نشأة تفسير القرآن الكريم وتطوره

اقرأ في هذا المقال


إنَّ لعلم التفسير أهمية كبيرة كباقي العلوم الشرعية فهو البوابة الكبيرة التي تُدخلنا إلى عالم معرفة ما المراد والمغزى من الآيات القرآنية الكريمة، فمنذ وجود القرآن الكريم وعلوم القرآن الكريم وُجد علم التفسير، فمنذ عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بدأ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم رحلة التفسير والتحليل في العلوم الشرعية والقرآنية، ومن ثمَّ أكمل الصحابة من بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والتابعين من بعدهم وهكذا إلى يومنا هذا.

تعريف علم التفسير

التفسير لغة: من فسَّر الشيء، بمعنى بيَّنهُ وعَّرفهُ.

التفسير اصطلاحاً: وهو العلم الذي يبحث في كيفية معرفة وفهم معاني القرآن الكريم، المُنزل على سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وبيان أحكامه.

مراحل علم التفسير

مرَّ علم التفسير على مراحل عديدة، من أهمها ما يلي:

أولا مرحلة الفهم والتلقي في علم التفسير

كانت مرحلة الفهم والتلقي أول المراحل في علم التفسير، فكانت في زمن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وفي عهد الصحابة رضي الله عليم وعهد التابعين، فقد كانوا يفسرون القرآن بالقرآن، فالذي يذكر مختصراً في موضعٍ معين في القرآن الكريم فإنَّه يذكر مفصلاً في موضع آخر، فقد كانوا يبحثون عن تفسير سورة معينة في مكان آخر في القرآن الكريم، أو كان الصحابة رضوان الله عليم إن لم يستطيعوا تفسيره من القرآن الكريم يذهبون للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لتفسيره فهو أعلم الناس بالقرآن الكريم.

وكان الذي يريد التفسير إن لم يذهب للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيذهب للصحابة المقربين منه صلَّى الله عليه وسلَّم، كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وابن عباس رضوان الله عليهم أجمعين، وغيرهم من الصحابة المقربين منه صلَّى الله عليه وسلَّم.

ثانيا مرحلة كتابة التفسير وتدوينه

فقد دُوِّن التفسير في بداية الأمر على أنه باب من أبواب الحديث، ومن ثم أصبح علم مستقل بحد ذاته، وكانت هذه الفترة في أواخر العصر والأموي وأول العصر العباسي، وقد دَّوَن واشتهر علماء عدة كتبوا في كلتا الفترتين، فقد اشتهر شعبه بن الحجاج، وسفيان بن عيينة بأنهم كتبوا في التفسير على أنه باب من أبواب الحديث، واشتهر ابن ماجة القزويني، ومحمد بن جرير الطبري فقد اعتبروا علم التفسير علم قائم بحد ذاته.

التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

تكفل الله عزَّ وجلَّ بحفظ القرآن الكريم، قال تعالى: “إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ(17)فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19)” (سورة القيامة:17-19)، فكان النبي صلَّى الله عليه وسلم يفهم القرآن الكريم ومن ثم يفهمه لمن حوله من الصحابة والتابعين، قال تعالى: “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” (سورة النحل:44)، فقد كانت مهمة النبي صلَّى الله عليه وسلم تفسيره وتبيانه للناس.

فقد كان المسلمون جميعهم يفهمون القرآن الكريم؛ لأنه نزل بلغتهم اللغة العربية، ولكنهم كانوا يتفاوتون في الفهم، فمنهم من يفهم المغزى والتفسير كامل ومنهم من يفهم بمرحلة أقل، وقد كانوا الصحابة يعتمدون بالتفسير بأكثر من طريقة، فكانت أهم طريقة كما ذُكر تفسير القرآن بالقرآن الكريم.

وإن لم يستطيعوا تفسيره من القرآن الكريم ذهبوا للنبي صلَّى الله عليه وسلم وكان النبي يبين لهم ما يسألون عنه في نفس الوقت ويؤجل آخر لكي يأتي الوقت المناسب والحدث المناسب لتفسيره، فمن القرآن الكريم لا أحد يستطيع تفسيره إلا بالرجوع له صلَّى الله عليه وسلم كالأوامر والنواهي، والأحكام ومقدارها، وهو المقصود من قوله صلَّى الله عليه وسلم: “ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه”

وإن لم يجد الصحابة التفسير في القرآن الكريم، ولا عند الرسول صلَّى الله عليه وسلم اجتهدوا من أنفسهم وفسروا ما أرادوا تفسيره، فهم يعتبرون من مخلصين العرب وفُصحائهم، ومن ثم يعرضون ما فسروه على النبي صلَّى الله عليه وسلم، ليطلع إن كان فيه خطأ، ولم يدوَّن شيء في هذا العصر بل كانت تروى التفسيرات منثورة من دون تدوين.

