كلّ الشّعوب تمتلك موروثات ثقافيّة تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التّاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التّراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، إذ يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجدّ من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “إنّما نعطي الذي أُعطينا”.
فيم يُضرب مثل: “إنّما نعطي الذي أُعطينا”؟
لقد جاءت بعض الأمثال المشهورة التي تدور حول الاعتراض على إنجاب الإناث دون الذّكور، ولعلّ من أبرزها المثل المرتبط بقصّة حقيقية حول هذا الموضوع، وهو: “إنّما نعطي الذي أُعطينا” ،إذ إنّ الإنسان لا يستطيع أن يعاند قدره أو يقوم بتغييره، ذلك أنّ المولى_ عزّ وجلّ_ هو الذي المُعطي والمانع، وما بين عطاء الله ومنعه، يسعى الإنسان في محاولات لعيش هذه الحياة، غير أنّ هناك من النّاس من يعترض على بعض أقداره، كالاعتراض على هبة الإناث وألّا يُرزق بالذّكور، وهو من الأمور المحرّمة وغير المقبولة، إذًا فمثل: “إنّما نعطي الذي أُعطينا”، يُضرب في الاعتذار عن الأمور الخارجة عن إرادة البشر.
قصة مثل: إنّما نعطي الذي أُعطينا”
أمّا قصة مثل: “إنّما نعطي الذي أُعطينا”، فيُذكر أنّه في أحد الأزمنة عاش رجل لم يُرزق من الذّريّة إلّا بالبنات، فلمّا أنجبت زوجته أوّل أنثى له، صبر على هذا الأمر؛ ذلك أنّه كان يرغب في أن يُرزق بالذّكور، ولكن عندما أنجبت زوجته الأنثى الثانية، شعر بالغضب، الأمر الذي جعله يهجر زوجته، وذهب ليقطن في بيت قريب منها، فشعرت الزّوجة بالحزن، ذلك أنّها لا تملك أن تُغيّر أقدارها.
لمّا أحسّت الزّوجة بجفاء زوجها، مع علمه أنّه لا ذنب لها، وإنّما هي أُعطيات الله_ جلّ في علاه_ فقامت بنظم أبيات من الشّعر ووجّهتها إلى زوجها، إذ قالت:
“ما لأبي الذلفاء لا يأتينا * وهو في البيت الذي يلينا
يغضب إن لم نلد البنينا * وإنّما نعطي الذي أُعطينا”.
سمع الزّوج تلك الأبيات التي نظمتها زوجته، فأحسّ بالذّنب، ولانت نفسه تجاهها، إذ أثرّت كلماتها فيه، وكأنّه أفاق على الحقيقة بأنّ زوجته لا يد لها في إنجاب الإناث دون الذّكور، الأمر الذي جعله يعود إليها فور سماعه تلك الأبيات، ومنذ ذلك الحين أصبحت مقولة: “إنّما نُعطي الذي أُعطينا”، مثلًا مشهورًا يقوله النّاس عند الاعتذار عن الأمور الخارجة عن إرادتهم.