إن فن الترجمة هو فن يستغرق الوقت الطويل للحديث عنه؛ فهو فن له عدّة جوانب وكل جانب من هذه الجوانب يشغل عدّة قضايا نقدية وخلافية وغيرها، تعريف الترجمة اختلف لدى البعض، منهم من عرّفها بأنّها أداة توصل مفيدة ومنهم من عرّفها بأنّها عديمة الفائدة بل إنّها تقوم بتشويه النصوص، بالإضافة لاختلاف وجهات النظر بالمعايير المراد وضعها للترجمة والمترجم، سنتحدّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن نسق الترجمة وتعددية اللغات، تعريف الترجمة داخل وخارج إطار اللغة.
الترجمة وتعددية اللغات
عندما نريد تعريف الترجمة على أنّها نقل الكلام من لغة إلى أخرى؛ فإنّنا نقول بأنّها فن متعدّد ومتنوّع اللغات، وعندما نريد تعريف الترجمة على أنّها مرادف تأويلي لكل مجموعة دالة على جماعة لغوية فنقول إن الترجمة طائلة من الصعوبات والنقائض التي تثيرها الترجمة من لغة إلى أخرى.
وجد فن الترجمة بالأساس لأن الناس يتكلّمون لغات مختلفة، وهنالك من يتساءل لماذا تعدّد اللغات، ولماذا لم يختر العالم كلّه بأن يتكلّم سوى لغة واحدة؟ لكن اللغات هي عديدة ومتنوّعة ووجب وجود التبادل والانجذاب فيما بينها، كانت اللغة في بدايات البشرية تقتصر على العلامات فقط، وليس هنالك كلمات أو أحرف على الأطلاق، ولكنّها كانت تنوب عن اللغة.
وكانت هذه العلامات تقوم بمهمّة اللغة على أكمل وجه، ولكن وجب التعرّف على هويّة الحالة العرقية للأشخاص، ومع اختلاف الأعراق اختلفت اللغات، لذلك وجب وجود ما يسمّى بالترجمة، بدأ شكل الترجمة يظهر في عدّة شخصيات مختلفة مثل: الرحالة، الجواسيس، التجار، السفراء، هؤلاء الأشخاص كانوا بحسب طبيعة عملهم متعدّدي اللغات، وهذا أصبح ظاهرة لدى العديد من هذه الشخصيات وهو امتلاكهم للغات غير اللغة الأم.
هذا الأمر أثار جدلاُ حول الترجمة؛ حيث أصبحت الترجمة وكأنّها داخل متاهة ومتواجدة مع بديل وجب التخلّص منه، يقصد بهذا البديل هو ثنائية اللغة لدى البعض، وكان هذا الأمر يشكّل خطر وعائق على الترجمة بحد ذاتها، ويتمثّل الخطر أن اللذين يتكلّمون عدّة لغات استطاعوا أن يثبتوا أن بإمكانهم التواصل من خلال استخدام اللغات الأخرى، دون اللجوء إلى الترجمة.
فهنا صار الاختلاف هل الحاجة إلى الترجمة تجعلها ممكنة، وهل الترجمة تتعامل مع اللغات الأخرى كما يتعامل الأشخاص ثنائيي اللغة؟ الإجابة هي لا، لأنّ الترجمة لا تركّز على اللغة المنطوقة فقط، بل هي توجب على المترجم إظهار اللغة من خلال موصوفاتها الصوتية واللفظية والتركيبية والبلاغية، وإذا كانت تعدديّة اللغات جذرية فإن الترجمة تكون متعذرة بالقوة، أمّا إذا كانت ممكنة فإنّه يجب إعادة الاعتبار لها عن طريق التقصّي في أصلها لإعادة بناء ظروف الحدث الملاحظ ما قبلياً.
إن تعريف الترجمة داخل اللغة يعتبر أمراً محيّراً، فهي بنظر الأدباء مجازفة لغوية بغض النظر عن أنّها ممكنة أو غير ممكنة، فهي تتأرجح ما بين الأمانة وعدمها، عرّفها البعض بأنّها البديل العملي للأمانة، وعند النظر للترجمة خارج الإطار اللغوي والحديث عن إمكانيّتها أو استحالتها فيمكن القول أن الترجمة بنظر البعض تعتبر أمراً مستحيلاً؛ حيث هنالك صعوبة في حدوث واكتمال المطابقة اللغوية؛ وهذا بسبب التقطيعات المختلفة التي ترتكز عليها الأنظمة اللغوية المختلفة.
بالإضافة لاختلاف التقطيعات الصوتية والمفصلية، كذلك الاختلاف الذي ينشأ من التقطيع المفهومي ويقصد به التقطيع الذي يتحكّم في الأنظمة المفرداتية مثل القواميس وغيرها، والتقطيع التركيبي، كل هذه العوامل التفصيلي تجعل الترجمة بوجهة نظر البعض غير قابلة أو مستحيلة، فعلى سبيل المثال الأزمنة في اللغة العربية تختلف تماماً على ما هو الحال في اللغة الإنجليزية الفرنسية.
وبذلك نرى بأن التقطيع اللساني يختلف بين اللغات، ولكن الترجمة فن موجود، ومن هنا ننتقل للرأي الآخر بأن الترجمة ممكنة، ومع الاعتراف بتعدّد اللغات، فهنالك بنيات خفية في اللغة، إمّا أن تكون آثار للغة أصلية مخفية ويجب إيجادها، أو وجود شيفرات قبلية بشكل بنيات كلية.
ومثال على اللغات الخفية ذات الآثار الغامضة: (اللغة الآرية)، هنالك من يقول بأنّها لغة مزعومة، ومنهم من يقول بأنّها لغة تاريخية وحنينه لها فرض عليه أن يعمل كمترجم، من أجل البحث عن اللهجات القديمة والخفية، أمّا الشيفرات القبلية فمثال عليها هي البحث عن اللغة المثالية في الدول الأوروبية، أي البحث عن اللغة الأم أو اللغة المصدر أو ما تسمّى (اللغة الطبيعية). جميع هذه العوامل حركّت الانشغال باللغة، خاصةً اللغة الذاتية الخاصّة فأوجبت الترجمة وجعلت منها أمراً ممكناً.