ألقاب وصفات الفيلسوف بوذا

اقرأ في هذا المقال


بوذا من الناحية اللغوية فإنّ الكلمة السنسكريتية وتعني الشخص الذي استيقظ، وفي سياق الديانات الهندية يتم استخدامه كعنوان شرفي للفرد المستنير، كما تشير هذه الاستعارة إلى التغيير في الوعي الذي وفقًا للبوذية هو دائمًا سمة من سمات التنوير، وإنّه يشير إلى الآخر والروعة المرتبطين بمن سموا بهذه الصفة في التقاليد البوذية المختلفة، ويرتبط بوذا أيضًا اشتقاقيًا بالمصطلح السنسكريتي بوذي والذي يشير إلى الذكاء والفهم، وهكذا يمكن أن يقال إنّ الشخص الذي استيقظ هو الشخص الذي يعرف.

معنى مصطلح بوذا:

في السياق البوذي التقليدي يعتبر بوذا مصطلحًا أو عنوانًا تسميًا أي مصطلح أو عنوان شامل في طابعه، كما هو الحال مع جميع ألقاب المناصب (على سبيل المثال الملك)، فإنّ مصطلح بوذا لا يشير فقط إلى شاغل الوظيفة ولكن أيضًا إلى إطار مفاهيمي أكبر، كتسمية يصف بوذا شخصًا عن طريق وضعه في فصل دراسي بدلاً من عزل السمات الفردية وتحليلها، وإنّه يؤكد على النموذج الذي يتم عرضه بدلاً من الصفات أو الخصائص المميزة.

اعتمد البوذيون مصطلح بوذا من الخطاب الديني في الهند القديمة وأعطوه بصمة خاصة تمامًا كما فعلوا مع الكثير من مفرداتهم، ومع ذلك يبدو أنّ البوذيين الأوائل ربما لم يطبقوا المصطلح فورًا على الشخص -غوتاما التاريخي- الذي اعترفوا به على أنّه مؤسس مجتمعهم، ففي روايات المجلسين البوذيين الأولين (أحدهما عقد بعد وفاة غوتاما مباشرة والآخر بعد عدة عقود) يُنطق غوتاما على أنّه البهاغافان وأستاستي أي المعلم وليس على أنّه بوذا، ومع ذلك بمجرد اعتماد مصطلح بوذا لم يصبح فقط التعيين الأساسي لغوتاما ولكن أيضًا لعب دورًا مركزيًا في البنية الأساسية للفكر والممارسة البوذية.

بوذا عبر الزمان:

من المؤكد أنّ أحد أقدم الأشكال وأكثرها انتشارًا والتي عبر فيها البوذيون عن صورتهم عن غوتاما بوذا وولّدوها كان من خلال وسيط الصفات، على سبيل المثال في ماججيما نيكايا (Majjhima Nikāya)، قام صاحب منزل يدعى أوبالي (Upāli) بعد أن أصبح من أتباع بوذا بتهليله بمئة صفة، وتضيف النسخة السنسكريتية من هذا النص أنّ أوبالي تحدث بهذه الصفات بشكل عفوي تعبيراً عن إيمانه واحترامه، فعلى مر القرون ركزت تعداد هذه الصفات وغيرها على الجوانب غير العادية لشخص بوذا على طبيعته الرائعة، وبذلك أصبحوا أساسًا للأدب التعبدي البوذي وكان إعلانهم دعمًا للممارسة التعبدية والتأملية.

تم تطبيق عدد لا يحصى من الصفات والألقاب على بوذا على مر القرون، ولكن بوذا نفسه كان مفضلاً بشكل خاص للتفسير، حتى عند سماع كلمة بوذا يمكن أن يجعل الناس يفرحون لأنّه كما يقول شرح ثيرافادا على سايوتا نيكايا (Saṃyutta Nikāya): “من النادر جدًا سماع كلمة بوذا في هذا العالم”، فقد استكشف بايسامبيدا (Paṭisambhidā) وهو إضافة متأخرة لقانون ثيرافادا (Theravāda)، فأهمية كلمة بوذا بالقول: “إنّه اسم مشتق من التحرير النهائي للأولاد المستنيرين والطوباويين جنبًا إلى جنب مع المعرفة كلي العلم في أصل شجرة التنوير، حيث هذا الاسم بوذا هو تسمية تقوم على الإدراك“.

قام صن تشو (Sun Chou) وهو كاتب صيني من القرن الرابع بشرح لقب بوذا بطريقة مختلفة إلى حد ما تذكرنا بالحكيم الداوي (Daoist): “بوذا يعني الشخص الذي يجسد الطريق، حيث إنّه الشخص الذي يتفاعل مع المنبهات (من العالم) في كل ما هو سائد (مع احتياجات جميع الكائنات)، فالشخص الذي يمتنع عن النشاط والذي لا يزال نشطًا عالميًا”.

معلم الآلهة والرجال:

تبرز صفات معينة وألقاب محددة لبوذا قد تظل بدون تأكيد أو غامضة، وهكذا فإنّ لقب معلم الآلهة والرجال (satthar devamanussānāṃ) يستخدم في مهانيديسا (Mahāniddesa) وهو نص آخر متأخر من تقاليد ثيرافادا، وذلك لإظهار بوذا كشخص يساعد الآخرين على الهروب من المعاناة، حيث تعتبر التقنيات المستخدمة -استغلال تعدد المعاني والتورية العادية واشتقاق أصول الكلام المعقدة- هي المفضلة لدى المعلقين البوذيين لفضح أهمية اللقب.

كما إنّه يعلم عن طريق الحاضر عن الحياة الآتية والهدف النهائي، ووفقًا للحالة فهو معلم ساتار (satthar): “المبارك هو قائد قافلة (satthar) منذ أن أحضر قوافل المنزل، وتمامًا كما يحصل الشخص الذي يحضر بيتًا متنقلًا إلى منزله على قوافل عبر برية، وتجعلهم يصلون إلى أرض آمنة، كذلك فإنّ المبارك هو قائد قافلة وهو الذي يجلب القوافل إلى المنزل حيث يجتازهم برية الولادة”.

ألقاب تعود إلى اسمه ونسبه:

تشير بعض صفات بوذا إلى نسبه واسمه، فعلى سبيل المثال حكيموني (Śākyamuni)، أي حكيم من قبيلة الحكية، واسمه الشخصي سيدهارثا أي الذي تحققت أهدافه، ويشير البعض إلى النماذج الدينية الأسطورية التي تم التعرف عليها حيث تعني كلمة (mahāpuruṣa) شخص كوني عظيم.

كما يشير كاكرافارتين (cakravartin) إلى الملك العالمي، مالك جواهر السيادة السبع الذي يحرك عجلة الحكم الصالح، والبعض -مثل البهاغافان (bhagavan)- ينقل إحساسًا بالسيادة الطيبة، أما البعض الآخر – مثل تاغاتا (tathāgata) (هكذا يأتي) أو (هكذا ذهب)- يحتفظ على الأقل في وقت لاحق بهالة من الغموض بل الغموض المهيب، كما تعرف الألقاب المختلفة بوذا على أنّه قد حقق الكمال في جميع المجالات، فحكمته كاملة وكذلك هيئته الجسدية وطريقته، وفي بعض الحالات تشير الصفات إلى أنّ بوذا لا مثيل له، وأنّه قد بلغ قمة العالم.

قد اختتم العالم البوذي والرائد في مجال تأسيس الدراسات البوذية في القرن العشرين أندريه بارو (André Bareau) دراسته بأنّ بوذا كان الشخصية الخارقة، فرمزيته في ماهابارينيرفاشا-سيترا (Mahāparinirvāṇa-sūtra)، والتي تعد إلى حد كبير فحصًا للصفات والألقاب فمن المهم القول إنّه من خلال هذه الصفات بدأ المؤلفون في تصور تجاوز بوذا، من حيث أنّه مثالي في جميع النقاط ومتفوقًا من خلال المسافة من جميع الكائنات وفريد من نوعه، ومن الواضح أنّ التطويب اتخذ في فكر أتباعه المكان الذي ينسبه أتباع الديانات العظيمة إلى الإله العظيم الذي يعبدونه.

نعت ألقاب بوذا بالإضافة إلى احتلاله مكانة مركزية في التفاني البوذي، وتظهر في تأمل (Buddhānusmṛti) تذكر بوذا، بأنّ هذا الشكل من التأمل مثل جميع ممارسات التأمل البوذية كان هدفه الانضباط وتنقية العقل، ولكن بالإضافة إلى ذلك كان أسلوبًا للتخيل وطريقة لاستعادة صورة المؤسس.

تعتبر ممارسة التخيل عن طريق التأمل على الصفات مهمة في تقليد ثيرافادا الرهباني والعلماني، كما أنّها كانت شائعة جدًا في مجتمعات سارفاستيفا (Sarvāstivāda) في شمال غرب الهند ومؤثرة في تقاليد الماهايانا (Mahāyāna) المختلفة في الصين، حيث كان له دور فعال في تطوير مفهوم المحاية عن الأجسام الثلاثة (trikāya) لبوذا، ولا سيما الجسد الثاني أو المرئي الذي كان يُعرف باسم سايبوغاكايا (saṃbhogakāya) أي جسم المتعة.

المصدر: Buddha (c. 500s B.C.E.)BuddhaAlbahari, Miri, 2006. Analytical Buddhism, Basingstoke: Palgrave Macmillan, 2014. ‘Insight Knowledge of No Self in Buddhism: An Epistemic Analysis,’ Philosophers’ Imprint.Anālayo, Bhikkhu. 2018. Rebirth in Early Buddhism and Current research, Cambridge, MA: Wisdom.Gethin, Rupert, 1998. The Foundations of Buddhism, Oxford: Oxford University Press.


شارك المقالة: