السيرة الشخصية للفيلسوف مور

اقرأ في هذا المقال


جورج إدوارد مور (George Edward Moore)، والذي كره أسمائه الأولى وهي جورج إدوارد ولم يستخدمها أبدًا حيث كانت زوجته تدعوه بيل، وكان فيلسوفًا بريطانيًا مهمًا في النصف الأول من القرن العشرين، وكان أحد الفلاسفة الثالوثيين في كلية ترينيتي كامبريدج (Trinity College Cambridge) بينما الآخرون هم بيرتراند راسل ولودفيج فيتجنشتاين (Ludwig Wittgenstein) الذين جعلوا كامبريدج واحدة من مراكز ما نسميه الآن الفلسفة التحليلية، ولكن عمله احتضن موضوعات واهتمامات تتجاوز أي برنامج فلسفي واحد.

حياة للفيلسوف مور:

ولد جورج إدوارد مور في 4 نوفمبر 1873، وهو واحد من سبعة أبناء لدانيال وهنريتا مور، وكان هناك ثمانية أطفال من مور إجمالاً، حيث كان لدانيال ابنة من زوجته الأولى، ونشأ مور في منطقة نوروود العليا في جنوب لندن، وجاء تعليمه المبكر على يد والديه حيث علمه والده القراءة والكتابة والموسيقى ووالدته علمته الفرنسية.

كان مور عازف بيانو وملحنًا أكثر من كفاءة، ففي الثامنة التحق بكلية دولويتش حيث درس اليونانية واللاتينية بشكل أساسي، وكذلك الفرنسية والألمانية والرياضيات، وفي الثامنة عشرة التحق بجامعة كامبريدج حيث بدأ كطالب في الكلاسيكيات، وأثبتت أول سنتين من دراسته الجامعية أنّها أقل صعوبة حيث أنّ الوقت الذي قضاه في دولويتش الذي قد أعده بالفعل بشكل جيد للغاية في اليونانية واللاتينية، وخلال هذا الوقت أصبح مور مهتمًا بالفلسفة كما تذكر لاحقًا:

“لقد قرأت بالفعل في دولويتش بروتاغوراس لأفلاطون لكنني بالتأكيد لم أكن متحمسًا بشدة لأي من الأسئلة الفلسفية التي يثيرها هذا الحوار وما يجب أن يحدث، وخلال هذه السنة الثانية في كامبريدج هو أنني وجدت أنني مهتم جدًا ببعض العبارات الفلسفية التي سمعتها في المحادثة”.

تضمنت المحادثات المعنية شخصيات بارزة مثل هنري سيدجويك وجيمس وماك تاغارت الذي أصبح معلميه، وبيرتراند راسل الذي كان حينها طالبًا قبل مور بعامين والذي أصبح لبعض الوقت صديقًا وحليفًا فلسفيًا، وكانت علاقة مور ورسل مدى الحياة، ولكنها توترت في وقت مبكر.

وإلى جانب حياته المهنية عاش مور حياة أسرية ناجحة، ففي عام 1916 عن عمر يناهز 43 عامًا تزوج من دوروثي إيلي التي كانت تلميذه، وكان للزوجين ولدان وهما نيكولاس (مواليد 1918) وتيموثي (مواليد 1922)، وبكل المقاييس كان مور زوجًا وأبًا مثالي، وتوفي مور في كامبريدج في 24 أكتوبر 1958 حيث دُفن في باحة كنيسة سانت جايلز.

أقول لك ما تقول، يسميني الشرير أو الزوج الخائن أو الأب القاسي أو الأخ الزائف، حيث ضاع في الطبيعة وجمعياتها الخيرية، أو أن أقول الكل في كلمة واحدة قصيرة تدعوني بالمقامر”.

مهن الفيلسوف مور:

كان راسل هو من أقنع مور بدراسة العلوم الأخلاقية وهو قسم في الفلسفة في نظام الجامعة البريطانية، وفي عام 1896 حصل مور على مرتبة الشرف الأولى في كل من الكلاسيكيات والعلوم الأخلاقية، وبعد ذلك حاول الفوز بمنحة الزمالة كما فعل ماك تاغارت وراسل من قبله، ونجح في عام 1898 في محاولته الثانية، وبقي في كامبريدج زميلًا في كلية ترينيتي حتى عام 1904.

ابتداءً من عام 1897 تقريبًا، واستمر خلال فترة عمله كزميل، وبدأ مور في العمل كفيلسوف محترف، حيث شارك في أعمال المجتمعات الفلسفية الموجودة (مثل الجمعية الأرسطية ونادي العلوم الأخلاقية) ونشر أعماله، ويعود تاريخ العديد من أشهر أعماله وأكثرها تأثيرًا إلى هذه الفترة، وخلال هذه الفترة أيضًا حرض مور على الانفصال الكبير عن فلسفة المثالية المطلقة التي كانت سائدة آنذاك والتي من شأنها أن تكون الخطوة الأولى نحو صعود الفلسفة التحليلية.

بعد انتهاء زمالة مور غادر كامبريدج لمدة سبع سنوات وعاش خلالها في إدنبرة وريتشموند ساري، وعمل بشكل مستقل في مشاريع فلسفية مختلفة، ثم عاد إلى كامبريدج في عام 1911 كمحاضر في العلوم الأخلاقية وبقي هناك معظم حياته المهنية وفي واقع حياته، حصل على دكتوراه في الأب Litt.D.

في عام 1913 تم انتخابه زميلًا في الأكاديمية البريطانية عام 1918، وتم اختياره خلفًا لجيمس وارد كأستاذ للفلسفة العقلية والمنطق في عام 1925، وشغل هذا المنصب حتى عام 1939 عندما تقاعد وخلفه فيتجنشتاين، ومن عام 1940 إلى عام 1944 كان مور أستاذًا زائرًا في عدة جامعات في الولايات المتحدة، ثم عاد إلى كامبريدج ولكن ليس للتدريس، فشغل منصب رئيس تحرير مجلة (Mind) وهي المجلة الفلسفية الرائدة في ذلك الوقت من عام 1921 إلى عام 1947، وفي عام 1951 حصل على وسام الاستحقاق البريطاني.

نظرة عامة على فلسفة مور:

كان جورج إدوارد مور فيلسوفًا بريطانيًا مؤثرًا للغاية في أوائل القرن العشرين، وقضى حياته المهنية بشكل أساسي في جامعة كامبريدج، حيث قام بالتدريس جنبًا إلى جنب مع برتراند راسل ثم لودفيج فيتجنشتاين لاحقًا، وفترة التداخل بينهما كانت تسمى (العصر الذهبي) لفلسفة كامبريدج.

فلسفة مور المعرفية:

كانت مساهمات مور الرئيسية في الفلسفة في مجالات الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة والأخلاق والمنهج الفلسفي، وفي نظرية المعرفة يُذكر مور كمدافع قوي عن الواقعية المنطقية، ورفض مور التشكيك من جهة ومن جهة أخرى النظريات الميتافيزيقية التي من شأنها إبطال المعتقدات المنطقية للناس العاديين (غير الفلاسفة)، حيث صاغ مور ثلاث نسخ مختلفة من نظرية المعرفة المنطقية الواقعية على مدار مسيرته المهنية.

دفعت اهتمامات مور المعرفية أيضًا الكثير من أعماله الميتافيزيقية، والتي كانت تركز إلى حد كبير على أنطولوجيا الإدراك، وفي هذا الصدد كان مور صوتًا مهمًا في المناقشة حول بيانات المعنى التي هيمنت على نظرية المعرفة الأنجلو أمريكية في أوائل القرن العشرين.

فلسفة مور الأخلاقية:

في الأخلاق اشتهر مور بتوجيهه للفرق بين الخصائص الأخلاقية وغير الأخلاقية والتي صرفها من المنظور الطبيعي وغير الطبيعي، وكان تصنيف مور للأخلاقيات على أنّها غير طبيعية أحد المفصلات التي تحولت عليها الفلسفة الأخلاقية في الأكاديمية الأنجلو أمريكية حتى عام 1960 تقريبًا.

وتضمن نهج مور في الفلسفة التركيز على المشكلات الضيقة وتجنب التوليف الكبير، وكانت طريقته هي التدقيق في معاني المصطلحات الرئيسية التي عبّر فيها الفلاسفة عن أنفسهم مع الحفاظ على الالتزام الضمني بمثل الوضوح والصرامة والجدل، وكان هذا الجانب من أسلوبه الفلسفي جديدًا بشكل كافٍ وواضحًا لدرجة أنّ الكثيرين اعتبره ابتكارًا في المنهجية الفلسفية.

ونتيجة لذلك يُعرف مور جنبًا إلى جنب مع برتراند راسل على نطاق واسع كمؤسس للفلسفة التحليلية، وهو نوع الفلسفة الذي سيطر على الأكاديمية في بريطانيا والولايات المتحدة منذ حوالي ثلاثينيات القرن الماضي، وكان لمور أيضًا تأثير كبير خارج الفلسفة الأكاديمية، من خلال اتصالاته في رسل كامبريدج (Cambridge Apostles) ومجموعة بلومزبري (Bloomsbury)، وفي كل من المجالين الأكاديمي وغير الأكاديمي كان تأثير مور يرجع إلى حد كبير إلى شخصيته الاستثنائية وشخصيته الأخلاقية.


شارك المقالة: