كلّ الشّعوب تمتلك موروثات ثقافيّة تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التّاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التّراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، إذ يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجدّ من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “العزّ للرّز والبرغل شنق حاله”.
أصل مثل: “العزّ للرزّ، والبرغل شنق حاله”
“العزّ للرزّ ، والبرغل شنق حاله”، من الأمثال الشعبية في منطقة بلاد الشّام، إذ يكثر استخدام الأرز في بلاد العرب عمومًا، والشّام على وجه الخصوص، فقد كان معروفًا أنّ “البرغل” كان يدخل في الكثير من أصناف الطعام، غير أنّه لمّا ظهر الأرز، راح النّاس يسخرون من البرغل، بالقول: “العزّ للرز، والبرغل شنق حاله”، وقد كان الأرز الأغلى في السّعر، لذا كان اقتناؤه حصرًا بالعائلات الميسورة الحال، وبالنسبة للبرغل فقد كان طعامًا للكادحين رغم أنّه صحيّ، إذ إنّه ما يستخرج من حبوب القمح المجروش بعد تنظيفها وسلقها.
قصة مثل: “العز للرز والبرغل شنق حاله”
أمّا عن حكاية مثل: “العزّ للرز، والبرغل شنق حاله”، فيُروى أنّ رجلًا كان متزوّجًا من اثنتين، والغيرة كانت تغلي في قلب كلٍّ منهما، فكانت إحداهما لا توفّر جهدًا في استثارة غضب الأخرى، وذلك بالتّدلّل على الزّوج والتّزيّن له، وكان الزّوج لا يعلم بالذي يدور .
في أحد الأيّام رغبت الزّوجتان أن تتباريا بما يقدمانه لزوجهما من صنوف الأكل، ففكرت الأولى أن تطبخ لزوجها الأرز بالطريقة التي يحبّ، بينما خطر للثّانية أن تطبخ البرغل؛ لاعتقادها أنّه الطّعام المفضّل لزوجها، ولمّا حان وقت الغداء، كانت الزّوجتان قد أعدّتا ما لذ وطاب من الطّعام، ووضعت كلّ واحدة منهما طبقها التي أعدّته، فوجد الزّوج طبق الأرز وإلى جواره طبق البرغل، ولأنّه كان يحب زوجته الأولى أكثر فطن لما برأس كلّ منهما.
بادر الزّوج بمدّ يده إلى طبق الأرز وبدأ يأكل منه، وقتها أدركت الزّوجة الأولى الأمر، وقالت للثّانية كي تقهرها: “العزّ للرزّ، والبرغل شنق حاله”، ومنذ ذلك الوقت، أُطلقت العبارة مثلًا يُضرب فيمن يقع عليه الاختيار دون غيره، أي عندما تواجه الإنسان مواقف عليه أن يفضّل فيها شيئًا على شيء، أو أحدًا دون الآخر.