اقرأ في هذا المقال
- لماذا ضرب المثل بالعقوق في الضبّ؟
- تفسير مثل “أعقّ من ضبّ”
- أصل ذكر مثل “أعقّ من ضبّ”
- أمثال عربية مرادفة لمثل “أعقّ من ضبّ”
- الكبش والتيس في الأمثال العربية
للأمم التي تحيا على هذه البسيطة موروثها الثقافي الخاص بها الذي يميزها عن غيرها من الشعوب، وذلك الموروث يعبّر بدوره ويصور الكثير من الأحداث والمناسبات، والتي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل، مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.
يزخر التراث العربي الأصيل بالحكم والأمثال، فمنها ما ضُمّن بيتًا شعريًّا قديم فصار مثلًا، وبعضها ما قيل في صورة موعظة وحكمة فصار مثلًا، وكل تلك الأمثال والحكم أتت نتيجة مواقف وحوادث متفرقة، والذي صار منها مثلًا، تناقلته الأجيال حتى يومنا هذا، للتعلم والعظة، وأما مثلنا الذي بين أيدينا: “أعقّ من ضبّ”، فقد قيل هذا المثل في قديم الزمان، وله قصة سيتم ذكرها فيما يلي من سطور.
لماذا ضرب المثل بالعقوق في الضبّ؟
الضبّ حيوان بريّ من الزاحف ويعيش في الصحارى، وقد ضُرب به المثل بالبخل، وضرب بذيله المثل بالتعقيد، فقيل: “أبخل من ضبّ”، وكما قيل: “أعقد من ذيل الضبّ”، ولكن لماذا ضرب به المثل أيضًا بالعقوق، إذ قيل: “أعقّ من ضبّ”، ذلك أن الضبّ رغم صبره علي الجوع إلا أنه أحيانًا يأكل أولاده، ولأن العرب حاولوا تربيته وتدجينه، غير أنه لم يكن وفيًا لهم، فهو عديم الوفاء لمن يطعمه ويرعاه؛ فاشتهر بالعقوق، كما أن ذكر الضب يقتل أنثاه بعد أن تضع بيضها.
تفسير مثل “أعقّ من ضبّ”:
قال أحدهم: أرادوا ضبة ” أي الأنثى” فكثر الكلام بها، فقالوا: قل: “ضب”، فقال: يجوز أن يكون الضب اسم الجنس، كالنعام والحمام والجراد، وإذا كان كذلك، وقع على الذكر والأنثى، وأما عقوقها فلأن الضبة إذا باضت حرست بيضها من كل ما قدرت عليه من ورل وحية وغير ذلك، فإذا نقبت أولادها، وخرجت من البيض، ظنتها شيئًا يريد بيضها فوثبت عليها تقتلها، فلا ينجو منها إلا الشريد.
أصل ذكر مثل “أعقّ من ضبّ”:
“أعقّ من ضبّ” مثل قد وضعه العرب في موضعه، وجاؤوا بسببه ثم أتوا إلى ما هو في العقوق مثل الضبة، فضربت به المثل على الضد، فقالوا: “أبر من هرة”، وهي أيضًا تأكل أولادها، فحين سُئلوا عن الفرق، وجهوا أكل الهرة لأولادها، إلى شدة الحب لها، فلم يأتوا في ذلك بحجة مقنعة، وقد قال الشاعر:
“أما ترى الدهر وهذا الورى كهرة تأكل أولادها”.
أمثال عربية مرادفة لمثل “أعقّ من ضبّ”:
قال العرب أيضًا: “أكرم من الأسد، وألأم من الذئب”، ولما طُلب إليهم أن يأتوا بالفرق، قالوا: أما كرم الأسد فذلك أنه حين يشبع يتجافى عما يمر به، ولؤم الذئب أنه في كل أوقاته، متعرض لكل ما يعرض له، وقالوا: إنه من تمام لؤم الذئب أنه ربما يعرض للإنسان منه اثنان، فيتساندان ويقبلان عليه إقبالًا واحدًا، فإن أدمى الإنسان واحدًا من الذئبين، وثب الذئب الآخر على الذئب المدمي؛ فمزقه وأكله وترك الإنسان، وقد أنشد بعضهم قائلًا: “وكنت كذئب السوء لما رأى دمًا بصاحبه يومًا أحال على الدم”، ومعنى أحال: “أي أقبل”، وقالوا: فليس في مخلوقات الله عز وجلّ ألأم منه، إذ إنه يحدث له هياج عندما يرى الدم، فيحدث له طمع ويؤدي هذا الطمع إلى قوة تعدو به على الآخر.
الكبش والتيس في الأمثال العربية:
مما أجراه العرب من الأمثال مجرى الذئب والأسد والضب والهرّ في تضاد النعوت؛ الكبش والتيس فإنهم يقولون للزعيم “يا كبش”، وأما الجاهل فيدعونه “يا تيس”، ومع ذلك لا يأتون بسبب، وكذلك المعز والضأن يقولون فيهما فلان ماعز الرجال، وفلان أمعز من فلان أي أمتن منه، ثم يقولون فلان نعجة من النعاج إذا وصفوه بالضعف والموق، وقالوا العنوق بعد النوق ولم يقولوا الحمل بعد الجمل، وقد قيل في معنى “العنوق بعد النوق”: أي بعد الحال الجليلة صغر أمركم، وهذا كما يقال : “الحور بعد الكور”، وكذلك يقولون: “أبعد النوق العنوق”، فان أرادوا ضد ذلك قالوا: أبعد العنوق النوق، والأفراس عند العرب معز الخيل والبرازين ضأنها، كما أن البخت ضأن الإبل والجواميس ضأن البقر، وهذا كما حُكي عن ثمامة أنه قال: النمل ضأن الذر وخالفه مخالف، وقال: النمل والذر كالفأر والجرذان.