نُشر بيروس وسينياس (Pyrrhus and Cinéas) عام 1944، وبعد عام واحد من جاءت لتبقى (She Came To Stay) وهو أول مقال فلسفي للفيلسوفة سيمون دو بوفوار.
كتاب بيروس وسينياس:
يتناول بيروس وسينياس قضايا أخلاقية وسياسية أساسية مثل:
1- ما هي معايير العمل الأخلاقي؟
2- كيف يمكنني التمييز بين المشاريع السياسية الأخلاقية وغير الأخلاقية؟
3- ما هي مبادئ العلاقات الأخلاقية؟
4- هل يمكن تبرير العنف؟
حيث تفحص هذه الأسئلة من منظور وجودي ظاهري، ومن خلال أخذ حالة الفرد الملموس الموجود كنقطة انطلاق له فإنّه يوفر تحليلاً للطرق التي نشارك فيها بالضرورة في العالم، وبصفتنا مواضيع معينة وربطنا بالآخرين بشكل لا مفر منه، وعلى الرغم من أنّها ليست نسوية بأي معنى محدد إلّا أنّ بيروس وسينياس تثير أسئلة نسوية مقنعة مثل: تحت أي ظروف إن وجدت يمكنني التحدث باسم شخص آخر؟
بعد افتتاح بيروس وسينياس برواية بلوتارخ عن محادثة بين بيروس وسينياس حيث تم التشكيك في مبرر الفعل، حيث وجدت بوفوار أنّ التوصية غير فعالة تتعارض مع حقائق الطبيعة البشرية والرغبة، وتطرح ثلاثة أسئلة وهي:
1- ما هو مقياس الشخص؟
2- ما هي الأهداف التي يمكن للمرء أن يضعها لنفسه؟
3- ما هي الآمال المسموح لنا؟
فلسفة بوفوار في الجزء الأول والثاني:
ثم قامت بتقسيم النص إلى قسمين ينتقل الجزء الأول من الحقيقة الأنطولوجية -هي أنني حرية محدودة ونهاياتها دائمًا وبدايات جديدة بالضرورة- إلى الأسئلة الوجودية: أي كيف يمكنني أن أرغب في أن أكون ما أنا عليه؟ وكيف يمكنني أن أعيش نهايتي بشغف؟ حيث تؤدي هذه الأسئلة الوجودية إلى أسئلة أخلاقية وسياسية وهي: ما هي الأفعال التي تعبر عن حقيقة حالتنا وعاطفتها؟ وكيف يمكنني أن أتصرف بطريقة تخلق الظروف التي تحافظ على إنسانية البشر وتدعمها؟
وتختتم الجزء الأول بملاحظة أنّ: “الرجل وحده في العالم سيصاب بالشلل بسبب غرور كل أهدافه، ولكن الإنسان ليس وحده في العالم”.
تفتتح بوفوار الجزء الثاني بالسؤال الأخلاقي الصحيح: ما هي علاقتي بالآخر؟ وهنا تهيمن على التحليل المشكلة الناتجة عن إصرار بوفوار على الطبيعة الراديكالية للحرية، ووفقًا لبوفوار فإنّ الآخر باعتباره حرًا محصن ضد قوتي، وأيًا كان ما أفعله -بصفتي سيد استغل العبيد أو بصفتي جلادًا أقوم بشنق القتلة- فلا يمكنني انتهاك حريتهم الذاتية الداخلية.
وباستبدال الاختلاف الداخلي-الخارجي بالتمييز الديكارتي بين العقل والجسد تجادل بوفوار بأنّه لا يمكننا أبدًا لمس حرية الآخرين بشكل مباشر، فعلاقاتنا إما سطحية ولا تشارك سوى السطح الخارجي لكيان بعضنا البعض، أو يتم التوسط فيها من خلال التزامنا المشترك بهدف أو قيمة مشتركة، وبصفتي حرة فإنني أنقذت من مخاطر العلاقة الحميمة والتهديد بنزع الصفة الإنسانية.
مفهوم الحرية كتعالي:
يبدو أنّ هذا الخط من الجدل يقود إما إلى استنتاجات رواقية حميدة من اللامبالاة المتبادلة أو إلى اكتشاف أنّ الطغاة والإرهابيين لا يشكلون أي تهديد للحرية الفردية، ومع ذلك فإنّ بوفوار لا تدعها تنجرف في هذه الاتجاهات، وبدلاً من ذلك تستخدم التمييز الداخلي والخارجي وفكرة أنني بحاجة إلى الآخرين لتولي مشاريعي إذا كان لهم مستقبل ولتقديم أفكار الاستئناف والمخاطرة.
لقد طورت مفهوم الحرية كتعالي (الحركة نحو مستقبل مفتوح وإمكانيات غير محددة) لتقول إننا لا يمكن أن يحددنا الحاضر، وإنّ جوهر الحرية كتعالي ينسجم بين الحرية وعدم اليقين والمخاطرة، وأن تكون حراً هو أن تكون مشروطًا بشكل جذري، على الرغم من أنني أجد نفسي في عالم مليء بالقيمة والمعنى فإنّ هذه القيم والمعاني قد جلبها الآخرون إلى العالم، فأنا حر في رفضها أو تغييرها أو الموافقة عليها لأنّ معنى العالم تحدده الاختيارات البشرية، ومهما كان خياري لا يمكنني دعمه دون مساعدة الآخرين، ولن تجد قيمي منزلاً في العالم إلّا إذا احتضنها الآخرون وفقط إذا أقنعت الآخرين بجعل قيمي قيمهم.
كما هو حر بشكل جذري وأنا بحاجة إلى الآخر، وأحتاج إلى أن أكون قادرًا على مناشدة الآخرين للانضمام إلي في مشاريعي، وتكمن عقدة المشكلة الأخلاقية هنا أي: كيف يمكنني ككائن حر جذريًا منفصل وجوديًا عن جميع الحريات البشرية الأخرى، وأن أتجاوز عزلات الحرية لإنشاء مجتمع من الحلفاء؟ وبالنظر إلى ضرورة الاحتكام إلى حرية الآخر في ظل أي ظروف يكون هذا الاستئناف ممكنًا؟
في إجابتها على هذه الأسئلة تحول بوفوار التمييز الداخلي والخارجي لصالحها أثناء تطويرها لمفهوم الحرية الموجودة، وعلى الرغم من أنني لا أستطيع أن أتصرف لحساب شخص آخر ولا أن أؤثر بشكل مباشر على حريتهم، إلّا أنني يجب كما تقول بوفوار أن أقبل المسؤولية عن حقيقة أنّ أفعالي تنتج الظروف التي يتصرف فيها الآخرون، فمهما كان سلوكي غير ذي صلة بالحرية الداخلية للآخر فهو يخصني.
تكتب بوفوار: “أنا هو وجه بؤس الآخر، وأنا حقيقة وضعهم”، ومتابعة هذا الاختلاف بين سلطتها في التأثير على حرية الآخر ومسؤوليتها عن وضعهم، واستكشاف الظروف التي بموجبها يمكن أو سيتم سماع مناشدتها للآخر، كما تحدد بوفوار أنّ هناك شرطين للاستئناف وهما:
1- أولاً يجب أن يُسمح لي بالاتصال بالآخر ويجب أن أحارب أولئك الذين يحاولون إسكاتي.
2- ثانيًا يجب أن يكون هناك آخرون يمكنهم الرد على مكالمتي.
قد يكون الشرط الأول سياسياً بحتاً والثاني سياسي ومادي، حيث تجادل بوفوار أنّ الأعداء فقط هم من يمكنهم سماع مكالمتي أو الرد عليها، وفقط أولئك الذين لم يستهلكهم النضال من أجل البقاء فقط أولئك الذين يعيشون في ظروف مادية من الحرية والصحة والترفيه والأمن يمكن أن يصبحوا حلفاء لي في النضال ضد الظلم، ولذلك فإنّ أول قاعدة للعدالة هي العمل من أجل عالم يتم فيه تأمين الظروف المادية والسياسية للاستئناف.
فلا يتم استبعاد العنف، وبالنظر إلى أنّ بوفوار جادلت بأنّه لا يمكننا أبدًا الوصول إلى الآخر في أعماق حريتهم فلا يمكنها وصف ذلك بالشر، ومع ذلك فهي لا تؤيده، كما أنّها لا تتصور مستقبلًا بدون صراع، وحقيقة أننا نختلف في وضعنا وننخرط في عمل التسامي من المواقف التاريخية والاقتصادية والجنس والعرقية المختلفة يضمن أنّ البعض منا سيكون دائمًا عقبة أمام حرية الآخر، وتكتب بوفوار: “نحن محكومون بالعنف”، وتجادل بأنّ العنف ليس شريرًا ولا يمكن تجنبه حيث إنّها مأساة الإنسان.
تنتهي حجة بيروس وسينياس بملاحظة مضطربة، فمن الناحية الأخلاقية نحن ملزمون بالعمل من أجل ظروف المساواة المادية والسياسية، وبدعوتنا للآخرين لتولي مشاريعنا ومنح هذه المشاريع مستقبلًا نحن ممنوعون من إجبار الآخرين على أن يصبحوا حلفاء لنا، ونحن مأمورون بالمناشدة من أجل حريتهم، ومع ذلك عندما يفشل الإقناع يُسمح لنا باللجوء إلى العنف، وإنّ غموض كياننا كذوات لأنفسنا وكأشياء للآخرين في العالم نعيشه في معضلة العنف والعدالة هذه، وعندما نصبح واضحين بشأن معنى الحرية نتعلم أن نعيش حريتنا من خلال قبول محدوديتها وصدورها ومخاطرها وإخفاقاتها.