الخطوط العريضة لفلسفة أندرسون

اقرأ في هذا المقال


ينصب تركيز الفلسفة الواقعية الفيلسوف الأسترالي جون أندرسون على الاستقلال موجهًا بشكل خاص إلى مفهوم العلاقات التأسيسية (التي يعتبرها الخطأ المركزي للمثالية)، ولكنه يعمل أيضًا في تأهيل الأشكال الاختزالية والذرائعية للتفسير العلمي، وموقفه هو أنّه على الرغم من أنّ كل ما هو موجود له علاقات ومشروط، إلّا أنّه مع ذلك شيء محدد موجود له صفات خاصة به، وإنّ الهدف من التحقيق النقدي في أي مجال معين هو تحديد الصفات والخصائص ذات الصلة وتوضيح القضية في شكل حقيقة موضوعية ويمكن نقلها.

جوانب فكر أندرسون:

مهما كانت اهتماماتنا تلفت انتباهنا فإنّ حقيقة الأمر مستقلة عن نظرنا، ومهما كانت الاستخدامات المبتكرة والخيالية التي نستخدمها لأشياء معينة فإنّ هذه الاستخدامات متاحة لنا بسبب الخصائص الموجودة في الأشياء نفسها، وبالنسبة لأندرسون تم ربط جانبين من التكهنات الفلسفية طوال تاريخ الموضوع، ويمكن اعتبار فكره كنظام واحد مع هذه الجوانب التكميلية: بمعنى المنطقي والأخلاقي.

1- أولاً هناك طريقة واحدة للوجود وهي أن تتصرف الأشياء العادية بطرق عادية في المكان والزمان، ولا يمكن ذكر جميع نظريات الحقائق الأعلى والأدنى إلّا من منظور الواقع المشترك الذي نعرفه جميعًا ونتشاركه.

قد طبق أندرسون هذه الأطروحة في جميع المجالات ولا توجد أنواع أو درجات مختلفة من الحقيقة وفقط شيء ما يكون هو الحال أم لا، فالمسلمات والقيم لا توجد فوق عالم المكان والزمان في مجال متسامي للعملية، والقوى ليست كيانات منفصلة عن العمليات التي تشرحها، ولا يمكن تصور العالم العقلي على أنّه يعمل في مجال منفصل عن أو غير المكان والزمان.

ولا يوجد تمييز مطلق أو منطقي بين المسلمات والتفاصيل، فالمسلمات توجد داخل العالم العادي ولكنها لا تنفصل أبدًا عن التفاصيل التي تصفها، أي أنّه لا يوجد مستوى وجودي أعلى أو أقل من مستوى الحالة أو حقيقة موضوع مفترض، وكدراسة للسمات الشكلية للحقائق يقدم المنطق وصفًا لما هو حقيقي موضوعيًا: أي المنطق يستلزم أنطولوجيا عامة.

2- ثانيًا شدد أندرسون على كل من الصعوبات الموضوعية والذاتية المتأصلة في محاولة رؤية الأشياء كما هي، والانضباط الضروري المكتسب في التقاليد المستمرة للبحث النقدي، حيث إنّ مواجهة واقع وجودنا يستلزم الاعتراف وعدم الابتعاد عن انتشار الصراع والتوتر والصراع في جميع المجالات، فبالنسبة لأندرسون توجد حاجات أخلاقية في العالم في أنشطة مثل البحث الفكري والإنتاج الفني والبحث العلمي.

كما يهتم التحقيق الأخلاقي في المقام الأول بتحديد الأنشطة البشرية التي تحركها معايير داخلية للصحة والقيمة وليس الاهتمام بالمكافآت أو المرافق الخارجية، ولكن هذه الأنشطة موجودة بشكل محفوف بالمخاطر في عالم يميل بشكل خطير نحو الركود والفساد، وهناك عمق لاهوتي تقريبًا لتشاؤم أندرسون في هذا الصدد.

تم تحديد وجهات نظر أندرسون في الفلسفة المعيارية في كتابات في الاستقصاء الأخلاقي، وتفسيرها الضيق وعلم الجمال والفكر السياسي والفلسفة التربوية، فالأخلاق هي دراسة الصفات الحقيقية للأنشطة البشرية وليس ما هو صواب أو إلزامي، فهذه الأسئلة الأخيرة تُحال إلى دراسة المعايير والتوقعات العرفية الناشئة عن ممارسات وأساليب حياة معينة، وبالمثل فإنّ الجماليات هي دراسة صفات الأشياء الجميلة، وليست دراسة للمشاعر أو التعبيرات أو الأحكام ولا مصدر توجيهات للفنانين.

ينجح العمل الفني إلى الحد الذي يصور فيه موضوعه بموضوعية ويفسر ما هو عليه (على سبيل المثال يعتبر الغضب موضوع الإلياذة)، ويتمثل النقد الأدبي في تقييم ما إذا كان الفنان قد نجح بشكل موضوعي في التقاط أو تصوير الموضوع المختار، حيث يرى أندرسون في فكره الاجتماعي والسياسي أنّ المجتمع عبارة عن مجموعة معقدة من الحركات المتنافسة والمتعاونة التي لا توحدها غرض اجتماعي شامل ولا يمكن اختزالها لأفرادها.

الأخطاء المنهجية في الفكر الفلسفي لدى أندرسون:

يكمن أساس كل من الجوانب المنطقية والأخلاقية لفكر أندرسون في تحديد الارتباكات والأخطاء المنهجية في الفكر الفلسفي، ويتمثل أحد الارتباك المستمر في الخطأ في تعريف العلاقات على أنّها صفات، والأكثر شيوعًا أنّ الوجود في علاقة ما يُعتقد أنّه يشكل طبيعة بعض كيانات الوضع الخاص، ولكن في حين أنّ المصطلح جنبًا إلى جنب مع الجودة هو وحدة كاملة كما هي، فإنّ المصطلح والعلاقة يكونان ببساطة غير مكتملين بدون مصطلح ثان.

وقد طبق أندرسون هذه الأطروحة على نطاق واسع بحيث لا توجد مثل هذه الأشياء التي يجب أن تُعرف أو تُدرك طبيعتها (الأفكار)، ولا يوجد شيء من هذا القبيل يجب أن تعرف طبيعته (الوعي)، فلا توجد مثل هذه الأشياء التي يجب اتباع طبيعتها أو طبيعتها لتوجيه الفعل (القيم المتصورة على أنّها تقف فوق خيرات وقيم هذه الحياة)، والتي غالبًا ما تكون العلاقات أكثر وضوحًا بالنسبة لنا من الصفات الأساسية للأشياء ذات الصلة.

وبالتالي فإنّ التفسيرات العلائقية تقترح نفسها لنا بشكل طبيعي تمامًا، ومن ناحية أخرى يلزم بذل جهد فكري كبير في أي مجال معين لفهم الطبيعة الوهمية لمثل هذه التفسيرات والطريقة التي تعوق بها تحديد القضايا الحقيقية وتأكيدها.

وفقًا لأندرسون كان أحد الارتباك المركزي الذي أصاب الفلسفة الحديثة منذ الفيلسوف رينيه ديكارت هو هوسها بالأسئلة المعرفية ومحاولة توفير أسس لا تتزعزع لمعرفتنا بالعالم الخارجي، فلا توجد فجوة بين العقل والعالم يجب ردمها لأنّ العقلية تنتمي إلى العالم المكاني والزماني إلى جانب كل شيء آخر، وهذا لا يعني أنّ سوء الفهم مستحيل وفقط هذا الفهم ممكن، ومن الممكن معرفة الظروف والشخصيات المختلفة للأشياء في المقام الأول فقط لأنّ الأشياء لها هذه الشخصيات بشكل مستقل عن استفساراتنا.

ونظرًا لأننا كمعلمين نشغل عالمًا واحدًا من المكان والزمان فإننا نأتي في نفس الظروف وبالتالي ندخل في علاقات مع تلك الأشياء التي نتحرى عنها، وتعتمد كل المعرفة على التحقيق التجريبي وبالتالي فهي غير معصومة من الخطأ: أي فهي ليست مبنية على أي كيانات فورية أو موثوقة مثل بيانات الإحساس أو الأفكار البديهية.

إنّ الأساس المعرفي والأنطولوجي هو الموقف المعقد للوجود هناك وبالتالي كائن معين من نوع معين، حيث إنّ معرفة العقول هي نفسها أشياء مكانية وزمانية معقدة، ومجتمعات من العواطف والمشاعر بدون وعي موحد قد تنتمي إليه هذه، ولا بعض الذات المطلقة التي يمكن تصورها أن تتخذ موقفًا بطريقة ما خارج وخارج عالم المكان والزمان، كما يمكن اعتبار الهوس المعرفي للفلسفة الحديثة محاولة غير منطقية للنظر وراء الاقتراح للحصول على نظرة جانبية لكيفية ارتباط افتراضاتنا بالعالم الحقيقي.


شارك المقالة: