اقرأ في هذا المقال
- فلسفة برادلي في الأحكام السلبية
- فلسفة برادلي في الأحكام المنفصلة
- ملاحظات هامة حول مفهوم الحكم في فلسفة برادلي
أكثر ما يحير القراء هو عقيدة مقصورة على فئة معينة يستوعب فيها فرانسيس هربرت برادلي الحكم والاستدلال كعمليات يوجد فيها حركة فكرية من الأساس إلى الاستنتاج، وما لم يكن هناك تغيير لم يحدث شيء، لكن أي تغيير يتطلب تبريرًا، وإذا كان للاستدلال أن يكون صحيحًا أو الحكم صحيحًا.
ولكي تكون حركة الفكر مرضية لا يمكن أن تظل الأرضية والتبرير خارجيين ويجب إدخالهما في الداخل، ويتم تحقيق ذلك إلى الحد الذي يمكننا من توسيع نظام تفكيرنا، وقد يبدو أنّ برادلي يتجه الآن إلى حل هيغلي يؤدي فيه استكمال نظام الفكر إلى هوية الفكر والواقع، ولكن برادلي ليس مستعدًا للذهاب إلى هذا الحد، ومع ذلك هذه مسألة تتعلق بالميتافيزيقا وهي خارج نطاق المنطق.
فلسفة برادلي في الأحكام السلبية:
يتحول برادلي الآن إلى الأحكام السلبية، وهو يعتقد أنّ الأحكام السلبية أكثر تعقيدًا من الإيجابية حيث يجب أن تبدأ باقتراح تم رفضه في الحكم، وعلاوة على ذلك يجب أن يعتمد هذا الرفض على افتراض وجود سبب إيجابي للإقصاء حتى لو لم يكن هذا معروفًا.
الأحكام الوجودية السلبية ذات أهمية خاصة، ففي جملة (الأشباح لا توجد)، لا يمكن أن يكون الموضوع النحوي هو الموضوع الحقيقي، بحيث أنّ الموضوع الحقيقي هو طبيعة الأشياء التي ننكر صفة إيواء الأشباح لها، ومع ذلك لا يتم تحديد الطابع الإيجابي للواقع الذي يستبعد الأشباح من خلال الحكم السلبي، وقد يستلزم هذا أنّ الطابع نفسه للواقع قد يستبعد مجموعة متنوعة من الاقتراحات المختلفة.
والاقتراحات المستبعدة لها مصدرها في تجربة مثالية وليس في طبيعة الواقع، ويؤكد الحكم السلبي أنّ بعض صفة الواقع تستثني اقتراحًا و لكنه لا يحدد صفة ما، وتعتمد حقيقة الحكم السلبي على صفة حقيقية تتعارض مع الصفة المستبعدة في الحكم، وبالتالي فإنّ الجودة الحقيقية والنوعية المحددة في الحكم متعاكسان وليسا متناقضين.
والطريقة التي يفترض بها الحكم السلبي صفة في ما هو حقيقي قد لا نكون قادرين على تحديده بحيث يمكن مقارنتها بالطريقة التي يفترض بها الحكم الافتراضي نفس النوع من الجودة مثل تأسيس ارتباطه، ويترتب على ذلك أنّ نفي حكم افتراضي سيكون رفضًا لهذا النوع من الأساس، وإن مجرد التأكيد على السوابق ونفي ما يترتب عليه يتعارض في الواقع مع الحكم الافتراضي ولكنه لا يتناقض معه، فالتناقض الحقيقي سيكون قوياً بما يكفي لاستبعاد الشروط المضادة للواقع.
فلسفة برادلي في الأحكام المنفصلة:
يفهم برادلي الانفصال على أنّه تقديم قائمة ببدائل متنافية أو أكثر، وإنّه على استعداد لربط الانفصال بمجموعة من الأحكام الافتراضية ولكن نظرًا لأنّه لا الأحكام الافتراضية ولا الفصل يعملان في الحقيقة فقد يكون للحكم المنفصل جانب قاطع معين (الحكم المنفصل هو اتحاد الفرضيات على أساس قاطع).
يربط برادلي الانفصال بالاختيار حيث نقوم بالاختيار من بين عدد من البدائل، وهناك قائمة محددة من الاحتمالات فهذه هي ميزته الفئوية، ولا يمكننا استخدام الإضافة المنفصلة لإضافة فصل آخر بطريقة تعسفية فليس احتمالًا حقيقيًا، وبنفس الطريقة فإنّ القول بأنّ شيئًا ما ملون يرتبط بقائمة من الاحتمالات التي نختار منها اللون الفعلي، وإنّ إنتاج الحكم المنفصل الذي يسرد أنواع الألوان يعني تعيين الكائن بشكل قاطع خاصية كونه نوعًا من اللون حتى لو كنا لا نعرف أي لون هو.
يتوافق هذا المثال مع القالب الذي يفضله برادلي بدلاً من النموذج (إما p أو q أو …) وهو مستخدم اليوم، ويتعامل برادلي مع الحكم المنفصل كنوع من الحكم الفردي بالتنسيق (A إما B أو C أو D ….) سيواجه هذا التحليل صعوبات عندما لا توجد (A)، ولكن برادلي واجه هذه المشكلة من قبل، ويتعامل معها عن طريق استبدال الموضوع النحوي بالموضوع الحقيقي، ويمكن لهذه المناورة حتى التعامل مع الحالات التي تبدو أكثر تمردًا مثل (إما أنّ المصباحالكهربائي قد مات أو أنّ المصهر قد انفجر) وسيصبح هذا: “يتميز الواقع إما بخلل في المصباح الكهربائي أو انهيار المصهر”.
ملاحظات هامة حول مفهوم الحكم في فلسفة برادلي:
في خطابه الرئاسي أمام الجمعية الفلسفية الأمريكية عام 1957 بعنوان (الحديث عن الأشياء) كتب ويلارد فان أورمان كوين (W.V. Quine) حيث يقدم البيان الخاص بموقف المنطق الحديث: “نستمر في تحطيم الواقع بطريقة ما إلى عدد من الأشياء القابلة للتحديد والتمييز التي يُشار إليها بمصطلحات مفردة وعامة، ونتحدث بتردد شديد عن الأشياء بحيث يبدو أنّ القول إننا نفعل ذلك يكاد لا نقول شيئًا على الإطلاق، وإلّا كيف هناك لنتحدث؟”.
الحقيقة التي أشار إليها كواين في البداية تختفي تحت السجادة ولا يسمع عنها أكثر، وبالنسبة لبرادلي فإنّ الواقع الذي تم تحطيمه هو ويجب أن يكون الواقع المتاح في التجربة الفورية، ويتم تقسيمها من خلال كلية الفكر والحكم والتي تقدم أفرادًا متميزين يتميزون بأفكار منطقية عالمية، وهذا يجعل من الممكن إصدار أحكام فردية وجماعية تتضمن الصفات والعلاقات.
ومع ذلك لا تتوافق جميع الأحكام المتعلقة بما هو حقيقي مع هذا النموذج، وهناك أحكام صادقة حول الواقع تتجاوز الإشارة إلى أفراد حقيقيين، وقد يتعامل المنطق الحديث مع بعض هذه الأحكام بطرق أخرى ولكن بعضها يظل مزعجًا مثل الأحكام التي تتضمن مصطلحات جماعية، حيث أنّ نظام برادلي المنطقي أكثر مرونة ويمكنه التعامل مع التنوع الذي نجده.
تكمن قوة نظرية برادلي في الحكم في المرونة التي تستوعب من خلالها مجموعة متنوعة من الأشكال، وضعفها هو أنّه من خلال الإصرار على أنّ الموضوع النهائي للحكم هو الواقع، ويبدو أنّه يقوض شرعية الأحكام الفردية والجماعية التي نعتمد عليها عادة، وتتمثل إحدى طرق الاحتفاظ بمنطق برادلي مع رفض الأحادية المطلقة لنظريته الميتافيزيقية في الاعتراف بأنّ (الواقع) بحد ذاته مصطلح جماعي.
إنّ التطورات اللاحقة في منطق المصطلحات الجماعية التي تثبت أنّ مثل هذا الصداع للمنطق الحديث تجعل منطق برادلي أكثر قبولًا، ويمكن استخدام المفاهيم مثل (الذهب) والتي لا تجمع الواقع في حد ذاتها في وحدات بنفس طريقة استخدام أسماء العد مثل (الكلب) بطرق مختلفة.
يمكن استخدامها في حكم فردي للإشارة إلى قطعة من الذهب، بحيث يمكن استخدامها في أحكام الجمع للإشارة إلى قطع من الذهب، وهناك أيضًا استخدام ثالث كما هو الحال في الذهب أصفر حيث يكون المفهوم المرتبطة بمصطلح جماعي (من المثير للاهتمام أنّ برادلي يستخدم هذا المثال بالذات6) دون أن يلاحظ طابعه الخاص) إنّ إمكانية هذا الاستخدام الثالث لا تبطل بالتأكيد الاستخدامات الأخرى في أحكام المفرد والجمع.
هذا التفسير للعملية التي وصفها كواين هو بالطبع في وجهة نظر برادلي السفلية، ولكن استخدام مصطلح شامل لتعيين الإعداد للكائن الفردي بدلاً من سلسلة من الأفراد الآخرين قد يثني عن الرغبة في الانتقال إلى المنظر الأعلى الغامض، وللعزل داخل الكتلة المحسوسة الحسية المعينة بمصطلح جماعي، يبدو أنّ كائنًا فرديًا مرتبطًا بمحتوى مثالي مفكك عن ما هو معطى، وهو تفسير جيد لعملية التفكير بقدر ما يمكننا الحصول عليه.