الطمع ضر ما نفع

اقرأ في هذا المقال


قال بعض العلماء إنه لا يجب على الأديب أن يُقصر في معرفة الأمثال؛ وذلك لأن الحاجة إليها ملحة وضرورية، وأن العرب لم يضعوا الأمثال إلا لأسباب جعلتها واجبة ووقائع اقتضتها، فأصبح المثل المضروب لأمر ما عندهم كالعلامة الدالّة التي يُعرف بها الشيء، وليس في كلامهم أوجز منها ولا أشد اختصارًا، ومثلنا الذي بين أيدينا هو: “الطمع ضرّ ما نفع”، سنتعرف معًا إلى القصة الأصلية التي حدث فيها، ولمَ يُضرب.

لمَ يُضرب مثل الطمع ضرّ ما نفع؟

يُضرب هذا المثل ليبين أن الرضا بما قسمه الله تعالى كفيل بزيادة الربح، وأن الطمع لا يأتي بخير، فعلى الإنسان أن يرضى بالقليل، ولا يسعى للتحايل، والطمع بالمزيد؛ لذلك على الإنسان أن يتوقف عن الطمع الذي لا يعود على صاحبه إلا بالخسران، فإن الله لا يفضل أحد على آخر إلا بالعمل الصالح وليس لمكانة أو عزوة.
فكلنا نسمع عن قصة صاحب الجنتين التي ورد ذكرها بسورة الكهف، فبعد أن كان له من الرزق والعز، إلا أنه لم يكتفِ بما أعطاه الله عز وجل، وبسبب جشعه وطمعه عمي بصره عن شكر الله على ما آتاه من نعم، فأنكر وظلم واغترّ بما لديه، فما كانت نهايته إلا أن تكون جنته أرضًا خاوية على عروشها لا خير فيها، فعندها لم ينفعه طمعه وندمه.
قال الله تعالى: { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً }.

قصة مثل الطمع ضرّ ما نفع:

يُحكى أنه في غابر الأزمان، وفي إحدى مدن بلاد الشام، كان يعيش خياط، يقوم بعمله بكُل جدّ ونشاط، وكان ينشد خلال العمل وعلى الدوام، عبارة: قوتي تحتي، قوتي تحتي، في يوم من الأيام سمعه أحد اللصوص، وهو يردد تلك العبارة، وذلك حين مرّ بجانب محله، فقال في نفسه: لابد أن وراء هذه العبارة سرًّا، بالفعل عاد اللص إلى محلّ الخياط بعد منتصف الليل، وقام برفع السجادة التي كان يجلس عليها، فوجد بلاطة فيها فتحة صغيرة، فرفع البلاطة فوجد تحتها جرة، شبه مليئة بليرات ذهبية، فأخذها ثم أعاد كل شيء كما كان على وضعه.
في صباح اليوم التالي، عاد الخياط إلى العمل، وكالعادة شرع يعمل بكلّ جد واجتهاد وحيوية، وبقي يردد عبارته المعتادة: قوتي تحتي، قوتي تحتي، وحين أتى آخر النهار، كان الخياط قد أنجز عمله كلّه على أكمل وجه، واستلم أجرته، وقام برفع السجادة، وأسقط الليرة الذهبية في فتحة البلاطة، غير أنه لم يسمع رنين الليرة الذهبية كما اعتاد سماعها حين يرميها كل يوم، على الفور رفع البلاطة، ففوجئ بعدم وجود الجرة، وحزن حزنًا شديدًا، وشعر بالضيق والغضب والقهر.
كان الخياط ذكيًّا، لذلك تمالك نفسه، واستجمع قواه، وألقى الحزن جانبًا، وتمهل وأخذ يفكر في طريقة يستعيد بها ماله، وفي صباح اليوم التالي عاد إلى عمله، وبدأ يعمل بجد واجتهاد ونشاط، وينشد وهو مقهور: لو خلاها لعبأناها، لو خلاها لمليناها، مرّ اللص وسمعه يردد هذه العبارة، ويعمل بجد ونشاط، وسمعه يردد ذلك لعدة أيام دون كلل، فطمع اللص، وقال في نفسه: لماذا لا أجرب أن أعيدها؛ ليملأها الخياط كما يقول، فلن أخسر شيئًا، حيث سأعود وآخذها مرة أخرى.
بالفعل عاد اللص إلى دكان الخياط، وقام بإعادة جرة النقود إلى حيث كانت تحت البلاطة، وفي اليوم التالي وقبل أن يشرع الخياط بعمله، قام برفع البلاطة فوجد تحتها جرة النقود، وعلى الفور جلس ليقوم بإحصاء ليراته الذهبية، فألفاها كما كانت، فأخذها وخبأها في مكان أمين، وبدأ ينشد وهو مسرور: الطمع ضر ما نفع، الطمع ضر ما نفع، وبالطبع لم يحظَ اللص إلا بالخيبة جزاء احتياله وطمعه، وقد أصبحت هذه العبارة مثلًا مشهورًا، تناقلته الأجيال حتى وقتنا الحالي.


شارك المقالة: