يبدأ الفيلسوف أوليمبيودوروس تعليقه على أفلاطون الكبياديس (Plato’s Alcibiades) بإيماءة كبيرة من حيث أنّ أرسطو قد بدأ علم اللاهوت الخاص به بالكلمات، حيث كل الناس بطبيعتهم يرغبون في المعرفة، والدليل على ذلك هو حب الإنسان للإدراك.
أوليمبيودوروس والتعليق على فلسفة أفلاطون:
لا بد من القول بأنّ كل الناس لديهم رغبة في فلسفة أفلاطون، وذلك لأنّ كل الرجال يريدون استخلاص شيء مفيد منها، حيث يعمل أوليمبيودوروس بجد لجذب جمهوره بشغفه الخاص لأفلاطون.
فمن سمات عمله بأكمله أنّه يصرح لهم في المقام الأول أنّ شيئًا مفيدًا يمكن اكتسابه من دراسة أفلاطون، فهو كما لو كان يجمع فسيفساء بيزنطية يسلّم أوليمبيودور لطلابه الشظايا والقطع الصغيرة التي يمكن أن ترقى بالعدد والترتيب المناسبين، إلى التعليم الكلاسيكي.
تزخر تعليقاته على أفلاطون بالإشارات إلى هوميروس وديموسثينيس وخطيب القرن الثاني الميلادي إيليوس أريستيدس وبلوتارخ وإبيكتيتوس وأرسطو، بالإضافة إلى أعمال أفلاطون غير تلك التي تم التعليق عليها ولا سيما الجمهورية حتى لو لم يقرأه طلابه بعد.
ويتشكّل لدى المرء انطباع بأنّ أوليمبيودوروس يوجه انتباه تلاميذه بلطف ولكن بحزم إلى عالم فكري ينتظرهم لاكتشافه ويكون إذا أرادوا ذلك، ونحن ندخل حقبة في العصور القديمة المتأخرة لم يعد فيها أفلاطون وأرسطو بوابات للحقيقة، ويتحولان إلى نوع من التراث الثقافي الذي كان يستحق البقاء على قيد الحياة لأسباب أخرى، فقد أُطلق على أوليمبيودوروس بحق لقب الكلاسيكي الأول.
هذا الجهد المبذول لوقف موجة الفقر الثقافي تم تعبئته وتنظيمه بعناية دون حرمان المحاضر من القدر الضروري من المرونة، حيث تم تقسيم كل فصل (تطبيق عملي) إلى ثلاثة أقسام، كما أعقب قراءة النص الأفلاطوني الأصلي (أو الأرسطي) نظرة عامة على المقطع (theôria)، والذي تم تقسيمه بدوره إلى قراءة أقرب لـ(lexis).
قد سمحت النظرة العامة للأستاذ بإبداء جميع أنواع الملاحظات العامة حول أهمية ومعنى المقطع قيد المناقشة، وقدمت القراءة الفاحصة بلاغات أكثر تفصيلاً وغالبًا ما تكون ببساطة فيلولوجية أو لغوية أو منطقية أو بلاغة لا تختلف عن تلك الموجودة في الإصدارات المشروحة الحديثة، ويبدو أنّ إجراء تقسيم تعليقات الفرد إلى هذين القسمين المختلفين هو تطور رسمي لعمل بروكلوس.
الباطل أو الحقيقة في الأمور الفلسفية ليس شيئًا يتحدث عنه أوليمبيودوروس كثيرًا، وإلى حد ما مكرس بشكل تجريدي لأوليمبيودوروس في المفاهيم المشتركة (koinai ennoiai)، وربما لم يكن السبب هو أنّه لم يكن لديه مثل هذه القناعات لكنها كانت غير مناسبة أو غير مرغوب فيها في الفصل.
في كثير من الأحيان ما ثبت أنّه أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للباحثين المعاصرين لأسباب تاريخية هو الملاحظات التي تم الإدلاء بها بشكل عابر، على سبيل المثال التصريح المحير بأنّ بعض هبات الأكاديمية في أثينا كانت لا تزال سليمة في عصره.
حيث أنّ البلاغة الإسكندري أناتوليوس هيأ خط هوميروس لتأثير كبير في عام 546، أو أنّ الانتحار ممنوع، وذلك لأنّه وفقًا لتقليد الأورفيك (Orphic) فإنّ الأجسام البشرية تنتمي إلى ديونيسوس (Dionysus).
من حين لآخر يتم مواجة حكاية عن أمونيوس الذي كان أولمبيودوروس يحترمه بوضوح والذي يستدعيه كثيرًا لتضخيم سلطته، وتوحي إحدى هذه الحكايات بوجود توتر بين الحكم الإمبراطوري والآراء السياسية للفلاسفة.
بالقرب من نهاية تعليق جورجياس يؤيد أوليمبيودوروس الرأي القائل بأنّ الأرستقراطية هي أفضل شكل من أشكال الحكم وأعلى بكثير من الديمقراطية، ويبرر ذلك من خلال الادعاء بأنّ المدينة تمامًا مثل الإنسان، وهي صورة مصغرة يجب أن يشبه الكون الكبير.
لكن يبدو أنّ هذه الحجة تفضل الملكية، لأنّه مثلما يحكم الكون فقط الله تعالى، فلا ينبغي أن يكون هناك عدد من الناس العاديين الذين يحكمون، بل رجل دولة واحد حكيم وحقيقي.
في بعض الأحيان ترتفع التوترات الأساسية إلى السطح، لكن أوليمبيودوروس كان ببراعة يتجنب المشاكل من الجمهور، ففي محاضرته الرابعة والأربعين عن غرجس (Gorgias) على سبيل المثال طمأن طلابه بأنّ الأساطير الوثنية لا يجب أن تؤخذ حرفياً، كما يجب على المرء أن يفهم أنّ الأسماء مثل زيوس وهيرا وهاديس كانت مجرد جزء من اللغة التي تحدثوا بها (أي الإغريق القدماء).
أوليمبيودورس الخيميائي:
تثير مناقشة التعليق على الأرصاد الجوية لأرسطو مع ما يسمى بـ(الأطروحة الكيميائية) في كتابها الرابع، مسألة هوية أولمبيودوروس الأفلاطوني المحدث مع شخصية أخرى تحمل نفس الاسم بالضبط الذي يظهر في التقليد الكيميائي.
تشير أربع مخطوطات موجودة لعمل كيميائي يُزعم أنّه تعليق على إنرجيان زوسيموس (في النشاط) إلى أنّ القطعة كتبها أوليمبيودوروس الفيلسوف الإسكندري.
تبدأ الرسالة الخيميائية كتعليق على زوسيموس، وذلك من بانوبوليس وليس مؤرخ القرن الخامس الميلادي موضحًا مقطعًا صغيرًا ببعض التفاصيل، لكنها تستمر بعد ذلك في سياق خطاب تعليمي مكتوب إلى زميل كيميائي لم يذكر اسمه (يُدعى صديق يفكر في وقت ما)، حيث إنّه يشرح كيفية ربط الأجزاء المتناثرة من الذهب وتنقية المعادن، ويؤكد على أهمية الماء الإلهي وما إلى ذلك.
يعرف المؤلف القليل عن البريسقراطيين (الذين يعتبرهم الخيميائيين)، ولكن لا شيء تقريبًا عن أفلاطون وأرسطو، وبدلاً من ذلك يمكنه الاقتباس بإسهاب من زوسيموس وهيرميس وبيتاسيوس وبيلاجيوس وغيرهم.
يكشف المسح الدقيق للنص بسرعة أنّ العلماء مثل هنري دومينيك سافري محق في افتراض أنّ الأطروحة الخيميائية لا يمكن أن تكون قد أنتجها الفيلسوف الأفلاطوني الحديث، وذلك لسبب واحد على عكس الفيلسوف يبدو أنّ الخيميائي مسيحي ينسب قول بولس: “الحرف يقتل ولكن الروح يحيي” إلى الرب.
بالإضافة إلى ذلك تختلف المحتويات والأسلوب والإلقاء، فضلاً عن الأجواء الخطابية الكاملة التي أنشأها المؤلفان بشكل لافت للنظر، فيانو الذي دافع ذات مرة عن هوية الشخصين، والذي لا يزال يكتشف بعض أوجه التشابه في اللغة بين الأطروحة الخيميائية والتعليق على الكتاب الرابع من الأرصاد الجوية لأرسطو.
كما يقترح الآن أنّ مؤلف الأطروحة الخيميائية ربما استخدم أوليمبيودورس وذلك لتعليق الأرصاد الجوية أو عمل آخر أكثر كيميائية (وليس فلسفية)، وستكون مخطوطات الخيميائي عندئذ شهادة على تأثير أوليمبيودوروس.
على أي حال من الممكن أن نكون على يقين تام من أنّ أولمبيودوروس الأفلاطوني المحدث لم يكتب قطعة الكيمياء هذه، ومع ذلك يبدو من الواضح أنّه هو من تشير المخطوطات إلى مؤلف العمل.
نظرًا لأنّ الرسم الكاذب هو أحد الخصائص المحددة لنوع الأدب الكيميائي، ويبدو من الآمن افتراض أنّ التعليق على زوسيموس هو إسناد خاطئ، ولم يكن هناك قط إسكندراني آخر يُدعى أوليمبيودوروس كانت خبرته في الكيمياء وليس الفلسفة الأفلاطونية.