إنّ الحديث النّبويّ الشّريف مرّ بمراحل عديدة من الرّواية والنّقل والتدوين حملوه رجال الحديث ليصلنا متّصل السند، ومدوّناً في بطون الكتب والمصنّفات، وقد كانت طبقات السند للحديث حاملة أسماء الرّواة الّذين عرف الحديث من طريقهم، بداية من الصّحابة الأجلّاء وصولاً إلى التّابعين ناقلي الحديث من طريق الصّحابة، ومازلنا نبحث في رحلتنا عن أسمائهم فوصلنا إلى عصر التّابعين إلى راوٍ منهم يسمَّى الأعْمَشْ فتعالوا معنا في سيرته العطرة.
نبذة عن الأعمش
هو الإمام التابعيّ شيخ المحدّثين كما قال عنه الإمام البخاريّ رحمهما الله، أبو محمّد، سليمان بن مَهران الكاهليّ، ولد في الكوفة بالعراق في العام الأوّل بعد السّتين من الهجرة وقيل في طبرِستان، وسمي بالأعْمْش لإصابته بالعَمَش وهو ضعف البصر بعد مرَضٍ ألمّ به صغيراً، وعرف عالمنا في زمنه بعلمه في القراءات والفقهِ والحديث وكان من العلماء العُبّاد، وعرف بفقره عليه رحمة الله ولكنّه كان عزيز النّفس في الطلب، وبقي في طلب العلم والتعليم حتّى وفاته في عام مئة وثمانٍ وأربعين للهجرة .
روايته للحديث
كان الإمام الأعمش من التّابعين الّذين اجتهدوا في طلب الحديث النّبويّ من الصّحابة رضوان الله عليهم ، وقد أخذ الأعمش من طريق كثير منهم: أنس بن مالك وابن أبي أوْفى، وروى أيضاً عن التّابعين ومنهم زيد بن وهب وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، كما روى الحديث كثير من طريق الأعمش كالحَكم بن عُتبة والسّبيعيّ وأيوب السّختيانيّ والنعمان أبي حنيفة والأوزاعيّ وغيرهم كثير، وقد كانت روايته لأكثر من ألف وثلاثمئة حديث من الصّحابة والتابعين، وقال عنه أهل الحديث وعلم الجرح والتعديل بأنَّه ثِقة ثبت.
من حديث الأعمش
ممّا روي من الحديث من طريق الأعْمَش ما رواه الإمام مسلم في صحيحة ما حدّث به أبو معاوية عنه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ((قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( لا تسبّوا أَصحابي لا تسبّوا أَصحابي فوالّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباَ ما أدرك مُدّ أحدِهِم ولا نَصِيفَه) من كتاب فضائل الصّحابة/2540)).
في فضل الأعمش
لقد روي في فضل الأعْمَش كثير من الروايات ومنها ما تناوله الإمام الذّهبيّ بسير أعلام النّبلاء عن يحيى القطّان أنّه قال: ((الأعْمَشُ علّامة الإسلام)وقال وكيع بن الجرّاح: (كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تَفُتْه التكبيرة الآولى).