كلها، فقد كان من الصعب أن يحملها رجالٌ عاديون، فقد كان يحملها بعض الرجال شديدين القوة والعزم، ولو علمنا عن مفاتيح هذه الكنوز على هذه الحال فما هو ثقل الكنوز نفسها، لكن قارون قسى على قومه بعدما آتاه الله الثراء، ولم يذكر القرآن فيمَ كان البغي، ليدعه مُجهلاً يشتملُ على شتى الصور، فلربما بغى عليهم بظلمُهم وسلبهم أرضهم وأشياءهم، أو بغى عليهم بأنه حرمهم حقهم من ذلك المال، كحقِ الفقراء في مال الأغنياء، أو ربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.

ماذا كان ينصح عقلاء قوم قارون؟

يبدوا أن العقلاء من قوم قارون قاموا بنصحهِ بأن يقتصد وأن يعتدل في حياته وأن يسير على المنهج السليم. فقد كانوا يحذرونه من أن لا يفرح كثيراً؛ لأن الفرح سيؤدي بصاحبه إلى نسيانه من هو المُنعم بهذا المال. وكانوا ينصحونه ويقولون له بأن يتمتع بالمال في الدنيا، بدون أن ينسى الآخرة، فيجب عليه أن يعمل دائماً بهذا المال من أجل آخرته، وكانوا يقولون له إنّ هذا المال هبةً من الله وإحسان، فيجب أن يتصدق ويتحسن من هذا المال، حتى يُردُ الإحسانُ بالإحسان. وكانوا يحذرونه من أنّ يفسد في الأرض وأن لا يظلم وأن لا يبغي وأن لا يحمل البغضاء، وإنفاق المالِ في غير وجهه، أو إمساكه عما يجب أنّ يكون فيه. فإن الله تعالى لا يُحب المُفسدين.

رد قارون على قومه:

لقد كان ردّ قارون على قومهِ بجملةٍ واحدة، وكانت هذه الجملة تحملُ جميعُ معاني الفساد، فقال تعالى: “قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي” القصص:78. فغرورُ قارون أنساهُ النعمة وحكمتها التي هو فيها، وفتنهُ المالُ وأعماهُ الثراء الذي هو فيه، فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم بنعمة ربه أبداً.
وفي ذاتَ يومٍ خرج قارون على قومهِ بجميع أشكال الزينة الموجودةِ عنده، فدُهشت قلوب القوم، وقد تمنوا لأنفسهم أن يكون لديهم مما أوتي قارون، وشعروا أنه في نعمةٍ كبيرة، فردّ عليهم من سمعهم من أهل العلمِ والإيمان: بأن ويلكُم أيها المخادعون، يجب عليكم أنّ أن تحذروا الفتنة، أن تتقوا الله، وعليكم أن تعلموا أنّ ثواب الله ورحمتهٍ خيرٌ من هذه الزينةِ، وإنّ ما عند الله أفضلُ مما عند قارون.
وأنهُ عندما تبلغ فتنةُ الزينة حدّها، وتتهافت أمامها النفوسِ، فتدخلُ قدرةُ الله من أجلّ أن تضع حداً للفتنة، وأن ترحم الناس الضِعاف من إغراءاةِ قارون، وتحطيم غروره وكبريائه، فيأتي العقاب حاسما “فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ” وهكذا في لمحةٍ خاطفة ابتلعتهُ الأرض وابتلعت دارهُ. وذهب ضعيفاً عاجزاً، لا ينصرهُ أحداً، ولا ينتصر بجاهٍ أو مالٍ.
وصار الناس يتكلمون مع بعضهم في عجبٍ واستغرابٍ واعتبار، فقال الذين كانوا يتمنون هذا المال لو أنّ عندهم ما يملكهُ قارون وسلطانه وزينته وحظهُ في الدنيا. ولكن حقاً إنّ الله تعالى يُبسطُ الرزق لمن يشاءُ من عبادهُ ويُوسع عليهم أو يقبض ذلك.
فيجب أن نحمد الله دائماً بأن حفظنا من عذابه الأليم، وأنّ البعض تاب إلى الله سبحانه وتعالى، فحمدوه في الأولى وفي الآخرة، وكان سبب معجزة الله وعطيتهُ لقارون، يعود إلى طلب قارون نفسهُ من النبي موسى عليه السلام أن يدعوا له بأن يرزقهُ مالاً وفيراً فمنّ الله عليه بهذه النعمة التي لم يصنا ولم يُقدر قيمتها.

مواصفات قصر قارون:

إنّ قصر قارون كان عبارة عن مزخرفات كثيرة مليئة بالذهب، فحينما خسف الله الأرض بقصر قارون لم يبقى منه سوى كرسي قارون الذي كان كان يجلسُ عليه، وكان في أسفل ذلك الكرسي حفرةً معتمةً ممتدة إلى أسفل تقدر بعمق الثلاثة أدوار ويُقال أن جثة قارون توجد هناك.
وكل شيءٍ موجود في القصر كان من الذهب بالإضافة في القصركان جميعاً من الذهب حتى الملابس التي كان يرتديها قارون من الذهب. كما عثروا أيضاً في حجرته الكبيرة مستندات من ورق البردي والمكتوب حساباتٌ وأرقام، وقاموا بنقلها إلى المُتحف المصري في مصر. فهل هذه الحسابات هي معادلات كان يستخدمها قارون في تحويل التراب إلى ذهب.
لقد كان القصرُ مكوناً من ثلاثة طوابق ومجموع غرف الموجودة في القصر هي “336” غرفةٍ، ولم يتبق منه سوى الباب الذي تم إعادة بنائه من الجرانيت، وكان من كثرة الأموال التي أنعم الله بها عليه، كان يجد عصبة القوم من عبيده “أقوى أقوياء قوم قارون” صعوبة شديدة في مجرد حمل المفاتيح التي يتم فتح بها خزائنه الممتلئة بالذهب.
وعلى جانبي كرسي قارون يوجد هناك سُلمانِ يوجد على جوانبهما ممراتٌ كانت تُفتح على خارجِ المدينة، لكي يتمكنّ قارون من الخروج منها إذا حدث لهُ أيّ هجومٍ عليه خارج البلاد، أما في الطابق الثاني فكان يوجد فيه خزائنهُ التي كان يضعُ فيها الذهب، أما الطابق الثالث فكان يتعبدُ فيه لإلهين كانا مرسومين على جدار قصره.
وكانت هناك أيضاً بحيرةً تُطلُ على قصر قارون تدعى باسم قارون، والتي أصبحت عن مزاراً للسياحِ، إلى أن جاءت ساعة العذاب، فخسف الله تعالى به الأرض، إلا القليل من هذه البقايا لعلّ بعض الناس ترجع إلى ربها وتتعظ، فقال في كتابه الكريم: “إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ – وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ – قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ – فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ – وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ – فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ – وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ – تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين”. القصص:76-83.



شارك المقالة: