أحكام التدبر في دلالات القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


إن الهدف المنشود من حفظ القرآن الكريم وتجويده، التدبر والتفقّه والتخلّق بأحسن الأخلاق، والمحافظة على تعهد تلاوته دون انقطاع، مع الحرص على فهم معانيه وتفسير آياته وشرحها، ويكون ذلك كله من خلال التدبر، فما هو المعنى لتدبر آيات القرآن الكريم؟ وما حكم التدبر؟ وما هي ضوابط التدبر في دلالات القرآن الكريم؟

معنى التدبر في القرآن الكريم

التدبر: هو أن يتمعن القارئ ويتفكر خلال تلاوته للقرآن الكريم في معنى آياته ودلالاتها، ويكون هذا التدبر فهمًا وتفقهًا بالمقصود من الآيات الكريمة، للعمل بها واتباعها في جميع مواقف حياة الإنسان، لأنّ القرآن يعلم المسلم على الأخلاق والسلوكيات التي يجب التزامها في حياته.

حكم تدبر آيات القرآن الكريم

إنّ تدبر آيات القرآن الكريم وفهم معانيها أمر واجب على كل مَن يقرأ القرآن الكريم ويتلو آياته، إن كان عالماً أو قارئاً أو متعلماً من عامة الناس، فقد أوجب الله تعالى العمل بالقرآن من خلال تدبر آياته وفهم معانيها على جميع المسلمين، حيث قال سبحانه وتعالى: “كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ” سورة ص 29.

ضوابط التدبر في دلالات القرآن الكريم

  1. يجب على القارئ أن يكون عالماً بقواعد رسم القرآن وحدوده، وعلى دراية بأحكام التجويد والتلاوة، وما تشير إليه علامات الوقف والوصل وغيرها، فهذا من أهم الأمور التي تعين القارئ على فهم معاني القرآن الكريم، والتفقّه بأحكام الدين والعمل بمراد الله تعالى.
  1. أن يكون القارئ ملماً باللغة العربية ومحيطاً بقواعدها، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” سورة يوسف آية 2، كما أنَّ الشعر مأوى لقواعد اللغة وأساليبها وبيانها وبلاغتها، كما أخبر ابن عباس في قوله: “إن استشكل عليكم شيءٌ من القرآن فالتمسوه في الشعر ديوان العرب”.
  1. أن يكون القارئ على دراية بمعاني مفردات القرآن الكريم، ويجعل ما يتفكر به في سياق أهل التفسير، حتى لا يُخطئ في تعليم من يتدبّر كتاب الله تعالى ويكون سبب نشر ما يُخالف تفسير أهل القرآن لآيات القرآن الكريم، فيقع القارئ بالإثم بسبب تقوُّله على الله بما لم يكن.
  1. ألا يقتصر القارئ على ضبط كتابة القرآن ورسمه، ولا يكون مركزاً على إيضاح المعاني اللغويَّة للمفردات، أو الأحكام الفقهيَّة فقط، وإنما عليه أن يكون فاتحاً لقلبه كالوعاء، الذي يتسع لما يصبّه الله تعالى فيه، وما يحققه ويُمضيه على عقله من غايات ونوايا.
  1. أن يكون القارئ عاملاً بما تعلمه من القرآن الكريم، وأن يتعايش لتعاليمه في جميع جوانب حياته، منضبطاً بحدود ما تعلمه من أحكام، منفذًا لما علم به من أوامره، ومبتعداً عما ذُكر في القرآن من نواهٍ، ومعتمد القرآن دستوراً مسيّراً لظروف حياته، وحاكمه الذي يعود إليه في الحكم على كل أمر صغيراً كان أو كبيراً، وأن يتخلق بأخلاق القرآن، بالعمل بما يُعطيه إياه من سلوكيات وآداب.
  1. أن يتلو القارئ آيات القرآن الكريم باستمرار، ليتولَّد بينه وبين القرآن ألفة وعشرة تجعله متعايشاً معه، فمن تقرب من الله تعالى بالقرآن كان الله قريباً له، ويعطيه ما يجعله متزن الحال في الدنيا والآخرة.
  1. ومن ضوابط تدبر القرآن أن يكثر القارئ من قيام الليل بتلاوة القرآن، فإنَّه من أفضل ما للمسلم أن يفتح له قلبه، وتتأهب له نفسه من معاني ومقاصد ومفاهيم لتحقيق مراده الله سبحانه وتعالى من آياته.
  1. على قارئ القرآن أن يجهّز المكان الذي يتلو فيه القرآن، ليكون المكان الطاهر المنظم، الذي لا يوجد فيه ما يُشغل القارئ عن التفكر والتمعن بالآيات التي يتلوها.
  1. أن يخلص المسلم لله في تلاوته لآيات القرآن الكريم، وينوي هذه العبادة لوجه الله تعالى، فيفتح الله تعالى للقارئ المخلص في عبادة باب الفضل في الدنيا والآخرة، وإن أراد القارئ غير وجه الله تعالى في تلاوته أغلق الله تعالى عليه باب الخير الذي لا يأتي من طريق الرياء والتظاهر بالعبادة.
  1. أن يرافق القارئ مَن يعينه على تعلم آيات القرآن الكريم وتدبرها، يُصوب له إن أخطأ، يتتعلم منه إن كان على صواب، ويكون باب النصيحة له إن كان بحاجة للنصيحة، ويسير معه في طريق العبادة والرضا لله تعالى.

ومن أقوال الصحابة _رضي الله عنهم_ في حلاوة تدبر القرآن وجمال التفكر في آياته، قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_: “ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائه إذا النَّاس يضحكون، وبصمته إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون”.

فالقرآن الكريم دواء لتطبيب النفوس وتطهيرها، وتسيير للعقول النيرة وإرشادها، ولا يكون ذلك بتلاوته مع التدبر، وقيام الليل به، والتضرُّع به عند السحر، ومجالسة أهل القرآن.


شارك المقالة: