لقد كانَ للصّحابَةِ رُضْوانُ اللهِ عليْهِمُ الفَضْلَ الكَبير في علمِ روايَةِ الحديثِ النَّبويِّ الشَّريف وقدْ كانوا في ما عنْدَهُمْ من مخْزونِ الرِّوايَة مرجِعاً لكثيرٍ منَ التَّابعينَ الّذين تابعوا مسيرَتَهم في الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ ونَقْلِهِ فكان التَّابعون يسيرونَ ويرْحلُونَ لهم أَيْنَما حلُّوا ورَحلوا لِعِلْمِهِم بفضِلِهِم وثِقَتِهم بما ورَدَ عنْ رسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّم، وقدْ كانَ الحديثُ في زَمنِ التَّابعينَ واسِعُ الإنْتِشارِ في الأقطارِ الإسلاميَّة ليصلَ إلى الشَّامِ والكوفَةِ والبَصْرَةِ وغيرِها، فتعالوا معنا في رحْلَةٍ إلى العِراقِ وبالتّحديدِ إلى مدينَةِ واسطَ لنكتب عنْ أحدِ رُواتِها التَّابعينَ، إنَّهُ مَنْصورُ بنُ زَاذَانَ الواسِطِيُّ، ولنَقْرَأ في سيرَتِهِ معَ الحديثِ النَّبويِّ.
نبذة عن منصور بن زاذان:
هو: التَّابعيُّ الجليلُ، أَبُو المُغيرَةِ، مَنْصورُ بنُ زَاذَانَ، الثَّقَفِيُّ الواسِطيُّ، منْ رواةِ الحديثِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ، كانَ من سُكَّانِ مدينَةِ واسطَ بالعراقِ، وأدْركَ منَ الصَّحابَة أنسَ بنَ مالِكٍ وروى الحديثَ عنْهُ، وقيلَ عنْهُ أنَّه كانَ منَ العبَّادِ التَّابعينَ كثيرُ القراءَةِ للقُرانِ الكَرِيمِ سريعُ القراءَةِ وكثيرُ الخِتْمَةِ لهُ، وكانَتْ وفاتُهُ في العامِ الحادِي والثَّلاثينَ بعدَ المائَةِ منَ الهِجْرَةِ يرْحَمُهُ اللهُ.
روايته للحديثِ:
كانَ منصُورُ بنُ زَاذَانَ منْ رواةِ الحديثِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ، وقدْ روى الحديثَ منْ جيلِ الصَّحابَةِ منْ طريقِ أنسِ بنِ مالِكٍ رضي اللهُ عنْهُ، كما روى عنْ جيلِ التَّابِعينَ من طريقِ الحسَنِ البَصْريِّ ورُفَيْعِ بنِ مَهْرانَ أبي العاليةَ الرِّياحيِّ ومحمَّدِ بنِ سيرينَ وعمرو بنِ دينارٍ والحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ وقتَادَةَ بنِ دِعامَةَ ومُعاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ وعطاءِ بنِ أبي رَباحٍ وحُمَيْدِ بنِ هِلالٍ وغيرِهِم يرحَمُهُمُ الله.
أمَّا منْ روى الحديثَ منْ طريقِ مَنْصورِ بنِ زَاذَانَ فَمِنْهُمْ: الوَضَّاحُ اليّشْكُريُّ أبوعَوانَةَ وشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ ومُسْتَلِمُ بنُ سَعيدٍ الثَّقَفِيُّ وهُشَيْمُ بنُ بَشِيرٍ وجريرُ بنُ حازِمٍ ومُحمَّدُ بنُ مَيْمونٍ وغيرِهم يرْحَمُهُمُ اللهُ، كما كانَ منْ الثِّقاتِ في روايَةِ الحديثِ وروى لهُ النَّسائِيُّ وأبو داوودَ والتِّرْمِذيُّ منْ أصحابِ السُّنَنِ.
من رواية منصور بن زاذان للحديث:
مِمّا وجَدْناهُ منَ الحديُ النَّبويِّ من روايةِ مَنْصُورِ بنِ زاذَانَ ما أورَدَه الإمامُ أبو داوودَ في السُّنَنِ في كتابِ النِّكاحِ: (( حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إبْراهيمَ، حدَّثَنا يزيدُ بنُ هارُونَ، أَخْبَرَنَا مُسْتَلِمُ بنُ سَعِيدٍ ـ ابنُ أُخْتِ مَنْصُورِ بنِ زَاذَانَ ـ عنْ منصورٍـ يعْنِي ابنَ زَاذَانَ ـ عنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عنْ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وإنَّها لا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُها؟ قالَ: ( لا ). ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فقَالَ: ( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ ). حكمُ الحديثِ حسَنٌ صَحِيحٌ ورَقَمُهُ 2050 )).