أشهر المفسرين من الصحابة

أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، عثمان بن عفان، أُبي بن كعب، ابن مسعود، ابن عباس، أبو موسى الأشعري، زيد بن ثابت، عبدالله بن الزبير، عبدالله بن عمر، أنس بن مالك، عبدالله بن عمرو بن العاص، جابر بن عبدالله، وعائشة، رضوان الله عليهم أجمعين.

التفسير في عهد التابعين

فكما اشتهر التفسير في عهد الصحابة أكمل التابعين مسيرة الصحابة في علم التفسير وقام عدد كبير من التابعين في تفسير القرآن الكريم، ففي عصر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعصر الصحابة لم يفسروا القرآن الكريم بأكمله بل فسروا ما كان غامضاً عليهم ولم يفسروا القرآن الكريم بأكمله، ففي عصر التابعين زاد الغموض لابتعاد الناس عن عصر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فاضطر التابعين ومن تبعهم لتفسير ما لبس عليهم.

انتقل كثر من الصحابة إلى البلدان المجاورة، بسبب كثرة الفتوحات الإسلامية، فقد كان كل من التابعين وتابعينهم يحمل علماً يختلف عن غيره، وهذا كان سبباً لإنشاء مدارس متعددة في جميع البلدان المفتوحة.

المدارس التي اشتهرت في تفسير القرآن الكريم

1-في مكة أنشأت مدرسة ابن عباس واشهر تلاميذه: عطاء بن أبي رباح، سعيد بن جبير، عكرمة مولى ابن عباس، مجاهد، وطاوس بن كيسان اليماني، وهم من الموالي، واختلفوا في الرواية عن ابن عباس واختلفوا بالثقة واخذ الرواية عنهم بالتفاوت.

2- وفي المدينة أنشأت مدرسة أُبَيُّ بن كعب واشهر تلاميذه: أبو العالية، زيد بن أسلم، ومحمد بن كعب القرظي.

3- وفي العراق أنشأت مدرسة ابن مسعود وهي أصل مدرسة أهل الرأي وأشهر تلاميذها: علقمة بن قيس، الأسود بن يزيد، مسروق، عامر الشعبي، عامر الشعبي، الحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي.

فهؤلاء هم إرث علم التفسير وأكبر من روى في التفسير في جميع الأقطار العربية فهم التراث العلمي الخالد لنا والمرجع لنما في جميع تفسيراتنا، فذهب بعض الجماعة إلى الأخذ بتفسيرات هؤلاء التابعين، وبعضهم الآخر لا يأخذ بتفسيراتهم.

التفسير في عهد التدوين

بدأ التدوين في  أواخر عهد بني أميَّة وأوائل عهد العباسيين، ولكن بدأ التفسير كما ذُكر سابقاً كباب من أبواب الحديث ودوِّن فيه، ومن ثمَّ انفرد التفسير ببابٍ خاص له فقد فسَّر العلماء القرآن الكريم بالترتيب من أول سورةٍ إلى آخرها بالترتيب، كتفسير ابن ماجه وتفسير الطبري والنيسابوري، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وكانت تفاسيرهم مرويةٌ بالإسناد عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعن الصحابة والتابعين، وكانت أقوى التفاسير تفاسيرهم لأنها بالإسناد.

هكذا وفي النهاية فعلم التفسير بحرٌ واسعٌ وعلمٌ شاملٌ وما تبقى منه أكثر مما ذكر، لاتساع العلماء من قبل في هذا العلم الجليل، فارتباطه بالقرآن الكريم يزيد من شدة التمسك به والعمل على الكتابة فيه والشرح والتوسع فيه، وعلوِّ مكانته العلمية وبين العلوم الشرعية، فكل علم قريبٌ من القرآن الكريم يعد علماً جليلاً وعظيماً، فكيف لو كان بتفسير كلمات وآيات القرآن الكريم فيزداد مكانة وإجلالاً.


شارك المقالة: