أشأم من طويس

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر الأمثال الشعبية كنزاً ثميناً تزينه تجارب الإنسان عل مرّ الزمان، والتي عاشتها ومرت بها المجتمعات منذ قديم الزمان، وذلك من خلال وقائع ومواقف، استطاعت عقول البشر أن تصوغها بجمل قصيرة موجزة، غير أنها تتميز بكثافة الفكرة، كما أنها تعكس استيعاب وإدراك الإنسان لتلك الحالة، والفطنة والتنبّه لها ثم صياغتها بطريقة أدبية وبلاغية، والأمثال الشعبية هي واحدة من الخصوصيات الثقافية التي تتسم بها الشعوب، وقد ينفرد شعب ما بترديد مجموعة منها، وقد يشترك فيها مع غيره من الشعوب، مع وجود اختلافات بسيطة، كل حسب أسلوبه ولهجته.

فيم يضرب مثل أشأم من طويس؟

يعجّ تراثنا العربي الفريد بالكثير من الأمثال الشعبية التي قيلت كان مضمونها التشاؤم، ولعل أكثر تلك الأمثال شهرة المثل القائل: “أشأم من طويس”، والذي يُضرب في الأشخاص الذين يمثلون حالات الشؤم على أنفسهم، أو على غيرهم، وأما طويس هذا فقد كان مطربًا ينقر الدف في عهد الإسلام، وكان أول من غنى باللغة العربية حينها، فقد كان من يطرب وقتها يطرب بالفارسية لا العربية.

طويس تصغير لطاوس، وهي كنيته التي صغرها الناس؛ وذلك لأنه سلك درب الحانات والغناء، أما اسمه فهو: “أبو عبد المنعم عيسى بن عبدالله الذائب”، وسبب تسميته بالذائب ذلك أنه كان يردد بيتًا يقول فيه:

“قدْ براني الشوقُ حتى صرتُ من وَجْدي أذوبُ”، وقد ولد طويس سنة 11هـ في المدينة المنورة، وهي نفس السنة التي توفي فيها رسول الله صلّ الله عليه وسلم.

قصة مثل أشأم من طويس:

أما قصة مثل أشأم من طويس، فطويس نفسه قد تحدث عن قصة ارتباطه بالشؤم وكيف نظر الناس له بشكل سيء، ذلك أن ميلاده تزامن مع موت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقد ولد طويس يوم مات الرسول الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وكما أنه قد فُطم في ذات اليوم الذي مات به خليفة رسول الله أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، واحتلم يوم مقتل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتزوج يوم قتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وحتى حينما وُلد له ولد، جاء ذلك متزامنًا مع اليوم الذي قُتل فيه الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، لكل هذا كان يراه الناس شؤمًا، وكما أنه هو نفسه كان يقرّ ويعترف بذلك.

في يوم من الأيام كان طويس يتجول في المدينة، فما كان من الناس إلا أن تجمعوا حوله، فقال: “يا أهل المدينة تنبؤوا أن يخرج الدجّال ما دمت أحيا بينكم، فإذا ما مت فقد أمنتم، ذلك أن أمي كانت تمشي بالنمائم بين نساء الأنصار، وإني قد ولدت في الليلة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وفطمت في اليوم الذي مات فيه أبو بكر، وبلغت الحلم في اليوم الذي قتل فيه عمر، وتزوّجت في اليوم الذي قتل فيه عثمان، وولد لي ولد في اليوم الذي قتل فيه علي”، لذلك كان يردد أهل المدينة أن لا يوجد أحد أشأم من طويس، ومن هناك جاء المثل وقد قال في نفسه الشعر حيث قال:

“أنا أبو عَبْد النعيم أنا طاووسُ الجحيم
وأنا أشأم مَنْ دَبّ على ظهر الْحَطيم”.

موقف طويس مع سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:

من المواقف المشهورة التي وقعت مع طويس، أن عمر بن عبد العزيز خرج ذات يوم إلى الحج، وقد كان واليًّا على المدينة، وكان ممّن خرج كذلك “بكر بن إسماعيل الأنصاري”، ومعه “سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت “، فمرا بطويس، فطلب إليهما أن ينزلا ببيته، بينما هما عائدان، فقال له بكر بن إسماعيل: قد البعير إلى منزلك، بينما اعترض سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت قائلًا: أتنزل على هذا المخنت؟ فقال بكر: ما هي إلا ساعة نجلسها ثم نذهب، وحينها احتمل طويس كلام سعيد بن عبد الرحمن، ولما وصلا إلى بيته وجدوه نظيفًا مرتبًا، وقدم لهما أشهى الطعام والفاكهة، وبينما هم جلوس سأله بكر عن غنائه، فأخرج دفه وغنى لهم الأبيات التالية:

“يا خليلي نابني سُهـدي لـم تنم عيني ولم تكدِ
كيف تلحوني على رجـلٍ مـــؤنسٍ تلتذّهُ كبدي
مثل ضوءِ البدر صورتـهُ ليس بالزُمَّيْلةِ النكِــدِ
مـــن بني آل المغيرة لا خاملٍ نَكْسٍ ولا جَحْدِ
نظرت عيني فلا نظرت بعده عيني إلى أحَــــدِ”

حين انتهى طويس من غنائه، التفت إلى سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، وسأله: أتعرف من هو قائل هذه الأبيات؟، ثم أكمل حديثه قائلًا: قالته خولة ابنة ثابت عمتك في مناجاة عمارة بن الوليد بن المغيرة، فأسند بن عبد الرحمن رأسه إلى صدره وأطرق صامتًا، فقال له أبو بكر: لو لم تُسمعه ما أسمعته، ما أسمعك ما سمعته، ولما بلغت القصة عمر بن عبد العزيز: قال واحدة بواحدة والبادئ أظلم.


شارك المقالة: